من أَوصل دونالد ترامب لرئاسة أميركا؟ .. بقلم علي حميدي

دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، هذا الخبر الذي شغل العالم بأسره على مدى الأيام الماضية وأسال حبرا كثيرا، واستنفر وسائل الإعلام لساعات متواصلة، حتى أخرجت أفضل ما لديها، فبعد أن كانت الانتخابات بذاتها حدثا، أصبح فوز ترامب الحدث إذ اعتبر مفاجأة بحكم ما تم ترويجه من قبل أغلب الماكينات الإعلامية الأميركية وشركات استطلاع الرأي التي كانت مجمعة على تقدم هيلاري كلينتون، لا بل كان أغلبها يحاول تقديم ترامب بصورة تحمل الكثير من السلبية، وهذا لا ينفي وجود هذه السلبية بالرجل، لكن المقصود هو التساؤل التالي: هل كان ثمة ساعٍ أميركي للتأثير فعلا على الناخب هل كانت هذه الجوقة متخوفة حقا من وصول دونالد ترامب ولماذا؟

قد يكون من الإنصاف القول والحكم على تغطية ما بعد فوز ترامب بأنها في كثير من الحالات كانت قاصرة ولحد ما مسيسة وفي بعض الأحيان غبية، مشوهة ومنقوصة، لأن السذج كانوا منساقين خلف نتائج الاستطلاعات وكان صادما وصول ترامب وكأنه لا يمثل الحالة الأميركية أو أنه حقق معجزة أو خرقا لقانون الطبيعة، بينما الحقيقة الجلية العلمية أنه على الأقل بحظوظ متساوية مع هيلاري كلينتون وكان مرشحا من قبل حزبه وتدرج حتى وصل وفق الآلية المعتمدة ولم تلعب الصدف أو الخوارق أي دور في وصوله، ومع كل ذلك كان فوزه مفاجئا مما دفع أغلب المتابعين للسعي خلف جمع معلومات وتفاصيل عن الشخص الغريب الأطوار وقليل الخبرة السياسية كثير المال الذي أصبح سيد البيت الأبيض، تاريخه، حاضره، ثروته، سلوكه، أعماله، كل شيء حوله لكن غاب عن الجميع البحث عمن أوصله لسدة الحكم، قلة هم الباحثون خلف أسباب اختيار الأميريكيين لدونالد ترامب رئيسا، هل لنا فعلا أن نعرف من هو الناخب الأميركي الذي فجر “المفاجأة” وبأي مزاج انقلب الشعب على سلطة الديمو قراطيين التي مثلها باراك أوباما وفريقه لثماني سنوات؟

أول الأسباب هو العصر الأوبامي نفسه، الرئيس الأسود الأول لأميركا، الرئيس من أب مسلم ومن جذور معروفة وقريبة في أفريقيا، والذي كان أملا أبيضا قبل أن تمر سنواته دون أي تقدم على مستوى معالجة الأزمات التي أورثه إياها جورج بوش الابن ودون تحقيق الوعود للبسطاء والمهمشين فبدت الولايات المتحدة داخليا دون تغيير كبير، ومر حكم أوباما فاترا باهتا، لا يشبه بأي شكل حماسة حملته الانتخابية ووعوده أو حتى “معجزته”، مما زاد من خيبة الأمل والحنق خاصة بين الضعفاء والفقراء والسود والأقليات، وكان هذا كله الدافع الأول والكافي لكل هؤلاء للابتعاد عن الديمقراطيين جملةً، لصالح أي جمهوري وإن كان دونالد ترامب
.
أما في شأن الدولة الأقوى الخارجي، فتردد أوباما وانسحابه من قيادة العالم كما كانت بلاده على الدوام، انسحاب أحدث فراغ للصغار كروسيا أو غيرها، وتركه للحلفاء التقليديين دون مساندة حقيقية، وفي مرات عدة كان تركا باستهتار، كل هذا هز ثقة الأميركي المغرور بنفسه مما دفعه لاختيار دونالد ترامب بحثا عن هيبة وتمرد وكسر للأعراف وتجبر وعنجهية تعوّد عليها الشعب الأميركي وأخلص لها على الدوام ناسفا تجربة التغيير مع أوباما.

وفي جرد سريع لوعود ترامب ومغرياته التي قدمها للأميركيين “داخليا” والتي لم تؤخذ بالحسبان أو همشت بشكل مقصود من قبل وسائل الإعلام نجد أنه وعد بالانقلاب على اتفاقات التجارة الحرة مع العالم والتجارة المفتوحة عبر البحار دعما للإنتاج من داخل الولايات المتحدة وهدد بمزيد من الرسوم الجمركية على شركات بلاده العملاقة التي تفتح مصانعها خارج أميركا وهذا ما قرب منه فئة العمال والمنتجين هؤلاء الذين يخسرون وظائفهم بنقل المصانع إلى الصين وأسيا أو أميركا الجنوبية بحثا عن يد عاملة أرخص، فضلا عن تصاعد غير معهود وجرأة عالية في لهجة الرجل الأبيض الغاضب وانفعالاته التي شكلت نموذجا يهواه الشباب الأميركي وكان مفتقدا مع رئيس أسود هادئ متردد وبكل تأكيد لن يجدونها مع امرأة، نعم كانت صورة المرأة الحاكمة غير مستحبة لدى الأميركيين ولذلك أعطت حتى نساء أميركا أصواتهن لدولاند ترامب رغم أنه متحرش بذيء لكنه ..رجل.

هل يمكن الجزم إذا أن الجمهور الأميركي خذل التوقعات أم أنها كانت توقعات غير منطقية بالنظر لسيكولوجية الناخب الذي لم يعط قط ثلاث دورات متتالية لأي من الحزبين (الديمقراطي أو الجمهوري) فلماذا يفعل الآن بينما العالم حوله يعيش على وقع تغيرات كبرى في كل أركانه ألا يشمل هذا التغيير الناخب الأميركي، أليس تصاعد اليمين الموصوف بالمتطرف في الغرب حقيقة ولماذا علينا فصل أميركا عن الغرب وأهلها اليوم يقدمون النموذج الأول للتصويت لصالح الوقاحة في العداء، لا يمكن الفصل، فالأميركي رأى في انتخاب ترامب زعزعة للوضع القائم في واشنطن وهذا التغيير وإن حُسب لدى البعض انقلابا على المنطق لكنه عند كثر يعتبر مسارا أصيلا في حركة الدولة الأقوى والتي كانت وما زالت قاطرة التغيير في العالم “سلبا أو إيجابا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *