من هو حبيب الجملي رئيس الحكومة المكلف؟
++تكنوقراط أولويته الأمن الغذائي ومكافحة الفقر ..
· جدل حول علاقته بالنهضة ومشروعه عن “الاقتصاد التضامني الاجتماعي”
بقلم كمال بن يونس
أثار تكليف الحبيب الجملي تكنوقراط مختص في الزراعة والاقتصاد “الاجتماعي التضامني ” بتشكيل الحكومة الجديدة جدلا كبيرا في تونس بين المناصرين للقرار والمعارضين له ، في وقت تباينت فيه التقديرات لاستقلاليته عن حركة النهضة وعن التيار الاسلامي عموما .
وقد أخذ الجدل ابعادا جديدة عندما أعلن الامين العام لحزب النهضة وممثلها الأبرز في الحكومة منذ 5 أعوام الوزير زياد العذاري استقالته من كل مسؤولياته الحزبيه احتجاجا على اختيار الجملي . ووصف العذاري الاختيار ب” أنه قرار غير صائب ” وقال عن الجملي انه ” قريب من الاسلاميين ” و” ليس في مستوى التحديات الاقتصادية والسياسية العالمية التي تواجه تونس حاليا “.
فمن هو الحبيب الجملي الانسان والسياسي ؟
وهل سينجح في تشكيل حكومة ائتلافية متناسقة مع الرئيس قيس سعيد ومستشاريه ومع الفسيفساء السياسية والحزبية التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي ؟
وهل سوف يلقى دعما من النقابات والمعارضة اليسارية والقومية التي ضغطت على قيادة حزب النهضة لمنعها من ترشيح شخصية سياسية حزبية من داخلها أم يحصل العكس ؟
تسبب تكليف المهندس الحبيب الجملي منتصف الشهر الماضي بتشكيل رئاسة الحكومة من قبل الرئيس قيس سعيد في حيرة غالبية السياسيين والصحفيين والنقابيين الذين أجمعوا أنهم لم يكونوا يعرفونه ، بما في ذلك غالبية القيادات الوسطى لحركة النهضة التي رشحته .
ولم تساعد البرقية الموجزة التي نشرت بمناسبة تعيينه في التعريف بتجاربه السياسية والاقتصادية ومشواره العلمي والمسؤوليات التي سبق أن تحملها في الدولة وفي مؤسسات الدراسات والاستشارات و الاستثمار في القطاع الخاص.
بل لقد أدت إلى تعميق أزمة ثقة كثير من الزعماء السياسيين والنقابيين فيه ، خاصة أنه عين في ” آخر لحظة ” عوضا عن الخبير الدولي في اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا الاتصالات الوزير السابق للصناعة والطاقة وتكنولوجيا الاتصالات والاقتصاد الرقمي المنجي مرزوق.
ابن الجهات المهمشة ..
لكن لقاءات التشاور المكثفة التي عقدها الجملي مع قيادات حوالي 50 حزبا ونقابة ومع مثقفين مستقلين ساهمت في الكشف عن جانب من الغموض الذي يحف بسيرته الذاتيه المهنية والشخصية والمهنية والسياسية .
وتبين أن الحبيب الجملي من مواليد “قرية صغيرة في محافظة ولاية القيروان تدعى ” الكبارة ” تبعد عن العاصمة تونس حوالي250 كلم ونحو مائة كلم عن المدن السياحية الساحلية التي ولد فيها غالبية كبار السياسيين طوال ال65 عاما الماضية وبينهم الرئيسان الحبيب بورقيبة ( 1955- 1987 ) وزين العابدين بن علي (1987-2011) وغالبية رؤساء الحكومات السابقين.
ولم يسبق تعيين أي مسؤول كبير في الدولة من أبناء هذه الجهة الداخلية الفقيرة ، إذا استثنينا مصطفى الفيلالي الذي عين وزيرا ومديرا للحزب الحاكم في عقد الستينات ، ثم عزل ليتفرغ لمهمات ثقافية وأكاديمية على غرار عدد كبير من أبناء موطنه ، بينهم المؤرخ الجامعي الكبير الهادي التيمومي.
ولا تبعد قرية ” الكبارة ” التابعة لمدينة ” نصر الله “
ومنطقة ” قبائل الجلاص” عن محافظة سيدي بوزيد وتجمعات البدو والفلاحين التابعين لقبائل ” الهمامة” و” الفراشيش” و” الجلاص” الذي فجروا التحركات الشبابية الاحتجاجية في موفى 2010 ثم في ثورة المهمشين والطبقة الوسطى مطلع 2011 في عدد من المدن التونسية بينها العاصمة تونس.
فهل تكون الرسالة من وراء اختيار الحبيب الجملي محاولة مغازلة أبناء الجهات والأحياء الشعبية للإيحاء بحرص الأغلبية الجديدة التي أفرزتها الانتخابات على اعادة الاعتبار لهم ولشعارات الثورة التي يستعدون لاحياء الذكرى التاسعة لاندلاعها ؟
تكنوقراط مستقل سياسيا
ولا يُعرف للجملي أي توجه سياسي أو حزبي، سواء قبل الثورة التونسية أو بعدها، لكنه تولى خطة مساعد وزير الفلاحة ما بين موفى 2011 و مطلع 2014، في عهد حكومتي الائتلاف الثلاثي بين حزبي النهضة وحزبين علمانيين برئاسة حمادي الجبالي وعلي العريض.
وقد كان حسب رجال الأعمال والاداريين الذين تعاملوا معه في تلك الفترة ” الوزير الفعلي” المشرف على قطاع الزارعة والصيد البحري “بحكم انشغال الوزير محمد بن سالم القيادي في المكتب التنفيذي في حزب النهضة وقتها بانشطته السياسية والبرلمانية ” ، مثلما جاء في تصريح المولدي الرمضاني الأمين العام لنقابة الفلاحين في محافظة القيروان للشرق الأوسط.
ونوه وزير الفلاحة الأسبق محمد بن سالم بخصال الحبيب الجملي واشاد بما عرف به من هدوء وتواضع ونظافة يدين واستعداد “للعمل بجد ونجاعة ” طوال أكثر من 14 ساعة يوميا .
كما أكد قياديون من النهضة ومن خارجها على استقلالية الجملي وعدم انتمائه الى أي هيكل من هياكل الحزب ” رغم صداقته لها ” على حد تعبير زعيم النهضة راشد الغنوشي ورئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني.
لكن هذه ” التطمينات” قابلها تشكيك في استقلاليته من قبل قياديين حاليين وسابقين في الحركة بينهم الوزير والامين العام السابق زياد العذاري والقيادي السابق في الحزب الذي انشق قبل بضعة اشهر وترشح للرئاسة في سبتمبر الماضي حاتم بولوبيار.
رجل أعمال وموظف سابق
وتكشف السيرة الذاتية التفصيلية للجملي أنه استبق ال14 عاما التي قضاها موظفا في القطاع العام ثم المسؤوليات التي تحملها في مكاتب الدراسات والاستشارات وفي الشركات الخاصة بدراسات جامعية حصل في أعقابها على ماجستير في الاقتصاد الفلاحي والتصرف في المؤسسات ذات الصبغة الفلاحية.
كما حصل على عدد من الشهادات العلمية والجامعية بعد مشاركته في دورات تدريب في تونس وفي عدد من العواصم الأوربية والعربية حول تخصصه في مجال “منظومات الإنتاج الفلاحي وسياسات تنمية القطاع الزراعي وهيكلته “.
وقد اشتغل الجملي ما بين 1987 و2001 في مؤسسات تابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري تنقل خلالها بين عدة مسؤوليات إدارية وفنية وبحثية. كما كلف بالمشاركة في أشغال عدة لجان داخلية ووطنية ومجالس ادارة شركات عمومية ذات صلة بالقطاع الفلاحي.
و ترأس رئيس الحكومة المكلف ما بين 1992 و1995 خلايا الدراسات والابحاث التطبيقية في المؤسسة الحكومية التابعة لوزارة الفلاحة ، “ديوان الحبوب”.
ومكنته تلك المسؤوليات من أن يكلف مع فريق من المهندسين بمتابعة مقررات تهم استراتيجية الامن الغذائي وتطوير انتاجية تونس من القمح عبر ما سمي ب” مشروع القمح الأمريكي- التونسي”.
وكان الفريق كلف أساسا بإجراء البحوث التطبيقية والإرشاد الميداني للمزارعين حول اعتماد التقنيات الحديثة في إنتاج الحبوب والبقول الجافة “في سياق الحزمة الفنية الملائمة لمختلف جهات شمال ووسط البلاد” حسب رئيس نقابة المزارعين التونسيين عبد المجيد الزار.
ومنذ 2001 استقال الحبيب الجملي من الوظيفة الحكومية واقتحم تجربة الاستثمار المالي في القطاع الزراعي و تحمل مسؤوليات في مكاتب دراسات تعنى أساسا بالقطاع الزارعي والاقتصاد التضامني والاجتماعي .
وينوه أصدقاء الجملي القدامى في وزارة الفلاحة أنه لم يغادر الوظيفة الحكومية إلا بعد أن أنجز دراستين تطبيقيين “الأوليين من نوعهما في تونس ” اعتمدا رسميا اثر مناقشتهما والمصادقة عليهما في ورشتين عامتين موسعيتين عقدتا للغرض (1999/2000) تعلقت الأولى بـمعالجة معضلات تجميع الانتاج الزارعي وتحسين ظرروف خزن المحصول وتسويقه وتصديره .
وتعلقت الدراسة الثانية بإعداد منوال لتحليل ومراقبة جودة الحبوب بتونس خلال مختلف مراحل تسويقها.
الأمن الغذائي والصناعة الزراعية
وقد اتهم الجملي من قبل عدد من المعارضين له بافتقاره ل”رؤية اقتصادية شاملة ” باعتباره قضى عشرات السنين من عمره بين مؤسسات ادارية وشركات عمومية وخاصة تعنى بقطاع الزراعة دون غيره من القطاعات .
و اعتبر الخبير في علم الاتصال واستطلاعات الرأي حسن الزرقوني أن رئيس الحكومة المكلف ليس شخصية وطنية معروفة بشبكة علاقات متطورة مع الفاعلين الاقتصاديين والسياسين والاعلاميين في تونس ودوليا. واعتبر أن “هذا النقص ط سوف يحرم تونس من تطمين شركائها الاقتصاديين الكبار وبينهم باريس والاتحاد الاوربي والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي وبنوك الاستثمار العربية والافريقية والاوربية …
لكن أنصار الجملي ، مثل الناطق الرسمي باسم حركة النهضة البرلماني عماد الخميري ، يرفضون هذه الاتهامات ويتحدثون عن ” ثراء خبرته المهنية وتنوعها في أغلب المجالات الاقتصادية العمومية والخاصة” بدءا من القطاعات المؤثرة في سياسات تحقيق الامن الغذائي ومحاربة الفقر عبر مضاعفة فرص التشغيل في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والصناعات الزراعية والتجارة الداخلية والخارجية .
كما يعتبرون أن الجملي يتميز بمعرفته الميدانية الدقيقة للاقتصاد التونسي وما يعتريه من نواقص هيكلية وظرفية وما تجابهه من إشكاليات عديدة “بما فيها ذات الصبغة السياسية.”
التعاونيات و التعاضديات
في نفس الوقت يعتبر الحبيب الجملي ” مهندس تأسيس التعاونيات والتعاضديات ” خلال توليه مسؤولية وكيل وزير زراعة عامي 2012 و2013، وهي خطة ساهمت في تجميع الفلاحين وتحسين مردودهم وانتاجيتهم وفرص تسويق انتاجهم محليا ودوليا ، حسب المولدي رمضاني الامين العام لنقابة اتحاد المزارعين في محافظة القيروان .
وقد عمل الجملي على إرساء أسلوب جديد في تسيير وزارة الزراعة ومعالجة مختلف الملفات العالقة ومتابعة المستجدات “بأسلوب أدرك آثاره الايجابية عدد هام من الكفاءات العاملة بالمصالح المركزية والجهوية التابعة للوزارة، فضلا عن كثير من المتعاملين معها”.
كما أشرف على إعداد “لوحة قيادة” لمتابعة تنفيذ مختلف المشاريع والبرامج التنموية جهويا ووطنيا وأشرف على عدد من لجان التفكير والاستشراف الاقتصادي الوطنية ، ووضع أسس رسم “خطة عمل وإستراتيجية شاملة للنهوض بالاقتصاد التونسي وتمكينه من لعب دور متقدم في تطوير الاقتصاد الوطني ورفع التحديات المفروضة على البلاد وعلى رأسها الأمن الغذائي وتجاوز عدد الفقراء في ارياف تونس وجهاتها المهمشة المليون ونصف” .
العلاقة مع النقابات واليسار
لكن الجملي لم يقنع كثيرا من زعماء النقابات والاحزاب اليسارية بشخصيته وخبرته ، بما في ذلك حمة الهمامي زعيم حزب العمال الشيوعي والجبهة الشعبية اليسارية القومية ونور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد نقابات العمال وسمير ماجول رئيس نقابة الصناعيين والتجار.
ويبدو أن رئيس الحكومة المكلف استبق الصراعات التي تنتظره مع النقابات والاطراف اليسارية والقومية التي تسيرها عبر جلسات استماع ماراطونية عقدها مع غالبية زعمائها.
وأجمعت شهادات الشخصيات التي استقبلها على التنويه بقدرته على الاستماع والتركيز مع مخاطبيه والترحيب بمقترحاتهم وتسجيلها والتعهد بمتابعتها وبتطوير مشروع البرنامج الحكومي الذي قدمته اليه حركة النهضة واقترحت تعيينه بموجبه باعتبارها الحزب الفائز بالمرتبة الاولى، مثلما ورد على لسان الامين العام السابق لاتحاد الشغل حسين العباسي والحقوقي والاعلامي صلاح الدين الجورشي اللذين كانا من بين تلك الشخصيات .
فهل ينجح الجملي في مشواره بفضل خيار توسيع جلسات الاستماع والتشاور وتشريكه الزعامات التاريخية للنقابات والاحزاب وانفتاحه على كل التيارات وتعهده باعطاء أولوية لملفات التنمية وبالاستقلالية عن كل الاحزاب ؟
الدستور يمنحه شهرين كاملين للاعلان عن تشكيلته الحكومية يمتدان حتى ال14 من يناير القادم ..ذكرى اندلاع شرارة الثورة التونسية والثورات العربية ..
فهل يكون هذا التاريخ فاتحة عهد جديد في تونس أم يقترن بالاعلان عن ” فشل جهود تشكيل الحكومة الائتلافية ” بما يعني تدخل رئيس الجمهورية لتكليف شخصية جديدة ومنحها فرصة المحاولة مجددا طوال شهرين إضافيين ؟