يتحدث وزير الطاقة نور الدين بوطرفة في هذا الحوار مع “الشروق الجزائريَة” عن حيثيات جولاته المكوكية للوصول إلى توافق لدى الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منظومة أوبك، وكواليس اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك بالجزائر نهاية الشهر الماضي، وقرار تخفيض الإنتاج الذي وصف بالتاريخي، وماذا حدث داخل الاجتماع المغلق الماراطوني، وكيف تم التوصل إلى إجماع بين جميع الدول الأعضاء بعد أن كان اللقاء على وشك الانتهاء وانصراف المجتمعين دون التوصل إلى أي قرار.
بداية، لماذا انتظرتم هذا الظرف بالذات بعد مرور عامين على بداية الأزمة النفطية، للدفع بدول منظمة “أوبك” للاجتماع واتخاذ قرار؟
نحن لم ننتظر إلى الآن لنبادر، الرئيس سبق وأن أطلق مبادرة عام 2014 ولكن ظروفا لم تسمح في ذلك الوقت للبلدان أن يتوصلوا إلى اتفاق.
وبالنظر إلى السوق النفطية فالعربية السعودية كان لها نظرة أخرى للسوق وحينها أي في 2014 كان النفط الصخري قد أثر كثيرا على مستويات الإنتاج، ما دفعهم بالمملكة لرفع الإنتاج وتسبب ذلك في تراجع الأسعار إلى 60 دولارا، في محاولة للحد من إنتاج النفط الصخري.
لكن الهدف الذي سطر حينها لم ينجح والأسعار تهاوت ووصلت إلى ما بين 20 إلى 30 دولارا ومسعى المملكة فشل، وهو ما أعطى فرصة أخرى لدول الأوبك لتتشاور كيف تعيد التوازن للسوق مرة أخرى.
خلال اجتماع فيينا في جوان كانت لنا الفرصة وتكلمنا مع الرئيس حول إمكانية احتضان الجزائر لمنتدى الطاقة والفرصة لعقد اجتماع غير رسمي لمنظمة أوبك.
بعد تعييني تكلمت مع رئيس المنظمة في جويلية وخاطبته “أريد رؤيتك، للتحضير للمنتدى وللنظر في الاجتماع غير الرسمي”، اتفقنا على اللقاء في سبتمبر، ليتأكد بعدها اللقاء في الجزائر، واعتقد ان هذا اللقاء جاء في الوقت المناسب.
جولة قادتكم لعدد من الدول في أوبك وخارجها قبيل القمة، ما الذي واجهكم من عراقيل وصعوبات لتقريب وجهات النظر؟
عينت حديثا في منصبي كوزير للطاقة وكان الهدف الأول من هذه الزيارات هو فهم المشكل “ما هو المشكل الحقيقي”؟
سمعنا أن هناك مشاكل بين إيران والسعودية فحاولت أن اسمع أولا من إيران التي كان لها شروط للوصول إلى مستوى إنتاج لما قبل العقوبات وكانت ثابتة على هذا القرار أي 4 ملايين برميل.
تكلمت مع الإيرانيين في زيارتي لبلدهم، وقلت لهم من حقكم أن تعودوا إلى مستوى الإنتاج قبل العقوبات، ولكن بالمقابل قلت لهم أيضا أن لكم مسؤولية وما هو الهدف من وصولكم إلى هذا المستوى من النتائج؟ ما هي الفائدة والبرميل في 20 دولارا؟ وقلت لهم يجب أن تكون لكم مسؤولية ومرونة من اجل أن نعيد التوازن للأسعار.
وحقيقة لمست تجاوبا خصوصا أني قلت لهم “لا تنسوا أن الاجتماع في الجزائر ولا نريد اجتماعا فاشلا.. لا نريد أن تكون إيران هي المسؤولة عن فشل اجتماع الجزائر، وحقيقة أبدوا تفهما وأبدوا حبهم للجزائر بحكم علاقاتنا السياسية الجيدة، ولذلك تعهد الوزير الإيراني ونائب رئيس الجمهورية لي بأن لا تكون هناك أسباب من طرفهم يمكن أن تفشل اجتماع الجزائر، وحقيقة غادرت إيران وأنا مؤمن أنه يمكن أن نجد مع إيران تفاهما واتفاقا.
بعدها توجهت إلى قطر والتقيت برئيس المنظمة وأعطاني نظرته وقال لي انتم ستحتضنون الاجتماع على أرض الجزائر، وممكن أن تكون الفرصة، لأن لكم علاقات جيدة مع البلدان الأعضاء وإطلاق واتخاذ مبادرة.
وخلال زيارتي لموسكو تكلمت مع الوزير نوفاك وكانت نظرته واضحة، وان الأسعار تحت 50 دولارا لا تساعد أي طرف، كما أن الوزير الروسي كان صريحا وقال لي إذا أردتم أن ندعم قرار التجميد يجب عليكم في أوبك أن تتفقوا فيما بينكم وتتوصلوا إلى قرار، خصوصا أن روسيا كانت حاضرة في الدوحة ولم نتوصل لقرار، ولذلك كان تخوف من عدم التوصل إلى شيء مشترك.
عند تواجدي في موسكو كلمني الوزير السعودي وطلب لقائي بشكل مستعجل، قال لي أنني في لندن إذا كان بإمكانك المجيء، فأخبرته أن الوفد الذي يرافقني لا يتوفر على تأشيرة للدخول إلى بريطانيا، واتفقنا على اللقاء في باريس وتم ذلك، وخلال اللقاء سمعت منه نظرة بلاده وما الذي تستطيع أن تقوم به ووضع السوق النفطية، حيث أن الوزير السعودي لم يركز على الأسعار خلال اللقاء بقدر ما ركز على إعادة التوازن للسوق النفطية وهو ما سينتج عنه تحسن في الأسعار، وحينها أكد لي على حضور ومشاركة المملكة وبأنها مستعدة لاتخاذ قرار في فائدة الدول الأعضاء وهذا ما تمخض عن اجتماعنا في باريس.
قبيل انطلاق المنتدى ولقاء أوبك بعدها، التصريحات كانت متباينة، ماذا فعلتم لتقريب وجهات النظر؟
قبل الشروع في أي مفاوضات، البلدان دوما ترفع من سقف مطالبها إلى أعلى مستوى وهذا أمر معروف في الوضعيات التفاوضية.
حاولنا سماع جميع الإطراف دون أن نلتفت يمينا ويسارا، في ظل حديث عن خلاف بين السعودية وإيران، لكن في الحقيقة لم أر أي مشكل، بل رأيت نظرة من إيران ونظرة من السعودية مثل الجزائر وهو رفع الأسعار.
إنتاجنا في الأوبك ضعيف ولا يرتقي لمستويات الكثير من الدول، فليس لنا قدرة في الأوبك على مستوى الإنتاج، لكن لدينا قدرة سياسية دبلوماسية.
وأيضا كون الاجتماع كان في الجزائر، فإيران بإمكانها القيام بخطوة وكذلك السعودية، والخطوة هذه في الجزائر تكون لهم أسهل من بلاد أخرى.
كان من المفروض أن يتم اجتماع أوبك خلال ساعتين، لكنه قارب 7 ساعات، ما الذي حدث ليتحول اللقاء من تشاوري إلى استثنائي بقرارات ملزمة؟ وما الذي حدث والأبواب مغلقة؟
الاجتماع كان طويلا فعلا، والنقطة الأساسية هي أننا اتفقنا في البداية أن لا نطلب من السعودية أن تقوم بالخطوة الأولى لوحدها أو إيران هي التي تقوم بها لوحدها، ويجب أن تكون خطوة متزامنة لجميع الأعضاء.
في البداية الأمين العام قدم السيناريوهات المحتملة، وبعدها قلنا الصورة واضحة، ما هي الاقتراحات الملموسة، وما هي القرارات التي سنخرج بها.
الوزير السعودي تكلم واعترف أن إيران ونيجيريا وليبيا لهم ظروف خاصة يمكن معاملتهم بشكل مختلف، وهذه النقطة هي التي ربما سمحت للاجتماع أن يفتح أكثر.
بعد 3 ساعات، أعضاء من الأوبك قالوا: تكلمنا كثيرا ودرسنا السيناريوهات، فلننهي الاجتماع ونحول القرارات لاجتماع فيينا، وبعد مرور 4 ساعات قال عدد من الحضور “انتهينا… الاجتماع تم وانتهى”، وهنا كان الاجتماع على وشك أن يغلق وينتهي.
في هذه الأثناء تناولت الكلمة وخاطبت الأعضاء المجتمعين قائلا: “نحن في الجزائر.. لماذا نحن مجتعمون هنا؟ لقد كان بإمكاننا أن نسلم على بعضنا بطرق أخرى عن طريق الانترنت أو ندوة عبر الواب”.
واصلت مخاطبتي للحضور وقلت لهم: “ما هي البلدان التي أسست أوبك؟ هي المملكة العربية السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا، وسألتهم عن الهدف الذي سطرته المنظمة خلال إطلاقها”، وأضفت: “هل كانت مصلحة فردية، أم جماعية للمنظمة عندما إنطلقت؟ إذا كانت مصلحة فردية فلن نصل إلى أي نتيجة وحتى لو توجهنا إلى فيينا.. لو لم نخرج بقرار اليوم فلن نخرج بقرار أيضا في فيينا وما الذي سيتغير ما بين اليوم ونوفمبر.. لا شيء سيتغير”.
توجهت بعدها إليهم وقلت: “لدينا مسؤولية جماعية”.. نحن في الجزائر أيضا كان لنا وضع داخلي، عشرية سوداء، عقوبات وحصار ومشاكل ولم نطلب يوما من أوبك شيئا، ولا نستطيع أن نقول أن ظروفنا خاصة.. وألحيت على أننا لا يمكن الخروج من هذه القاعة دون الخروج بقرار”، وعندها اقترحنا التجميد عند 32.5 مليون برميل وتشكيل لجنة فنية تدرس مستوى إنتاج كل بلد.
بعد الاجتماع، هل تلقيتم إشارات ايجابية من روسيا للتنسيق والتعاون في إطار تجميد الإنتاج؟
روسيا منذ البداية كان موقفها واضحا وهي مستعدة للتعاون إذا اتفقت دول الأوبك فيما بينها، ولذلك سننتظر اجتماع فيينا لتتضح الرؤية أكثر، واعتقد انه من الآن إلى شهر نوفمبر سنتصل بالطرف الروسي ونأمل في أن يكون هناك لقاء قريب من الطرف الروسي في أكتوبر، وصراحة نحن نتوقع تعاونا ايجابيا.. ننتظر تجسيد الأفعال.
هناك من تحدث عن دور للرئيس بوتفليقة في هذا اللقاء؟
خلال الاجتماع يجب أن لا ننسى دور رئيس الجمهورية، فبلدان الخليج الأعضاء في المنظمة لهم تقدير كبير للرئيس بوتفليقة وهذا الأمر ساعد الاجتماع كثيرا.
وأصارحكم انه قبل الاجتماع، قال وزراء تلك البلدان صراحة “أنه من المستحيل أن نخرج من بلد بوتفليقة دون أن نتوصل إلى قرار..”، قالوا هذا الشيء قبل انطلاق الاجتماع، وأيضا الرئيس كثقل دبلوماسي كان حاضرا خلال الاجتماع وأثر على إيران وبلدان الخليج وفنزويلا أيضا.
احتسب قانون المالية سعرا مرجعيا للبرميل على أساس 50 دولارا بدل 37، ما الهدف من وراء هذا الإجراء؟
الحكومة أرادت الرجوع إلى الحقيقة، وممكن إلى 2018 فسعر 50 دولارا هو الأحسن لتكون القرارات التي تتخذها الحكومة حقيقة وليست خيالا، ومع قرار الأوبك من هنا إلى 7 أو 8 أشهر نتوقع استقرار أسعار النفط ما بين 50 و60 دولارا. ومع ذلك يجب أن نكون واقعيين، يجب أن نخرج من الاقتصاد المبني على المحروقات.
هل من تأكيد حول زيادات جديدة لأسعار الطاقة في قانون المالية؟
القانون سيمر على البرلمان.. سننتظر ذلك وسنرى.
استثمارات سوناطراك تراجعت من 90 إلى 70 مليارا، هل تواجه الشركة صعوبات في تمويل استثماراتها؟
سوناطراك لم تتراجع عن مشاريعها الاستثمارية وكل ما تم برمجته سيتم انجازه، لكن الاستثمارات تراجعت عالميا بـ30 بالمائة وهو ما دفع بالقيمة من 90 إلى 70 مليارا.
وحاليا إنتاج البلاد هو 1.2 برميل وهدفنا هو 1.4 إلى 1.5 بسنة 2020 بارتفاع 25 إلى 30 بالمائة.
والنفط في الجزائر ليس هو الأساس، لأن الجزائر بلد غازي قبل أن تكون نفطية، ومداخيل الغاز مرتبطة بالنفط، وأسعار الأخير تراجعت بـ30 بالمائة، ما يعني أن تراجع مداخيل الغاز هو أيضا 30 بالمائة.
إلى أين وصل مشروع أنبوب الغاز غالسي الذي كان من المفروض أن يربط الجزائر بإيطاليا؟ وهل مازالت أوربا تثق في الجزائر كشريط طاقوي؟
فعليا على أرض الواقع نحن شريك طاقوي لأوربا كسوق قريب ومصلحة مشتركة اقتصادية، والجزائر من حيث الغاز تنتج الآن 96 مليار متر مكعب سنويا.
أما بالنسبة لمشروع غالسي فسبق وأن أبديت رأيي فيه لما كنت في سونلغاز، وقلت أن أنبوب الغاز غالسي سيكون واقعا عندما تسمح بذلك الشروط الاقتصادية، لأنه من أجل انجاز مشروع يجب أن يكون ذا مردودية وإذا لم يكن كذلك فلا يمكن انجازه والشروع فيه، واقتصاديا لا توجد ظروف مناسبة لمشروع غالسي خصوصا في ظل الموارد المتعددة لأوربا حاليا كـ”جي.أن.أل”، وهناك تخمة في المعروض من الغاز.
ماهي أولويات القطاع في ظل النموذج الاقتصادي الجديد؟
هدف القطاع لن يتغير وهو رفع الإنتاج من النفط أو الغاز، وفيما يخص الغاز الطبيعي سنزيد الإنتاج بنحو 10 إلى 15 بالمائة.
أيضا سننطلق فعليا في الطاقات المتجددة التي سيكون دورها هاما في الجزائر في إطار التحول الطاقوي، الذي يرتكز أيضا على الغاز الطبيعي والطاقات المتجددة، ونحن نعمل قبل نهاية السنة ليكون الانطلاق الفعلي للطاقات المتجددة.