هل تنتصر الوطنية والكفاءة ويتراجع التهريب والتخريب؟ .. بقلم كمال بن يونس

من المقرر أن تصادق أغلبية مريحة في البرلمان اليوم على تشكيلة الحكومة التي أسندت رئاستها لأول مرة الى قيادي من حزب نداء تونس في الأربعين من عمره، ممن لم يتورطوا في النزاعات الإيديولوجية والصراعات على السلطة والثروة خلال الأعوام والعقود الماضية

 ولأول مرة لا تمثل الأحزاب في هذه الحكومة بـ”الزعماء” والرموز” أو “النجوم” بل بشخصيات توصف بكونها تجمع بين “الكفاءة والخبرة والصفة السياسية”..

فهل تنجح هذه الحكومة التاسعة منذ جانفي 2011 في معالجة الملفات الخطيرة المتراكمة في البلاد أم يحصل العكس؟

وهل ستتوفر شروط النجاح التي كانت “ضعيفة” لدى بعض أعضاء الحكومات السابقة وبينها إعطاء الأولوية المطلقة لمصالح الوطن والمواطنين وليس للأجندات الشخصية والفئوية والجهوية والحزبية؟

 من بين ما يدعو إلى الانشغال منذ الإعلان عن مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي يوم 2 جوان الماضي تعاقب التقييمات المتناقضة للمبادرة أولا ثم للتشكيلة الحكومية.

ولعل من بين المفارقات أن الكشف عن مشاركة ممثلين عن 7 أحزاب و3 منظمات نقابية واجتماعية ـ بينها اتحاد الشغل ـ لم يدفع قياديين بارزين من نفس الأحزاب والمنظمات نحو الترحيب الواضح بالتشكيلة بل تعاقبت الانتقادات لها وكأن الأمر لايتعلق بـ» تفاهمات» و»توافقات» أدت إلى ترفيع تمثيليتها في الحكومة الجديدة.

فهل يتعلق الامر بـ”ازدواجية” في الخطاب أم بأمراض نفسية حلت ببعض السياسيين والنقابيين تذكر بالمصابين بنوع من الـ”سكيزوفرنيا السياسية”؟

معسكرا الحكم والمعارضة؟

 وإذا سلمنا أن حصة أحزاب النداء و النهضة وآفاق والنقابات تحسنت في حكومة يوسف الشاهد فهل ستنتهي “ازدواجية” القيادات الحزبية والسياسية والنقابية التي تتصرف وكأنها في المعارضة في الوقت الذي تحتل فيه قياداتها مواقع صنع القرار في رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان؟

هل ستنتهي «مسرحية» التبرؤ من أخطاء الحكومات السابقة ـ بما في ذلك حكومة الحبيب الصيد ـ بدعوى أن رئيسها لا يحمل بطاقة من نفس الحزب؟

وهل ستتحمل الأحزاب و»المنظمات الوطنية « التي انضمت إلى الحكومة مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية كاملة بعد المصادقة على حكومة الشاهد ـ بما في ذلك في مراحل الأزمات الأمنية والاجتماعية التي قد تواجهها ـ أم سوف تتابع «شطحاتها» بين معسكري الحكم والمعارضة؟

“غرف عمليات سرية”؟

 من خلال ردود الفعل على تشكيلة حكومة الشاهد اتضح أن الانتقادات لم تشمل التوجهات السياسية والبرامج أو المبادئ بقدر ما ركزت على بعض الملفات الشخصية فتطورت تلك «الانتقادات» بالنسبة إلى خبراء الإعلام والاتصال إلى مجرد «سلاح مؤقت» يستخدم في معارك «المواقع والكراسي”.

ولعل الصدف ـ أو المخططات الخفية ـ شاءت أن لا يختلف مستوى تلك الانتقادات لبعض الوزراء وكتاب الدولة مع مستوى حملات الدعاية ضدهم التي روجتها مواقع اجتماعية مختصة في الإثارة والكذب والتشويه ..تحركها «غرف عمليات سرية « توظف شعبية «فايس بوك» و»يوتيوب « لتوجيه الرأي العام في هذا الاتجاه أو ذاك

 مسؤولية مشتركة؟

وفي كل الحالات فإن الحكومة الجديدة سوف تحظى بثقة البرلمان بعد تأكيدات حافظ قائد السبسي باسم نداء تونس وراشد الغنوشي وزياد العذاري ونور الدين البحيري باسم حركة النهضة وياسين ابراهيم باسم حزب آفاق على كون كتلها سوف تصوت لفائدتها..

أين الإشكال إذن؟

ولماذا مواصلة “الستريبتيز السياسي” و حملات التظاهر بالانحياز “للغاضبين” بما في ذلك داخل الحزبين الكبيرين؟

أليس في مثل هذه السلوكيات السياسية مؤشرات «خلل نفسي» وإصابات بـ”سكيزوفرينيا” سياسية؟

أليس من مصلحة الوطن والمواطنين غلق مسار المزايدات والتفرغ لجهد تعبئة التونسيين للعودة إلى العمل والسياسيين لمرحلة «الإجراءات الشجاعة» التي تؤدي إلى تحسين مناخ الادخار والاستثمار وظروف الإنتاج والتشغيل؟

أليس من الأفضل بالنسبة لكل الأحزاب والنقابات طمأنة الشعب منذ الآن بكونها سوف تحاول إنقاذ البلاد من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية التي تهددها بما في ذلك مخاطر توسع بؤر التوتر من ليبيا إلى تونسوبقية دول الجوار؟

 متفائلون.. ومتشائمون..

المؤشرات التي تبرر التفاؤل والتشاؤم بمستقبل البلاد بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والحكومي كثيرة جدا..

لكن ما قد لا يختلف حوله اثنان هو أن الرأي العام الوطني وأصدقاء تونس عربيا وإقليميا ودوليا سئموا “مسلسل التغييرات والتحويرات”..

بل لقد أصبحوا يشعرون بحرج كبير عند دفاعهم عن «المثال التونسي للتنمية والانتقال الديمقراطي» بسبب سرعة إسقاط الحكومات منذ ثورة جانفي 2011 ..بما فيها الحكومات التي أفرزتها انتخابات تعددية وديمقراطية ونزيهة..

وإذا كانت السياسة هي “الابن الشرعي للبراغماتية وميزان القوى” فان تحسن الأوضاع الأمنية داخليا وعلى حدود البلاد مع ليبيا والجزائر لا ينبغي أن يحجب خطورة استفحال التهريب والتهرب الجبائي وجرائم تخريب الاقتصاد الوطني خدمة لمصالح “مافيات” تونسية ودولية..

كما لم يعد يخفى على أحد أن التونسيين خسروا مئات آلاف من موارد الرزق بما ورفع عدد العاطلين عن العمل الى حوالي 700 ألف لأسباب عديدة من بينها عشرات الآلاف من الإضرابات والاعتصامات القانونية وغير القانونية وبينها إضرابات عامة وطنية وقطاعية وجهوية كلفت البلاد خسائر بالمليارات.. وكان المستفيد منها دول وشركات أجنبية وليس الرأس مال الوطني أو شعب تونس والمخلصون إليها..

فهل تنجح حكومة يوسف الشاهد ـ ومؤسسة الرئاسة التي سوف تدعمها بالتعاون مع الأغلبية البرلمانية ـ أن تعيد الاعتبار أولا لهيبة الدولة ثم لقيم الوطنية ولمقاييس الكفاءة والخبرة وليس للولاءات “المشبوهة”..؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *