من صحفي سوري إلى زملاء مهنة الضمير في تونس

كتبت صحفية تونسية .. ما يلي:

– كفاكم كذباً.. لقد دَمَّرتُم بلدَكُم سوريا؛ و الآن.. تُدمِرونَ حلبَ فوق رؤوسِ سُكّانها؛ ثم تنشرونَ الصورَ المُلفَّقة.. لتتهموا بها نظاماً طالما كان شوكةً في حَلقِ الصهيونية؛ و لتتهموا حزب الله الذي لقَّنَ إسرائيل دروساً في المقاومة البطولية.

و لم أقرأ تعليقها.. سوى بعد ساعاتٍ؛ فكتبتُ التعليق التالي:

– نعم.. يا زميلةً مِهنةِ الضمير؛ نحن الذين نَضَعُ المتفجرات تحت أساساتِ بيوتِنَا.. لتنفجرَ بنا.. وبأطفالنا و بنسائنا و بأمهاتنا؛ ثم نلتقط السيلفي لنا تِلوَ السيلفي.. و نحن نموتُ تحت الركام؛
بل.. إننا نستَلِذُّ بنشرِ صورِ أشلائنا و جثثنا و حُطَام بيوتنا؛ بل.. و نتفنَّنُ في التقاط تلكَ الصورِ الدمويّة التذكاريّة المُرَوِِّعَة منذ خمس سنواتٍ؛ لنتهمَ بها طاغيتنا البَرِيءَ من دمنا.. براءةَ الذئبِ من دمِ يوسف؛
حتى أننا نتجنَّى على حزب الله و مُقاتليه؛ بل.. إنَّ بعض ضحايانا تحت الأنقاض.. هُم من عائلات الحزبِ التي هربَت من جنوبِهَا المُقاوِم إلى سوريا المُمانعة في تموز 2006؛ و استضفناها.. في بيوتنا؛ثم أخذناهم سبايا.. للمُقايضة بهم على مُعتقلينا في سجون طاغيتك السيّاحيّة؛
و لأننا شعبٌ لئيمٌ؛ وغَدَّارٌ؛ و من سُلالِة مَصَاصِي الدماء.. لم نكتفِ بتعذيبهم و باغتصابِ ما طابَ لنا من نسائِهِم المُقاوِِمَات؛ بل.. زِدنَا في تقاليدِ ضيافتنا لهم؛ حين فَجَّرنَاهُم ببراميل الأسدِ ذاتِه؛ وَهُم معنا في بيوتنا.. لِنُصوِّرَهم فقط؛ و تلكَ السيدةُ من حلب.. هي زوجةُ مُقاتلٍ من حزب الله جاءَ لنجدتها.. في طريقهِ لتحرير القدس؛ فَعَرَّجَ بسلاحه نحو حلب؛
و لأننا.. نعيشُ على ثاراتٍ عُمرُهَا 1400 عاماً.. استقبلناهُ بالسكاكين؛ كما فعلنا.. حين قتلنا أولادَناَ بأنفُسِنَا في مجزرة الحُولة؛ ثمَّ.. نسبنا المجزرةَ زوراً و بُهتاناً.. لأسدِكِ المُمَانِع و لحزبكِ المُقاوِِم العتيد؛ نحنُ شعبٌ.. نعشقُ القتل؛ بل.. نَستَعذِبُ موتَنَا المَجَانِيَّ؛ و لهذا.. نموتُ في كلّ يومٍ بقصف طيارينا الأشاوسِ.. لنا.

معك حق.. يا سبيّة الاستبداد و الممانعة؛ فالذي يقتلنا.. سوريٌّ مثلنا؛ و الذي يقصفنا.. سوريٌّ مثلنا؛ و الذي يُهجِّرُنَا من بيوتنا و يُحاصِرُنا جوعاً.. سوريُّ مثلنا؛ والذي تحالفَ مع حزب الله و إيران ومع روسيا.. ضِدَّنا؛ سوريٌّ.. مثلنا؛ لكنه السوريُّ القاتل.. بينما نحنُ السوريّ القتيل؛ و أنا أُحَيِّيكِ.. و أُقَدِّرُ لكِ صَحوةَ ضميركِ المُتأخرة؛ بعد خمس سنوات من الصمت؛ وأباركُ لكِ.. خَطفَ ثورتِكِ؛ و عَودةَ فُلُولِ بن علي من الشبابيك؛ بعد طَردِهِم من باب القصرِ الجمهوريِّ في قرطاج.

هل تعرفينَ.. بأنَّ حَنّا بَعل السوريّ؛ هو مجرّد إرهابيٍ سوريٍ مثلنا؛ و بأنَّ صورةَ السيدة الحلبية التي نَجَت من قصفِ طاغيتِكِ المُمَانِع؛ هي إحدى حفيداتِ أليسار.. أميرةِ قرطاجنا؛ لكنها.. أكثرُ إرهاباُ و دمويّةً منها؛ بل.. إنها تقصِفُ نفسَهَا كلَّ يوم..فلا تموت؛ لتنجو في كلّ مرّةٍ من القصف.. فقط؛ لتأخذَ لها الكاميراتُ صورةُ مُفبرَكَةً عن تحوُّلِ الضحية إلى قاتلٍ لنفسه و لشعبه.

ما رأيكُ يا زميلةَ مِهنةَ الضمير.. أن نُرسِلَ لكِ بشار حافظ الأسد ليحكُمَكَ بدلاً عنّا؛ وسأنتظرُ صورةً لكِ؛ و قد نَجوَتِ مِن قَصفِكِ.. لنفسكِ: ابتهاجاً بمُمَانَعةِ سيادَتِه.. كما نفعلُ منذ خمس سنواتٍ بأنفسنا.. ابتهاجاً بتحريره للجولان من صهاينةِ درعا و حمصَ و دير الزور و يبرود و الزبداني و حلب و سواها.
ثِقِي.. يا سَبِيَّة الاستبداد و المُمَانعة؛ بأنِّي سأتضامَنُ معكِ و قد نَجوَتِ لتوِّكِ..من قصف بيتكِ في تونس العاصمة؛ لأنكِ ضحيَّةُ نفسِكِ.. قبل أن تكوني ضحيةَ أوهامِ الصمود و الممانعة.

أشكرُكِ جزيل الشُكر.. لأنكِ نبَّهتِنِي بأنَّ صورَ موتِنَا مُفبرَكَةٌ؛ فنحنُ.. بالفعل: شعبٌ.. لا يموت.

نجم الدين السمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *