هل يستفيد المرزوقي ومرزوق من "فشل الترويكا والنداء"؟ بقلم كمال بن يونس

بقلم كمال بن يونس

في خضم احتفالات التونسيين بذكرى المولد النبوي الشريف واستعدادات قسم كبير منهم للاحتفال ب”السنة الإدارية الجديدة ” وب”نوال” تناسى غالبية الساسة والنقابيين و”الخبراء” والمواطنين” الاحتفال بالذكرى الخامسة لاندلاع الثورة المباركة في سيدي بوزيد في ديسمبر 2010″..بما في ذلك أولائك الذين تصدروا خلال الاشهر الاولى التي عقبت منعرج 14 جانفي 2011 المنابر الاعلامية ” الثورية “..

وفي خضم هذه الأحداث أيضا تناسى كثير من الساسة ” المبادرات السياسية ” التي تعاقبت في الايام والاسابيع القليلة الماضية وبينها بالخصوص مبادرتي ” القطب الاجتماعي” بزعامة قادة أحزاب الجمهوري والتكتل والتيار الديمقراطي ..ثم مبادرتي الرئيس السابق المنصف المرزوقي ورفاقه القدامى في ” حزب المؤتمر ” والامين العام ” المستقيل” لحزب نداء تونس محسن مرزوق والمقربين منه..

لكن اذا سلمنا جدلا ب”فشل قيادات النهضة والنداء” في تحقيق الشعارات والاهداف التي وعدت بها الشعب خلال الأعوام الخمسة الماضية من سينقذ تونس في المرحلة القادمة ؟

 ومن سيكون ” البديل المقنع” للشباب ولعموم التونسيين الذين تتراوح مواقفهم من الحكام الحاليين والسابقين بين اللامبالاة والإحساس بالإحباط ؟

أم يكون ” البديل ” من داخل الأحزاب الكبرى الحالية وبينها النداء والنهضة؟

المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس “القادة المؤسسون” لحزب حراك تونس الإرادة ” الذي أعلن الرئيس السابق المنصف المرزوقي عن تأسيسه الأحد الماضي أكد في نفس الوقت ” وجود إرادة للتغيير” لكن تركيبة الهيئة التأسيسية ورئاسة اللجان المنبثقة عنها كرست في نفس الوقت ” الوفاء “لحزب المؤتمر ولمؤسسيه ولفريق مستشاري الرئيس السابق في قصر قرطاج وفي حملته الانتخابية مثل السادة عدنان منصر وعماد الدايمي وزهير اسماعيل ومحمود بالسرور ومامية البنا والحبيب بوعجيلة .. رغم انضمام شخصيات ” من الوزن الثقيل ” اليها مثل الخبير الاقتصادي الدولي الصادق جبنون .

فالى أي حد يمكن أن يتزعم هؤلاء قوة سياسية جديدة قادرة على أن تكون بديلا عن حزب النداء الذي يحكم البلاد منذ عام وعن ” الترويكا” التي حكمت تونس خلال عامي 2012 و2013 وأثرت في توجهات حكومة المهدي جمعة عام 2014؟

وهل سينسى الشعب والنخب ” غلطاتهم” عندما كانوا قبل واحد في الحكم ؟

 المنشقون عن ” النداء”؟

ردود الفعل داخل الطبقة السياسية وتيار من النخب أعرب عن “عدم تفاؤل ” بمثل هذه المبادرة السياسية مع محاولةّ تقزيمها ” والتقليل من قيمتها رغم اعلان المرزوقي ان العدد الأولي لمناصريها يحوم حول 100 الف مواطن بينهم كثير من ناخبيه..

في المقابل شن عليها قياديون من حزب النداء ـ مثل الناطق الرسمي باسمه بوجمعة الرميلي ـ “حملة اعلامية” ..خاصة عندما برر الرئيس السابق مبادرته أساسا ب” فشل النداء في ظرف عام واحد” وهو الذي توقع أنه سيفشل ” في ظرف عامين أو ثلاثة “..؟؟

وقد رد بوجمعة الرميلي وبعض ” المنشقين ” عن النداء ـ مثل البرلماني منذر بالحاج علي ـ ب”عنف” على انتقادات المرزوقي ورفاقه لحزبهم ولادائه في الحكومة وخارجها ..وتساءلوا :”اذا كان المرزوقي قادرا على أن يقدم إضافة فلماذا لم يقدمها عندما كان في الحكم؟ ولماذا لم ينقذ البلاد عندما كان جزءا من ” الترويكا” التي اوصلت البلاد الى ” وضع كارثي” من بين ملامحه الازمة الاقتصادية الاجتماعية واستفحال الارهاب”؟

في المقابل تقدم محسن مرزوق الأمين العام ” المستقيل” والناطق الرسمي السابق باسم الحزب الازهر العكرمي ورفاقهما بعد اجتماعهم الأخير في الحمامات الأسبوع الماضي بمبادرة سياسية ” للانقاذ” تبرأوا خلالها من مسؤولية ” فشل” حكومة النداء والائتلاف الحالي..

” تصحيح التصحيح “

لكن بالرغم من الشعارات ” البراغماتية ” التي رفعها مؤسسو حزبي المرزوقي ومرزوق فان السؤال الكبير يظل : هل ستكون مبادرتهما فعلا ” بديلا ” عن اخفاقات حكومات الترويكا والنداء أم ” اعادة انتاج ” لها ؟

وهل يمكن لمن كان ” لاعبا في الصف الاول منذ أواسط جانفي 2011 أن يقود ” البديل ” عن اخفاقات النخب والساسة الذين يتداولون على مواقع صنع القرارالسياسي والامني والاجتماعي والاقتصادي خلال الاعوام الخمسة الماضية ؟

هل يمكن للشّخصيات والاطراف التي أثرت في توجهات حكومات الغنوشي 1و2 وقائد السبسي في 2011 ثم في توجهات حكومات ما بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 واكتوبر2014 أن تقوم بنقد ذاتي جريء وأن تساهم بشكل فعلي وملموس في ” إنقاذ البلاد والشباب ” من الضياع والسير نحو المجهول ؟

أم أن الأمر يتعلق أساسا بمعارك بصيغ جديدة على الكراسي والمناصب تحت شعارات تذكر ب” ثورات ” بعض الدول العربية المشرقية وشعاراتها الرنانة من ” التصحيح ” الى ” تصحيح التصحيح ” ومن ” الثورة ” الى ” تصحيح الخط الثوري”؟؟

فراغ و” طموحات”؟

كل الدراسات المعمقة لتطور الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية والسياسية والأمنية منذ ” ثورة جانفي 2011″ وانتفاضة الشباب والمهمّشين ترجح أن ” الإخفاقات أكثر من الانجازات “..

وتؤكد هذا التقييم استطلاعات الراي التونسية والدولية ..من سيغما كونساي الى منافسيها ..

واذا سلمنا بكون رسالة استقالة الوزير الازهر العكرمي من الحكومة مطلع أكتوبر الماضي كانت فعلا “وثيقة سياسية ” شاملة اعترفت ب” إخفاقات ” الحكومة الحالية والبرلمان وقيادة نداء تونس ، يتضح أن المبرر الأول ” لمسلسل الاستقالات” من الحزب الحاكم منذ أكثر من عام هو اقتناع بعض نخبه المطلعة على الاحصائيات”السرية” والمستجدات الامنية أن ” مرحلة المحاسبة قد حانت “..وأن ” البديل ” عن حزبهم وعن الحكومة الحالية ” ينبغي أن يأتي من الداخل “..

لكن الملفت للنظر أنه عندما فشلت ” بوادر الاصلاح وانقاذ الحزب من الداخل ” عجل غالبية من ” الغاضبين داخل النداء” على حكومة الحبيب الصيد وعلى أداء ” مؤسسة رئاسة الجمهورية ” باعلان الاستقالة والتحضير لتأسيس ” البديل ” من خارج الحزب ..(؟؟ ) مع التمسك بمبدأ ” الوفاء للقيم التقدمية ” التي بررت تأسيس ” النداء” اواسط عام 2012..بعد 5 أشهر فقط عن اصدار الباجي قائد السبسي بيانه الشهير باسمه الشخصي.. باعتباره ” شخصية وطنية ساهمت في انقاذ البلاد من الفوضى قبل انتخابات 2011″ بشهادة أنصاره وخصومه وبينهم الرموز التاريخية في قيادة النهضة الذين ادلوا بتصريحات في هذا الاتجاه بينهم السادة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وعلي العريض وحمادي الجبالي ونور الدين البحيري وعبد الحميد الجلاصي وسمير ديلو…وان اختلفوا حول حقه في تاسيس لحزب ” يجمع الازلام” أي رموز ” النظام السابق” وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي ” المنحل”؟؟

الانقاذ بعد النقد الذاتي

في الأثناء يتمسك ” الأوفياء” لخط الباجي قائد السبسي من جهة ولقيادة النهضة الحالية من جهة ثانية ـ كلا من موقعه ” بالدور المركزي الذي لا يزال الحزبان الكبيران قادرين على الاضطلاع بمهمة إنقاذ البلاد من مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية السياسية المتراكمة ..والتي تسببت في تزايد الغضب والإحباط داخل الأوساط الشعبية والشبابية ..وداخل مناضلي النهضة والنداء أيضا ..

اذا سلمنا بكون المؤتمرين القادمين للنداء والنهضة من ابرز المحطات السياسية في تاريخ البلاد والحزبين خلال الأشهر القادمة فان التفاؤل بقدرتهما على ” تدارك غلطات الماضي” رهينة جرأة الوثائق الرسمية للمؤتمر والفريقين الذين سيفرزهما : هل سيكرسان النقد الذاتي والتغيير أم الاستمرارية والتواصل ؟ وهل سيأتيان بالجديد أم يعيدان انتاج ” الروتين” ومنطق ” التبرير”الذي يطغى على خطاب غالبية الاطراف السياسية التونسية منذ عقود ومن بين ملامحه تفسير الفشل والاخفاق ب”العوامل الخارجية “؟

 واذا سلمنا أن مشاريع الانقاذ والاصلاح تستوجب شخصيات لديها تصورات وفكر فهل يمكن للسياسيين ” الذين يتحملون مسؤولية سياسية واخلاقية ” عن ازمات العقود والاعوام الماضية أن يتزعموا ” محاولات الانقاذ والتغيير”؟

كل الفرضيات واردة ..

لكن اوراقا كثيرة قد تدخل على الخط بينها الورقة الدولية ومستجدات الوضع الاقتصادي والامني ..

وفي كل الحالات سيظل السؤال الكبير الذي سيردده التونسيون بعد 5 أعوام عن ثورتهم ـ او انتفاضتهم ـ واحتجاجاتهم على اخفاقات النظام السابق : من سينقذ تونس ويمنع ” غرقها في مزيد من الاوحال “؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *