24 ساعة في قبضة الدولة الإسلامية

نادية مراد تروي القصة الكاملة كما لم تفعل من قبل، حول اختطافها واغتصابها من قبل إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية، و التجربة التي جعلت منها امرأة بهذه القوّة.

GREECE-IRAQI-SYRIA-CONFLICT-YAZIDI ناديا مراد

“كنت أنظُر إلى ساقيّ، الدم يجري فوقهما، لم أود أن أصدّق أن هذا الجسد المنتهك هو (أنا)”. نادية مراد، التي تفضّل مناداتها بالاسم المعروفة به في قريتها وبين أهلها، ماردلين. لم تكن المرة الأولى التي تجد فيها نفسها بهذه الحال. لكنها أصعب من سابقاتها بكثير. جسد نحيف، وهيئة ضعيفة لا يمكنها احتمال تلك الجحيم. لكنها تكرر أن شتائم وإهانات إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية، كانت مميتة أكثر من التعذيب الجسدي والاعتداءات الجنسية.

 

3000 فتاة أيزيدية من سنجار يتم الاتجار بهنّ

7Z3C9657

ماردلين فتاة أيزيدية لم تكمل العشرين من عمرها، عيناها سوداوان ذابلتان وبشرتها شاحبة، تلفظ أنفاسها بين كلمة وأُخرى. و تقول: “عندما كان يغتصبني الواحد تلو الآخر، كانت صورة أمي كالطّيف الأبيض لا تفارق مخيلتي، كنت أخاف أن أفتح عينيّ و أرى ما يفعلونه بي، كانت أصواتهم أشدّ تعذيباً”.

و تضيف: “كانوا يضحكون بصوتٍ عالٍ، يستهترون و يستهينون بجسدي الضعيف، و يبصقون في وجهي باستمرار، حتى شعري لم يسلم منهم، كنت أرى أصابعهم ممتلئة بالشعر، فكلٍ منهم أخذ حصته وهو يجرني نحوه”.

ليست ماردلين الوحيدة، بل عاشت و تعيش لليوم، أكثر من 3000 فتاة و امرأة أيزيدية من قضاء سنجار، المأساة ذاتها. إذ يتم الإتجار بهن، و استخدامهن كغنائم حرب و سبايا، و يُمنحن كجوائز في المسابقات الدينية المنظمة من قبل داعش. كما تعلّق صورهن في أماكن مختلفة مخصصة و معلنة، لغرض البيع أو التبديل و التأجير. تؤكد ماردلين أنها رأت صور المئات من الفتيات معلّقة في مكان يطلق عليه محكمة الموصل الشرعية، مرفقاً بالصورة لقب المالك و رقم جواله. هكذا، قام مالك ماردلين بتأجيرها لمرات عديدة. توضح: “في إحدى المرات توسلت إليه و بكيت كثيراً، قلت له لا ترسلني، أقسمت له أنني سأمزق وجهي بأي آلةٍ حادة، إن أرسلني لمن طلب تأجيري منه، فجسدي لم يعد يحتمل، صار يضحك و يقول سأتصل به و أدعي أنّك مريضة هذه المرة”.

حتى العادة الشهرية لا توقف الداعشي عن ممارسة الجنس

تروي ماردلين أول اعتداء حصل لها، يوم الأربعاء 20 أوت/ أغسطس 2014: “جردني من ملابسي وجرني على الأرض، تعامل معي بشكل رخيص. طلب مني أن أخلع بنفسي آخر قطعة بقيت على جسدي، أخبرته أنني في مرحلة الدورة الشهرية وبكيت وأنا أترجاه أن لا يؤذيني، صار يضحك بصوت عالٍ، ويقول غيرك أيضاً قال هذا. أنت تكذبين. حتى تأكد بنفسه، ثم رماني بقوة. كانت أوّل مرة أكون سعيدة بتلك الدورة، لكن الدورة التي أتتني خوفاً مثلما حصل للكثيرات من حولي، لم تنقذني. ففي اليوم التالي تم اغتصابي”.

0C8C6342

توضح ماردلين أنها، والأخريات، تنقلت لأماكن عديدة، بحكم العناصر التي كانت تباع أو تُهدى لهم. تقول: “التقيت الكثير من الفتيات، بعضهن صغيرات جداً لا تتجاوز أعمارهن 9 سنوات، و أخريات أمهات برفقتهن أطفال رضّع و كذلك حوامل”. وت ذكر قصة طفلة في الحادية عشرة من العمر، ربطوها ليومين، بسياج حديقة البيت المحتجزة فيه، ثم اعتدى عليها اثنان من عناصر داعش، مدى نهار كامل، لأنها حاولت الفرار. فعقوبة من يخالف الأوامر و يعصيها، أو من يحاول الهرب، هي الاغتصاب الجماعي والبيع بأثمان رخيصة، إلى جانب التعذيب بالكهرباء، و الضرب بالأسلاك الكهربائية أو الأحزمة و الحبال و غيرها من الأدوات.

شهدت بنفسي على إعدام عائلتي

7Z3C8945

عاشت كل أنواع التعذيب، و تقول: “تم تعذيبي بشتى الوسائل، و قاموا بإطفاء السجائر على كتفيّ، و لليوم يوجد آثار على كتفي اليمنى. في اليوم الأول ضربوني في غرفة جانبية في قصر عالٍ، قرب الجامع الأكبر في الموصل. ركلني أحد الرجال عشرات المرات لأنني صرخت أثناء تحرّش أحد عناصرهم بي داخل المُنشأة التي كانت تقودنا من منطقة صولاخ، و هي منطقة زراعية سياحية جنوب سنجار إلى الموصل، الساعة 10:38 من ليل 15 أغسطس 2014”.

_MG_3256

و تضيف: “كنّا أكثر من 150 فتاة من قرية كوجو، جنوب قضاء سنجار، و أكبرنا لم تبلغ الـ25. نُقلنا في 4 منشآت كبيرة. صرخت و بكيت حينها، و صرخت الفتيات. كنّا نعتقد أنهم لن يلمسونا، و لن يصيبنا مكروه، و أنهم أخذونا كرهائن فقط، بحسب قولهم، إنّما العكس كان صحيحاً.

تعصر أصابعها و تشدّها، و هي تنظر حولها، كأن عينيها الواسعتين تبحثان عن شيء في تلك الذاكرة القوية، التي حفظت كل اسم قابلته بالتوقيت و الزمان.

تضحك و هي تقول: “أتعلمين أن أخي كان جائعاً حين أعدموه برفقة 5 إخوة آخرين. نعم أطلقوا النيران على الجميع، كنت في الطابق الثاني من مدرسة قريتنا، و رأيت بأم عيني التراب كالعاصفة يعلو من طرف القرية”.

و تكمل ماردلين: “لم نكن نعلم أن هذا سيكون مصيرنا، فكان عناصر التنظيم يتكلمون باسم أبو حمزة المسؤول الرئيسي، ويخبروننا أن لا علاقة للأيزيدية بمعاركهم، فهم يحاربون الحكومة الصفوية وكانوا يقصدون بذلك المالكي والشيعة. أمهلونا مهلتين مخيِرين الجميع بين اعتناق الإسلام أو الموت. وبعد مرور 10 أيام، رفض الجميع الدخول إلى الإسلام، فأبلغونا أنهم لن يؤذونا، و علينا جميعاً التوجه إلى مدرسة القرية. أخي كان قد استيقظ من النوم تواً، فتح الثلاجة ليخرج شيئاً و يأكله، سحبته أمي من يده و صارت تنادينا بصوت عالٍ و خائف: هيا فلنذهب، الجميع يجتمع في المدرسة”. تضيف: “هكذا فصلوا إخوتي مع الرجال، بعدما سلبوا الذهب و الهواتف النقالة و النقود و حتى ألبومات الصور، التي حملها السكان معهم. صعد الرجال في سيارات بيك آب، و توجهوا بهم إلى خارج القرية، كانت أصوات الطلقات مروّعة، و هي تمتزج بأصوات النساء و الأطفال. الكل كان يبكي و يصرخ، و أمي كانت تبكي و تردد: لم أدع أخاك يشرب حتى كأس ماء، أخذوه إلى المجهول و هو جائع و عطشان”.

طيف أمي الملائكي أبقاني على قيد الحياة

_MG_3583

والدتها التي كانت كالحلم الجميل، و التي كانت تدعوها بـ”كجكوكا منىَ” أي صغيرتي، هي الأخرى مع 84 امرأة مسنّة عُثر عليهن في مقبرة جماعية في صولاخ. طيف أمها كان الحارس و الداعي الوحيد لبقائها. كثيراً ما فكرت بالانتحار و هي تنظر إلى نفسها كجسد عار يعامل بشكل غير إنساني.

لكنها في كل مرة كانت تلملم بقايا ثيابها الممزقة، و هي تخطط للهروب، حتى وجدت طريقاً يحمل خيارين، إما الموت أو النجاة. نجحت بشجاعة و هربت من داخل الموصل بمساعدة عائلة موصلية فقيرة، لكنها وجدت نفسها في مخيم للاجئين يطلق عليه مخيم قاضية في منطقة زاخو في إقليم كردستان العراق.

تقول ماردلين: ” فرحتي بهروبي لم تكتمل، إذ تلقيت نبأ مقتل والدتي، و بقاء 18 شخصاً من عائلتي لليوم في قبضة داعش. أنتظر لقاء من نجا من عائلتي و أنا أضع رأسي على الوسادة و أتوسّل للرب أن أفيق في الصباح و أجد أن هذا كله كابوس و الحياة في قريتي كوجو طبيعية و جميلة كما كانت”.

تختم: “لا يمكنني أن أنكر أن هذا حلم غالبية من التقيتهنّ من الناجيات من قبضة داعش، لكن يبقى هذا الحلم المشروع مجرد حلم و حنين لحياة قد تلد من صلب الإبادة”.

انتقلت نادية أو ماردلين، للعيش في ألمانيا ضمن مشروع إعادة تأهيل 1000 من المخطوفات الأيزيديات، الذي بادرت به ألمانيا عام 2015. و تحوّلت ماردلين من سبيّة إلى ناشطة مدنية عالمية، تجول أرجاء الأرض لترفع صوت قريناتها، وقد رشحتها الحكومة العراقية لنيل جائزة نوبل للسلام.

 

 

المصدر: رصيف 24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *