واقع الهجرة و الدبلوماسيّة التونسية في دول غرب المتوسّط

عن مركز الدراسات الإستراتيجية و الدبلوماسية – تونس

 

مقدمة:

بدأت الهجرة من تونس مطلع الاستقلال ثم تفاقمت مع تعمق الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية، حيث أن 20 % من المهاجرين في فرنسا مثلا, هاجروا إليها منذ الستينات (1). و قد ارتفعت معدلات الهجرة مع أواخر القرن الماضي و بداية هذا القرن ليبلغ عدد التونسيين المقيمين بالمهجر أكثر من 10% للمجموع العام للسكان, و من هذا المنطلق, قد نفهم أهمية الرهان على هذه الشريحة من المواطنين, الذين و إن تعددت الأسباب لمغادرتهم ارض الوطن فان الهدف واحد و هو الارتقاء الاجتماعي و تحقيق مكاسب اقتصادية. و يلاحظ في السنوات الأخيرة, تغيرا نوعيا في أسبابها و تركيبتها. فبتفاقم أزمة التشغيل و انسداد الأفق أمام طالبي الشغل, دفع بالعديد إلى التفكير في الهجرة, بعد ما أصبحت هي الأمل الوحيد للخروج من الأزمة. فظهرت بذلك موجة “الهجرة الجديدة” و التي تمس خاصة الشرائح الفقيرة و المهمشة و التي تشعر بالقهر الاجتماعي و ترغب في فتح “أبواب الأمل”. فأصبحت الهجرة إلى الخارج مشروعا تتبناه العائلة بأسرها, لتسفير احد أبنائها أو جميعهم, لعلهم يجدون خلاصا لهم و لأهلهم من الفاقة و الفقر, و لو كان الثمن المجازفة بحياة أبنائهم مرتين , الأولى عندما يركبون أمواج البحر و الثانية عندما تطأ أقدامهم الأرض الموعودة. فإذا لم يقض المهاجر نحبه في الإبحار فقد تتحطم كل أماله عندما تطأ قدمه “ارض الرخاء” و عندما يقضي أول أيامه في العراء, و عندما لا يجد ما يأكل لأيام و عندما يمشي أميالا كثيرة, كذلك عندما يتنكر له الأصحاب و عندما تغلق في وجهه الهواتف و معها الأبواب.
التهميش المزدوج:
لقد عجزت الأوساط السياسية في الداخل و الخارج على فهم هذه الحقيقة و التعامل معها. فأوربا تشدد الخناق من ناحيتها و سياسيونا عاجزون على استيعاب الظاهرة و تفكيكها عبر الوسائل الاجتماعية. و لم تبق لهم سوى مهمة حراسة سواحل غرب المتوسط, متجاهلين بذلك العمق الاجتماعي و الاقتصادي لظاهرة “الحرقة” , بل و أطنبوا في توصيفها القانوني كحالة لاجتياز الحدود خلسة فقط.
بلغت هذه الموجة من الهجرة السرية ذروتها في فترة غياب المراقبة الحدودية البحرية في الأشهر القليلة التي تلت ثورة 14/01/2011, حيث سجلت السواحل الإيطالية وصول أكثر من 25000 مهاجر تونسي دفعة واحدة دون حساب المفقودين. و قد أثرت تلك الموجة بشكل كبير على التركيبة الحالية للمهاجرين التونسيين في فرنسا و إيطاليا و خاصة في مكانة المهاجر التونسي في مجتمعات الإقامة, بصفة عامة. والملفت للانتباه أننا لم نلحظ تحركا للبعثات الدبلوماسية آن ذاك لاستيعاب هذه الموجة و لتجنب مخلفاتها. في المقابل ,سجلت تدخلات لبعض المواطنين و الجمعيات المتحمسة للثورة في ذلك الوقت و التي على رمزيتها, لم يكن لها الأثر الكبير.
فبالنظر إلى قدم ظاهرة الهجرة من تونس, نجد اليوم أجيالا ثلاثة من المهاجرين تختلف وضعياتهم الاجتماعية و الاقتصادية باختلاف القيود التي وضعت عليهم و قيدت حرياتهم في الحصول على عمل يضمن لهم كرامة العيش و يخول لهم الارتقاء السليم في سلم الحياة الاجتماعية في بلدان الإقامة. ويمس هذا التهميش بشكل هام و مباشر, الصورة و المكانة الاجتماعيتين للمهاجر التونسي, في غياب مريب للبعثات الدبلوماسية التونسية و خاصة منها دوائر العمل الاجتماعي التي لا تحرك ساكنا للحد من هذه الظاهرة. فبالمقاييس السوسيولوجية, نجد أن التونسيين في الخارج لا ينقسمون على مستوى آليات النجاح الاجتماعي او معايير جدية أخرى, بل بحسب وضعياتهم القانونية ( مهاجر مقيم بصورة قانونية و مهاجر مقيم بصورة غير قانونية). ويجدر الذكر هنا أن المهاجرين “غيرالقانونيين” لا حق لهم في الشغل وهو الهدف الأساسي من وراء هجرتهم ولذلك فهم يسقطون في خيارين أحلاهم مر. فإما الاستغلال و التهميش، و إما الجريمة بأنواعها في انتظار تسوية وضعياتهم القانونية و التي تبقى لسنوات طويلة دون تسوية. فالدول الأوروبية على غرار فرنسا, تتجاهل قوانينها الداخلية المنظمة للهجرة وكذلك بنود الاتفاقية الثنائية (28/04/2008) و التي تقر بتساوي الحقوق بين التونسيين في فرنسا و الفرنسيين في تونس. و دبلوماسيتنا لا تتابع مدى تطبيق القوانين الداخلية لبلدان الإقامة و لا الاتفاقيات الثّنائية و ذلك للأسباب التالية :
1- عدم دراية الملحقين الاجتماعيين بأبسط القوانين و حيثيات حياة المهاجرين. فكيف يكلف موظف لم يخبر طوال حياته المهنية, سوى جانب من جوانب الإدارة التونسية, بملفات لا صلة له بها لا من قريب و لا من بعيد؟. وكيف يمكن لوافد جديد (الملحق الاجتماعي), مازال يتحسس أيام إقامته الأولى أن يتعامل مع معضلات, تؤرّق المهاجرين منذ سنوات طويلة؟ بل و نطالبه بتقديم حلول لها.
2- افتقاد بعثاتنا الدبلوماسية لمتخصصين في القانون المحلي لدول الإقامة, بحيث لا يمكن لها أن تتابع و تراقب مدى تطبيق القوانين لفائدة منظوريها داخل أروقة المحاكم و في مراكز الحجز وفي السجون والمستشفيات و المصالح الأخرى.
3- عدم توفّر المعطيات العلمية و الإحصائية الدقيقة حول الحالة الاجتماعية و الديمغرافية للمهاجرين التونسيين, لدى البعثات الدبلوماسية التونسية و التي تخوّل لها متابعة التغيرات و توجيه العمل الاتصالي و الخدمات الاجتماعية.
وتقتصر خدمات بعثاتنا الدبلوماسية على تقديم الخدمات الإدارية و بطبيعة الحال, مع “احترام الآجال الطويلة و الآليات البيروقراطية المعتادة” و تقتصر المتابعة الاجتماعية على العمل الرديء و المحتشم للملحقين الاجتماعيين الذين غالبا ما تتجاوزهم الإحداث, نظرا لمحدودية خبرتهم بمشاكل المهاجرين و لانشغالهم بتقديم الخدمات الإدارية و التي تعتبر خارجة عن نطاق مهامهم الأصلية بصفتهم موفدين عن وزارة الشؤون الاجتماعية (ديوان التونسيين بالخارج) و ليس وزارة الخارجية. و هذا قد يحيلنا على مشكل أخر أساسي في هذه القضية, ألا و هو التمثيلية القانونية لوزارة الشؤون الاجتماعية خارج حدود الوطن( اتفاقية فيينا,1964). و بذلك “يضطر” الملحق الاجتماعي للعمل تحت إشراف رؤساء البعثات الدبلوماسية, الشيء الذي يحد من استقلاليته و تخصصه في المجال الاجتماعي, بشكل كبير.
فبين تعسف القوانين بدول المهجر و غياب التاطير الاقتصادي و الاجتماعي للمهاجرين “القانونيين” و ” اللاقانونيين” على حد السواء تنهار صورة المواطن التونسي في الخارج و تضيع معها أحلام المهاجرين و يبقى المهاجر مهاجرا، و بذلك تصح فيهم كلمة “جالية”, التي كان يطلقها عليهم النظام القديم. فالمهاجر التونسي نحتفي به مرة كل سنة بتنظيم اجتماع العودة و بفتح شباك موحّد للخدمات الإدارية. عادات دأب النظام القديم على تنظيمها, بكل رتابة و رداءة و تقليل لقيمة المهاجر التونسي الذي يمكن أن يكون بوابة انفتاح و نجاح لوطنه.
عندما نتحدث عن مسؤولية الإدارة في هذا الجانب فإننا لا نخلي طرف المهاجر نفسه من الإضرار بصورة التونسي في الخارج. حيث إننا لا نريد إيجاد أعذارا تبرر الجريمة و الانحراف بقدر ما نبحث عن تشخيص موضوعي لهذه الظاهرة. للأسف فان الكثير من الشباب و تحت وطأة التهميش و الخصاصة و العزلة, يرتكبون بعض أنواع الجريمة كالاتجار بالمخدرات و السرقة مما جعل الدوائر الفرنسية و الصحافة تتحدث عن هذا في عديد المناسبات وعن تورط تونسيين في عمليات سرقة. فعلى سبيل المثال فقد قرن” المرصد الفرنسي للانحراف” و لأول مرة سنة 2013 , اسم التونسيين بالسرقة بنفس الدرجة مع ” الرومانيين” و” الجورجيين” المعروفين في هذا الميدان, حيث تضاعفت نسبة جرائم السرقة بأنواعها من طرف تونسيين بثلاث مرات لما كانت عليها في السابق. بالنظر لهذه الظاهرة, نجد أن نسبة كبيرة من الشباب الذي يمتهن السرقة هم من الذين يعانون من التهميش المزدوج ( القانوني و الاجتماعي) و الخصاصة و فقدان الأمل, فالتجئوا إلى السرقة لتلبية حاجياتهم, بعد أن سدت عليهم كل الطرق و المنافذ للنجاح و منعوا من المساعدة و التاطير, ما عدا من طرف بعض الجمعيات و المواطنين.
إن تردي صورة التونسي ليس حكرا على المهاجرين غير القانونيين كما يتبادر لأذهان البعض. فمسؤولية الشريحة الأخرى كبيرة. خاصة على المستوى التربوي و تاطير الأبناء. و للأسف فان عددا كبيرا منهم و تحت ضغط الحاجة لتسوية وضعياتهم القانونية , يضطرون إلى الزواج بأجنبية للحصول على إقامة. و تجدر الإشارة إلى أن السلط الأوربية و خاصة منها الفرنسية لم تترك عمليا, أمام المهاجرين, إلا هذا الباب لتسوية الوضعيات القانونية. و ذلك لسبب وحيد و هو أن منع هذه المسالة وهي الزواج من مواطنات فرنسيات فيه تقييد لحرياتهن فقط و ليس “حبا” في المهاجرين أنفسهم. و النتيجة أن عددا كبيرا من هذه الروابط ينتهي بتحقق الغايات المنشودة, ففي اغلب الحالات “يثمر” هذا الزواج أبناء تونسيي الجنسية, تنقصهم الإحاطة الأبوية الكاملة, سرعان ما نجد عددا كبيرا منهم في مراكز الإحاطة الاجتماعية يكونون شريحة هشة, تغذي عالم الانحراف و الجريمة.
هشاشة الأسرة :
تساهم هشاشة الأسرة التونسية في الخارج في تردي صورة التونسي في بلد الاقامة. ففي المجتمع الفرنسي مثلا ، فان نمط الحياة يدفعك لأن تكون مندمجاً كلياً في المجتمع ومتماهيا معه بشكل كامل أو أنه يفرض عليك الانغلاق وبالتالي ,إعادة إنتاج النمط الاجتماعي الأسري في إطار ضيق وهو “الحي” مما أنتج قطيعة بين النمطين وفرض على الشباب خاصةً إعادة إنتاج أنماط الحياة للأوطان الأصلية والانقطاع الكلي أو الجزئي على الحياة الثقافية المحلية، مما جعلهم يعيشون حالةً سوسيولوجية فريدة يعبر عنها عالم الاجتماع “عبد الملك صياد” “بالغياب المزدوج”. و قد زاد في تفاقم هذه الظاهرة لدى المهاجرين التونسيين, ضعف الإمكانات المادية والاقتصادية للأبوين من جهة, و الحجم الكبير للأسرة من جهة ثانية. والذي بلغ 3.3 أطفال للام الواحدة (1) (معدل اكبر من المعدل الوطني داخل تونس (2.03)) الشيء الذي اثر سلبا على إمكانية تاطير الأبناء و جعل من نسب مشاركتهم في كل ماهو ثقافي، ضعيفة للغاية. فللحد من نفقات الأسرة والتي عادةً ما تقتصر مواردها المالية على دخل الأب وبعض الإعانات الاجتماعية ,التي يخصص جزء كبير منها للاستثمار في بناء منزل بالوطن الأصلي أو لتمويل “العودة السنوية الإجبارية”, يخير عدد كبير من المهاجرين التونسيين المساكن الاجتماعية رخيصة الإيجار. حيث تقطن 48 % من العائلات التونسية, منهم 8 % في المناطق الأكثر فقرا و 4 بالمائة في مساكن جماعية, اغلبهم من العجز و كبار السن و يفتقدون للإحاطة الاجتماعية التونسية اللازمة لهم. كما انه يمكن أن نلاحظ من خلال هذه الدراسة التي قام بها معهد الإحصاء و الدراسات الاقتصادية الفرنسي أن هذا الإقبال على المساكن الاجتماعية لم يتغير حتى مع الجيل الثاني من أبناء المهاجرين ( 40% بالمساكن الاجتماعية و 9 % في المناطق الأكثر فقرا) الشيء الذي ينذر بتكرار الأخطاء و بإعادة إنتاج أنماط التهميش و الفشل الاجتماعي و هكذا يحرم الأبناء من حقوقهم في الحياة المستقرة ويعيشون على أمل العودة يوما ما إلى الوطن الأصلي كما كان حال آبائهم في الماضي. و انعكس ذلك حتماً على نتائجهم الدراسية, بحيث لا يتحصل 20 % من أبناء المهاجرين التونسيين في فرنسا مثلا على شهادة علمية (2) ( معدل اكبر من النسبة الوطنية داخل تونس). كما ينهي اغلبهم تحصيله العلمي بالحصول على شهادة التأهيل المهني والتي سرعان ما يتخلى عنها نظراً لصعوبات أخرى متعلقة بإشكالية الرفض الاجتماعي في سوق الشغل.
في حين تتحصل 50 % منهم على باكالوريا عامة أو مهنية, لا يتحصل من ضمنهم سوى الخمس على شهادة عليا.و تبين الدراسة كذلك آن نسبا مهمة من التونسيين لم يزوروا تونس و لو لمرة واحدة فقد سجلت هذه النسبة 19 % عند أبناء المهاجرين و 9 % للمهاجرين أنفسهم منذ مغادرتهم, الشيء الذي ينسف المقولة التي روجت لها دبلوماسيتنا طويلا, وهي أن التونسي المقيم بالخارج, في تواصل دائم مع وطنه.
المجلس الاستشاري للهجرة:
ذلك المطلب القديم الجديد, الذي عمل المناضلون صلب جمعيات التونسيين بدول المهجر و المهتمون بشان الهجرة منذ سنوات,و حتى قبل الثورة , على تركيزه حتى يقع تجاوز الأخطاء الكارثية في حق المهاجرين التي ترتكبها الإدارة التونسية، بطاقمها الدبلوماسي إلى ما يُسمّى بديوان التونسيين بالخارج و الذي لا علاقة له بالمهاجرين سوى بالاسم, بل لا تمثيلية قانونية له خارج الوطن, حيث يجب أن يكون.
بعد الثورة، و بتفاقم المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية للمهاجرين, استحيت بعض الجمعيات المشتغلة بمشاكلهم , مطلب إنشاء المجلس الاستشاري للهجرة و قد عملوا على صياغة مشروع تشاركي له, غير انه و بتوالي الأزمات السياسية و الحكومات المتعاقبة, وقع الزج بهذا الملف في بحر المهاترات السياسية, فانحرف المشروع عن أهدافه و أصبح يشكو من عديد النقائص و التي وردت في تقرير ائتلاف جمعيات ألمانية, نذكر منها أن:
الصبغة الاستشارية للمجلس والتي نصّ عليها مشروع القانون (لفصل 1) يجعل أعمال المجلس مرتهنة بقرار السلطة التنفيذية، لذلك كان من المفترض أن تكون للمجلس صبغة تقريريّة.
اعتماد آلية التعيين (الفصل 8) في اختيار أعضاء المجلس يمسّ من استقلاليّة المجلس وقراراته ويجعله رهينة الحسابات الحزبية والظرفية المهيمنة في الحكومة.
أن يكون في تركيبة المجلس (وهو هيئة استشاريّة) نواب المهجر (الفصل 7) لا ينسجم مع طبيعة مهامهم المخوّلة بمقتضى القانون داخل السلطة التشريعيّة، ناهيك وأنّ تواجدهم بقبّة البرلمان خلال المدّة المحدّدة دستوريا يجعلهم في انقطاع تامّ عن الجالية ومشاغلها خلال الفترة النيابيّة.
إن اختيار ممثلين عن منظمات وطنية دون أخرى، كما ينص عليه الفصل السابع، يجعلنا نتساءل عن المعايير التي يتم اعتمادها لاختيار ممثلين عن هذه المنظمة الوطنية دون أخرى، وما مدى فائدتها ونجاعتها بالنسبة إلى الجالية.
لم يتناول المشروع الآليّة التي ستعتمد في اختيار الجمعيات التي ستكون في تركيبة الجلسة العامّة (الفصل 8) بما يجعل عمليّة الاختيار رهينة حسابات سياسيّة والحال أنّ المحدّد الوحيد لتقييم وزن الجمعيات وفاعليتها ومصداقيتها ومشروعيّة جماهيريتها هم أبناء الجاليّة ذاتهم.
جاء الفصل 22 غامضا. وهو ما يجعل حلّ المجلس رهينة حسابات الحكومة القائمة.
لم يتطرّق الفصل الثاني من مشروع القانون إلى المهام الحقيقيّة التي من المفترض أن يضطلع بها المجلس، بما في ذلك الإسهام في رسم سياسة الدّولة بخصوص الهجرة والمهاجرين، وإعداد مشاريع القوانين المتعلّقة بشؤون المغتربين، وإبرام و الاتفاقيات الثنائيّة ذات الصّلة بمصالحهم و السهر على تطبيقها. والاعتناء بمصالح المهاجرين والدفاع عن حقوقهم. وإيلاء الأجيال الجديدة ما يلزم من الرعاية والاهتمام وإشراكهم في الشأن الوطني، والإحاطة بالطلاب وحلّ مشاكلهم وتأطير أصحاب الكفاءات المقيمين بالمهجر وتوثيق الصّلة بهم وتعزيز مكانتهم الاجتماعية في دول الاقامة..
وبهذا المعنى, فقد بقيت مشاكل المهاجرين بلا حلول. فللأسف ستكون سنة 2016 كسابقاتها, سنة الاحتفاء بالمهاجرين صيفا و نتناساهم باقي فصول السنة تحت وطأة البيروقراطية.

خاتمة:
تغيرت صورة التونسي في المهجر في السنوات الأخيرة نتيجة المستجدات الاجتماعية والاقتصادية في تونس و في بلدان الإقامة. وتعددت المتغيرات القانونية والثقافية و السياسية لتجعل منها ظاهرة سوسيولوجية بامتياز, جديرة بالدراسة والاهتمام. فبالرغم من وجود نماذج قليلة ناجحة في الاندماج و الارتقاء الاجتماعي, لا تحضى هي أيضا بالتثمين من قبل المشرفين, فان هذه النسب تبقى ضعيفة للغاية و لا تكفي للتأثير في الصورة الجماعية للمهاجرين التونسيين و الرفع من مكانتهم الاجتماعية بالمقارنة مع جاليات أخرى تعتبر اقل عددا منهم. و يشكل غياب قواعد بيانات دقيقة و متخصصة عن مواطنينا في الخارج من اكبر العراقيل أمام فهم كل ما يتعلق بالهجرة. حيث أن المعطيات المتوفرة بدول الإقامة حول المغتربين لا تذكر في اغلبها الجنسيات الأصلية. ففي عملية لتجنب الجدل السياسي حول هذا الموضوع عملت كل الدول الأوربية تقريبا على حجب و تغييب المعطيات المصنفة حسب الانتماء العرقي, في إحصائياتها الرسمية. فمن الواجب على بعثاتنا الدبلوماسية, جمع كل البيانات الديمغرافية و الاجتماعية و الاقتصادية للأسر التونسية بشكل حرفي و دراستها بشكل علمي دقيق قصد فهم أنماط تطورها و من ثمة رسم سياسات ملائمة لتطلعاتها.
فإلى متى تتعامل البعثات الدبلوماسية بمنظومتها القديمة مع المهاجرين و لا تتفاعل مع ما تقدمه الدراسات العلمية في المجالات الاجتماعية و التربوية التي تصوغ بشكل مباشر الرأي العام و تؤثر على صورة التونسي و مكانته الاجتماعية في المهجر.فمن الجدير بالدوائر الدبلوماسية اليوم رسم إستراتيجية واضحة للقضاء على أسباب التهميش و الضياع لابناءنا المقيمين بالمهجر و انتشالهم من الانحراف. حيث تجب مضاعفة العمل الاجتماعي و القانوني و الاتصالي و تمكينهم من فرص حقيقية للنجاح و الارتقاء الاجتماعي في بلدان المهجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *