ملايين اللاحئين السوريين يحلمون بالعودة .. ما الذي سيتغير بعد مفاوضات كازكستان ؟ .. بقلم كمال بن يونس

تستعد عاصمة كازكستان ، الاستانة ، لاستقبال ممثلي السلطات والمعارضة السياسية والمسلحة السورية والاطراف الراعية للمفاوضات حول مستقبل البلاد وعلى راسها حكومات موسكو وانقرة وطهران .. فيما وجهت تركيا وروسيا رسميا دعوات للادارة الامريكية الجديدة كي تحضر هذه المحادثات الاولى من نوعها بعد اعلان وقف اطلاق النار في مدينة حلب المعقل السابق لاغلب الفصائل المسلحة السورية .

وفي الوقت الذي اعرب فيه ملايين اللاجئين والنازحين السوريين عن رغبتهم في العودة الى مسكنهم ومواطنهم كشفت التقارير الصحفية والسياسية والامنية ان الاغلبية الساحقة من المساكن والمباني والادارات والمعالم الثقافية في مدينة حلب – ثاني اكبر مدن سوريا – اصبحت خرابا بسبب الحرب العالمية بالوكالة التي جرت فيها .. تحت يافطات عديدة من بينها ” الربيع العربي ” ..
ومهما كانت نتيحة المفاوضات حول مستقبل الحرب والسلام في سوريا ومصير ملايين اللاجئين والنازحين السوريين فسيذمر التاريخ ان من بين ابشع ماىحصل فيها خلال الاعوام القليلة الماضية ترويع شعبها المسالم وتدمير جزء كبير من تراث البشرية عموما والتراث العربي الاسلامي خاصة ..

من المطالب السياسية الى الخرب العالمية بالوكالة

لقد بدات المظاهرات والاحتجاجات في سوريا سلمية في 2011على غرار الاحتجاجات والتحركات في اغلب الدول العربية من المحيط الى الخليج ..
لكن الاوضاع تتطورت بسرعة فائقة في سوريا نحو مواجهات مسلحة بين قوات النظام ومسلحين سوريين ثم بين الجيش النظامي الرسمي وعشرات التنظيمات المسلحة الموالية لعدد من العواصم العالمية والاقليمية بينها باريس وبروكسيل وواشنطن وانقرة والدوحة والرياض وابو ظبي من جهة .. وبغداد وموسكو وطهران من جهة ثانية ..
وقع تحويل تحركات مشروعة من احل التغيير السياسي والاصلاح الاقتصادي الاجتماعي الى حرب عالمية واقليمية بالوكالة شاركت فيها قوات اسرائيلية واوربية وامريكية وايرانية وتركية وخليجية وروسية …

التدخل الروسي الايراني

وبعد ان اوشك النظام السوري على الانهيار في 2014 ادى التدخل الجوي الروسي المكثف الى انقاذه وتعزيز مواقعه على الارض .. وتحقيق تغطية جوية لعشرات الالاف من العسكريين الموالين له على الارض من بين الجنود الروس واللبنانيين والايرانيين والعراقييين ..
وكانت الحصيلة ايضا اجهاض المشروع الامريكي الاسرائيلي الاوربي الذي كان يهدف اساسا الى اعادة تقسيم سوريا بين ما لايقل عن ثلاثة دول : دولة كردية بالقرب من الاقليم الكردي في العراق وسوريا ودولة ” سنية ” بزعامة “خليفة داعش ” تمتد الى شمال العراق السني ، ودولة ” علوية ” شمالي سوريا يمكن توظيفها لاحقا لتفجير الاوضاع في جنوبي غربي تركيا حيث يقطر عدد ” العلويين ” باكثر من عشرة ملايين مواطن .

استهداف تركيا بعد سوريا والعراق

وبالرغم من استقبال تركيا لامثر من 3 ملايين لاجئ سوري وانحيازها طوال اعوام للموقف الامريكي الخليجي الفرنسي الذي راهن على اسقاط الرئيس بشار الاسد ، فقد ابتعدت عن بعض حلفائها “الخليجيين “و” الاطلسيين ” لما ادركت ان الهدف ليس اقامة نظام ديمقراطي جديد في ” سوريا الجديدة ” ولكن تشجيع ” الفوضى الخلاقة ” في كامل المنطقة ، وتصدير العمليات الارهابية الى داخل تركيا تحت يافطات ” حقوقية ” وسياسية كثيرة من بينها ” حقوق الاقليات الكردية والعلوية ” في ترميا وسوريا والعراق وايران..
وفضحت بعض ” اللوبيات الاستعمارية الجديدة ” بسرعة عن ارادة لتوظيف ” الحرب العالمية ضد داعش ” شمالي العراق وسوريا من اجل تغيير خارطة المنطقة و فرض “واقع تقسيم سوريا والعراق ثم ايران وتركيا ” الى دول عرقية وطائفية كردية وسنية وشيعية ” وعلوية
وفارسية ..الخ

محاولة الانقلاب في تركيا

افتضاح هذه المخططات وتصعيد روسيا وايران عملياتهما في سوريا جوا وبرا بالتزامن مع الاتفاق النووي الايراني الغربي دفع صناع القرار في تركيا وايران وروسيا نحو التقارب وفتح مفاوضات مع ممثلي الرئيس بشار الاسد وفصائل من المعارضة السياسية والمسلحة القريبة من الطوحة والرياض .. فكانت الحصيلة بدء مسار حقن الدماء والمفاوضات من اجل سوريا موحدة جديدة ..
وبعد تعاقب العمليات الارهابية ضد اهداف استرتيحية في تركيا ثم المحاولة الانقلابية الفاشلة ليوم 15 جويلية 2016 تسارع نسق التقارب بين انقرة وموسكو وطهران ودمشق ..
ولم يعد امام تركيا المهددة بالانقلابات والارهاب والحرب الاهلية من خيار غير غلق ملف التعاون مع الطول التي تسعى الى الاطاحة بالنظام في دمشق وتقسيم سوريا والعراق وتاسيس دولتين كرديتين فيهما تمهيدا لتاسيس دولة ” موحدة ” للادكراد في ترميا وايران والعراق وسوريا ..

رفع الحظر عن ايران

تغيرت الاولويات في مرحلة صعدت فيها الدول الاطلسية الغربية ضغوطاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية على روسيا ، بينما لم تحترم الادارة الامريكية بعد كل تعهداتها الى طهران وعلى راسها رفع الحظر عن حوالي 150 مليار دولار امريكي من الاموال الايرانية المجمدة في البنوك الغربية بسبب العقوبات السابقة التي لديها علاقة بالبرنامج النووي السلمي الايراني ..
في هذا السياق العام ينعقد مؤتمر العاصمة الكازكستانية ” استانة ” حول مستقبل سوريا ، ليكرس نقل مركز الثقل في المفاوضات حول المنطقة من جنيف وغيرها من المدن الاوربية الى عاصمة دولة صديقة لتركيا وروسيا وايران ..
وفي كل هذا تطور حيو استراتيجي مهم .. وان كانت المرحلة القادمة من المفاوضات مبرمجة في جنيف .. لكن روسيا وايران وتركيا ستكون طرفا فيها .. الى جانب ممثلي حكومة بشار الاسد ومعارضيه ” المعتدلين “

اولويا جديدة

ومهما كانت الخلافات الثانوية الحالية بين طهران من حهة وانقرة وموسكو من جهة ثانية حول مستقبل الرئيس بشار الاسد ، فان التوافق اصبح كبيرا بينها حول 3 اولويات : اولا رفض تقسيم سوريا ثانيا رفض تغيير النظام السوري الحالي الان ثالثا تاجيل البت في طبيعة النظام السياسي الجديط ومستقبل الرئيس بشار الاسد شخصيا الى مرحلة ما بعد المفاوضات السياسية بين زعامات المعارضة السياسية والمسلحة برعاية تركية ايرانية روسية ..
فهل ينجح قادة موسكو وانقرة وطهران ودمشق في مفاوضات كازكستان ؟
وهل يتوافقون مع زعماء المعارضة السياسية والمسلحة والدول التي تدعمهم حول تسوية سياسية وامنية شاملة تخفف معاناة اكثر من عشرة ملايين مهاجر ونازح سوري وعشرات ملايين من المشردين داخل بلدانهم ؟
وهل يكون ” التوافق الجديد ” في سوريا خطوة نحو توافق اكبر يشمل العراق واليمن وليبيا وفلسطين ولبنان ؟
كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *