هل بدأت أمة اقرأ تتصالح مع الفكر؟ ..وحدها المعرفة ادمان مطلوب .. بقلم اسيا العتروس

ثمان و أربعون ساعة في معرض مسقط الدولي للكتاب…

هل بدأت أمة اقرأ تتصالح مع الفكر؟ ..وحدها المعرفة ادمان مطلوب ..

تونس اسيا العتروس

ثمان و اربعون ساعة في مسقط بالتزامن مع فعاليات اختتام معرض الكتاب , ساعات محدودة و لكنها كانت موعد للسباحة في بحر العناوين و الكتب و التنقل بين رفوف ما تعرضه مختلف دور النشرمن قديم أو جديد من النشريات و المراجع و الروايات و لكن أيضا مواكبة ما تخلله من فعاليات ادبية و ثقافية و لقاءات فكرية بين ادباء و شعراء و اعلاميين و ناقدين من عديد العدول العربية و استكشاف الاسطورة العمانية الثرية و ما يرتبط بالتراث العماني و ما ترويه شجرة اللبنان في كل غصن منها عن الذاكرة العمانية و الموروث العماني الحضاري عبر مختلف العصور ..

الدورة الرابعة و العشرين لمعرض مسقط الدولي اختارت شعار “نقرأ لنحيا” ولاشك أنه من المهم أن تقترن الحياة بالقراءة , و لعله من المهم أيضا أن يتصالح القارئ العربي مع الكتاب و أن يكذب تلك المقولة السائدة بأن “أمة اقرأ لا تقرأ ” وأن القارئ العربي يعد نهم اذا اقتنى كتابا في السنة أو قرأ كتابا واحدا كل عام ..

Résultat de recherche d'images pour "‫اسيا العتروس‬‎"

لسنا في اطار تقييم فعاليات معرض الكتاب في سلطنةعمان التي بدأت الاستعدادات للدورة القادمة لاحياء اليوبيل الفضي للمعرض في دورته الخامسة والعشرون فتلك مسألة لا شك و ان المشرفين على اعدادها سيتوقفون عند كل تفاصيل الدورة التي اسدل عنها الستار قبل اسبوع لتقييم نقاط النجاح والبناء عليها في الدورات القادمة وتفادي نقاط الاخفاق ان وجدت لتفادي تكرارها ..

ما لا يمكن لزائر معرض الكتاب في مسقط تجاهله مشهد اقبال العمانيين من مختلف الاجيال على المعرض وهم محملين باكياس من الكتب , ظاهرة صحية لا يمكن الا التوقف عندها ففيها أكثر من اشارة بأنه من الخطئ الاعتقاد بأن زمن الكتاب انتهى وأن المكتبة الالكترونية ستعوض الرفيق الابدي الذي لا غنى عنه في كل الرحلات و المواسم وفي حالات الارق و الملل …

ربما لم يبلغ القارئ العربي مرحلة الادمان على المطالعة و القراءة كما نسجل ذلك في الدول و المجتمعات الاوروبية حيث يغرق المسافرون في المحطات وعلى متن القطارات و الحافلات في القراءة و التهام ما بين ايديهم من صحف او كتب لا يتنقلون بدونها ,

ان كل افيون مرفوض و كل أفيون افة مدمرة للعقول و النفوس ولقدرات البشر على الاجتهاد و التفكير و الابداع , و كل ادمان هو داء ينخر الشعوب و يدمر المجتمعات , وحده الادمان على الكتب داء مطلوب وافيون ينبغي الترويج له و نشره بين الشعوب و الامم , وهو ادمان كلما زاد الاقبال عليه كلما تفتحت العقول و قطعت مع اسباب الجهل و التطرف و الظلامية المدمرة و الارجح أنه لا يزال يفصلنا مسافات ضوئية على ثقافة الادمان على القراءة والمطالعة التي تظل تضيى العقول و تزيل كل ترسبات الجهل والتخلف اذ لا يزال أمامنا الكثير لنشر ثقافة المكتبات المفتوحة في كل المدارس و المؤسسات التربوية ..ندرك جيدا أن ثقافتنا ترفض الادمان و تتصدى لكل انواع الادمان عندما يتعلق الامر بالتدخين والمخدرات و كل ما يدمر العقل و يستنزف الجسد , ولكن الخيارات ستختلف عندما يتعلق الامر بالادمان على القراءة و الاقبال على المطالعة و ارساء ثقافة نشر الكتب في كل الغرف و بين كل النشئ

..وهذه قناعتنا كلما امكن لنا زيارة معرض للكتب في أي اي مكان من العالم فهناك بين جدوال العناوين يمكن قراءة توجهات الشعوب و مدى رقيها و انفتاحها على الاخر فكيف عندما يتعلق الامر بمعرض للكتاب في بلد عربي يسعى لجعل لمصالحة أبدية مع الكتاب ليكون له موقع في حياة مختلف الاجيال …

بدأت العاصمة العمانية مسقط مبكرا الاعداد للدورة القادمة لمعرض الكتاب بالتزامن مع دورة اليوبيل الفضي في محطته ال25 لسنة 2020 وفق ما أعلنه وزير الاعلام العماني عبد المنعم بن منصور الحسني في اختتام الدورة ال24 لمعرض الكتاب في السلطنة تحت شعار “نقرأ لنحيا ” هو شعار يربط الحياة بما يفترض أن يعزز مكانة الكتاب في حياة المجتمعات و يؤسس للقطع مع ظاهرة العزوف و النفور من المطالعة حتى باتت أمة اقرأ تنعت بأنها أمة لا تقرأ ..

بلغة الارقام فقد احتضنت مسقط المعرض الدولي للكتاب في دورته الرابعة والعشرين 882 دار نشرمن ثلاثين بلدا ، و523 ألف عنوان في مختلف الاتجاهات المعرفية فضلا عن عشرات اللقاءات الفكرية و الندوات و المؤتمرات …

مع انها المرة الاولى التي أحظى بمتابعة معرض الكتاب في مسقط فقد لمست دقة التنظيم و الحرص على الاستثمار في الحدث ليكون موعدا مع عديد الفعاليات الثقافية و الندوات الفكرية و اللقاءات الشعرية و الادبية لمثقفين و شعراء و اعلاميين من مختلف الدول العربية , كل ذلك الى جانب ما احتواه المعرض من فضاءات للمسرح و الفن للاطفال و التلاميذ و الطلبة و كل الذين توافدوا على المعرض بحثا عن نصيب من العلوم و المعارف و الترفيه ..وبحسب لغة الارقام أيضا فقد تجاوز عدد زوار المعرض المليون زائر من مختلف الاعمار و الاجيال , و لم يكن من العسير الانتباه الى حجم اقبال الزوار على اقتناء الكتب و هم يغادرون قصر المعارض في مسقط محملين بما أمكن الفوز به لا سيما الاطفال الذين كانوا يحملون كنوزهم من القصص والكتب بفخر كبير … لا خلاف أن سلاح العلم وحده الكفيل بالتصدي لكل انواع الارهاب والترهيب الفكري …قد لا تكون الصدفة جعلت شباب سلطنة عمان خارج دائرة التقارير الدولية التي ترصد ظاهرة التطرف والانسياق الى الشبكات الارهابية حيث لم يسبق أن وردت سلطنة عمان في مثل هذه التقارير على عكس بقية الدول العربية التي تواجه خطر هذه الظاهرة لا سيما مع سقوط اوهام دولة الخلافة المزعومة في الموصل والرقة و بدء موسم عودة المقاتلين من بؤر التوتر و تسلل الفلول الارهابية الى حصنها الجديد …وقد يكون للديبلوماسية العمانية التي اختارت الحياد و الحفاظ على علاقاتها مع مختلف الدول العربية بما في ذلك الدوحة و طهران ودمشق ما جعل السلطنة في حالة مصالحة مع خياراتها رغم أن الزيارة المفاجئة التي صدمت الراي العام العربي بعد نشر صور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين ناتنياهو و زوجته في العاصمة مسقط وهو يبشر بموسم التطبيع العربي الاسرائيلي القادم على وقع صفقة القرن التي وضع الرئيس الامريكي دونالد ترامب خطوطها بعد ان استثنى الفلسطينيين و الغى دون وجه حق حقهم المشروع في السيادة و الحرية بعد عقود الاحتلال الاسرائيلي الطويلة ..

اخيرا و ليس اخرا ولعله من المهم الاشارة أن معرض الكتاب الذي تحول الى موسم سنوي تنتظره الشعوب العربية و تتطلع اليه بحثا عن العناوين الجديدة و ما لا يمكن الفوز به في الايام العادية من كتب و قصص و روايات و بحوث و موسوعات بات موعدا لكسرالتابوهات و المحرمات و اطلاق العقل و الفكر من عقاله لمعانقة الابداع و الابتكار من أجل أن تكون الثقافة جسر العبور نحو الافضل و سلاحا للتصدي للفكر الظلامي و لكل انواع العنف و التطرف ..

صحفية و كاتبة تونسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *