مصرة على تمرير الإصلاحات “الموجعة”… الحكومة وسياسة الترهيب والترويض .. بقلم جنات بن عبد الله

قدم وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي يوم الأربعاء 17 جوان 2020، خلال ندوة صحفية، الدراسة التي تم إنجازها بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول “التأثيرات على الاقتصاد التونسي سنة 2020 “.

وحسب ما جاء في هذه الندوة فقد انطلقت الدراسة من تشخيص اثار أزمة كورونا على الاقتصاد الوطني لتقديم مقترحات وحلول، لاحظ الوزير، أنه سيتم اعتمادها عند اعداد مشروع قانون المالية التكميلي ومشروع المخطط الخماسي للتنمية 2020 – 2024.

توقعت هذه الدراسة، التي تعتبر واحدة من دراسات شرعت الوزارة في اعدادها، تقلص نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي لكامل سنة 2020 الى 4.4 بالمائة سلبي مقابل 2.7 بالمائة ايجابي كانت متوقعة قبل أزمة كورونا. هذا التراجع يعزى، حسب الدراسة، الى توقع تراجع اجمالي الاستثمار والاستهلاك الأسري والصادرات والواردات.

أما على المستوى القطاعي فتتوقع الدراسة تعمق الهشاشة المالية لقطاعات الصناعة والنقل والنسيج، لتقترح تخصيص دعم مالي مباشر من ميزانية الدولة، حددته في مستوى 1 بالمائة من حجم الميزانية لكل ثلاثة أشهر من الحجر الصحي مع العمل على تعزيز دور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي تعتبره من الحلول الناجعة لخلق الثروة ودور الاقتصاد الرقمي وادماج القطاع الموازي في القطاع المنظم.

هذه الدراسة طالبت بإنجاز الإصلاحات الهيكلية في مجال المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية ومنظومة الدعم والتركيز على الاستثمار في الطاقات البديلة لتقليص العجز الطاقي.

في ذات السياق قدمت الوزيرة المكلفة بالمشاريع الكبرى يوم 12 جوان 2020 نتائج عمل اللجان الفنية التي كلفت لدى رئاسة الحكومة بإعداد خطة الإنعاش الاقتصادي الذي ستعتمدها الحكومة للخروج من أزمة كورونا. وقد ركزت هذه الخطة على القطاعات الأربعة الأكثر تضررا، حسب تصور اللجان، وهي النسيج وتركيب السيارات والطائرات والسياحة متجاهلة قطاع الفلاحة والصناعات التحويلية الغذائية وبقية الأنشطة الخدماتية.

في هذه الخطة نوهت الوزيرة المكلفة، وعلى غرار ما جاء في دراسة وزارة التنمية، ب “القدرات البشرية الكامنة في المجتمع التونسي في مجالات التطبيقات التكنولوجية والروبوات وغيرها”، قدرات اكتشفها فجأة حكام تونس الجدد لأول مرة بفضل أزمة كورونا.

ودائما في نفس شهر جوان، نشر الموقع الالكتروني “البورصة” بتاريخ 14 جوان 2020 ، حوارا لمسؤول في البنك الدولي تناول المساعدة الفنية التي قدمها البنك الدولي لتونس لمواجهة تداعيات جائحة كورونا ومقترحاته لحكومة الفخفاخ في هذا المجال.

ولئن جاء طرح البنك الدولي في هذا الحوار مطابقا لما جاء في دراسة وزارة التنمية وخطة الإنعاش الاقتصادي لرئاسة الحكومة، فانه تميز عنها بجرعة إضافية من الدقة والوضوح بخصوص ملف المؤسسات العمومية.

وفي الوقت الذي اختفت فيه دراسة وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي وراء برنامج الإصلاحات الهيكلية عند الحديث عن المؤسسات العمومية، كشف المسؤول في البنك الدولي عن طبيعة الإصلاحات التي تنتظر المؤسسات العمومية من منظور هذه المؤسسة المالية الدولية.

فقد اعتبر المسؤول الدولي أن أزمة كورونا فتحت افاقا جديدة أمام حكومة الفخفاخ لمعالجة عجز ميزانية الدولة التي تعاني ضغوطا كبيرة بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها المؤسسات العمومية. وفي هذا الباب دعا الى فتح رأس مال البعض منها على الاستثمار الخاص مثل وكالة التبغ والوقيد وشركة الفولاذ والنقل الجوي وتلك التي تنشط في مجال استغلال الموارد الطبيعية، ليذكر السلط التونسية، وبالحاح، بالإطار القانوني الجديد الذي أقرته حكومة الشاهد المتمثل في قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وعقود الامتياز التي يسوق لها البنك الدولي منذ تسعينات القرن الماضي كصيغة لتفويت الدولة في المؤسسات العمومية.

لقد اتبعت حكومة الفخفاخ سياسة اغراق الساحة الإعلامية، خلال مدة زمنية وجيزة (شهر جوان)، بهذه الدراسة وغيرها، وبخطة الإنعاش الاقتصادي، والحوارات مع مسؤولين دوليين ورئيس الحكومة وزراءه ، في اطار ما يسمى باستراتيجية الصدمة التي تصب في خانة التلاعب بالرأي العام التونسي وترويضه على أطروحات وتحاليل موجهة وملغمة تستند كلها الى نفس المرجعية الفكرية النيو- ليبرالية التي تختزلها وصفة صندوق النقد الدولي المنصوص عليها في رسائل النوايا الثلاثة، التي تعهدت بها حكومات ما بعد الثورة مع البنك المركزي، في فيفري 2013 وماي 2016 وأفريل 2020 بعيدا عن مرأى السلطة التشريعية لتمريرها مع حكومة الفخفاخ تحت غطاء أزمة كورونا التي اعتبرتها أطراف معينة، تتحرك تحت وصاية الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، فرصة للانفتاح على ما وصفته ب”الافاق الجديدة” للاقتصاد التونسي لإدراجها ضمن مشروع قانون المالية التكميلي ومشروع المخطط الخماسي للتنمية.

ما جاء في دراسة وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، وخطة الإنعاش الاقتصادي، وحوار رئيس الحكومة الذي هدد فيه بالتخفيض في الأجور وجرايات التقاعد يوم 14 جوان 2020 ، وحوار المسؤول بالبنك الدولي، هو اخراج ذكي، فيه استخفاف بالرأي العام التونسي، لما جاء في البيان الصادر عن اجتماع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الصادر بتاريخ 10 أفريل 2020 والذي وافق فيه على منح تونس قرضا بقيمة 475 مليون دولار لمجابهة أزمة كورونا مقابل تعهد السلط التونسية بمواصلة اتباع سياسة التقشف عبر تجميد الأجور والانتدابات والترقيات والمنح في الوظيفة العمومية، ورفع الدعم عن المواد الأساسية والترفيع في أسعار المحروقات من جهة، وتعهد البنك المركزي باتباع سياسة نقدية متشددة تقوم على الترفيع في نسبة الفائدة المديرية لاحتواء التضخم.

ما نأسف له حقيقة انخراط بعض الخبراء الاقتصاديين والمسؤولين والسياسيين في اجترار ما تسوق له المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي من تحاليل وحلول، وضعت من أجل تدمير محركات النمو الثلاثة في بلادنا من استهلاك واستثمار وتصدير وتفريط في السيادة الوطنية، ستعتمد في مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 ومشروع المخطط الخماسي للتنمية 2020 – 2024 في الوقت الذي ينتظر فيه اقتصادنا قوى وطنية تحرره من قبضة لوبيات الداخل والخارج وحلولا هيكلية لأزمة اقتصادية هيكلية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *