مدرسة الجمهورية العمومية .. تتراجع أمام المدرسة الخاصة والأجنبية .. بقلم عبد اللطيف الفراتي

لم يكن توحيد التعليم في 1956/1958 على يدي بورقيبة / المسعدي ، صدفة ، بل كان نتيجة سياسة مخططة ، تستهدف توفير تعليم موحد في أهدافه يأخذ من كل جانب بطرف ، التعريب والتونسة ، الانفتاح على الثقافات الأجنبية وخاصة الفرنسية ، والغوص في أعماق العلوم الحسية ، إعدادا لأجيال إن لم تكن موسوعية فعلى الأقل ذات عقول منفتحة ، تعيش في محيطها المحلي بنوافذ مشرعة على العلوم والأصالة والتفتح.

هكذا كانت فكرة مدرسة الجمهورية ، أجيال منسجمة في توجهاتها ، مقبلة على عوالم فكرية تقدمية ، ولعل الدمار الذي أصابنا بين 1994 و2010 يتمثل أساسا في محاولة نجحت إلى حد بعيد في تدمير تلك الفكرة العبقرية التي جاء بها بورقيبة .

وبدل أن يتم إنقاذ أجيالنا الجديدة من هذا الدمار الذي يتربص بها ، وهو ما بدأ مع إصلاح تعليمي اعتمد استشارة واسعة ، وحددت له أهداف مرحلية مستنبطة من الواقع التونسي ، ومستوحاة من أعتى التجارب العالمية وفي مقدمتها التجربة الفنلندية الرائدة ، انطلقت محاولات التحطيم لوأد التجربة، فاتخذت لنفسها مسارا ليس بيداغوجيا ولا إصلاحيا ، بل سياسيا ، استهدف وزيرا قد نتفق وقد نختلف معه ، ولكنه كان من الشجاعة بحيث أخذ الثور من قرونه ، وحاول كما حاول من قبله ” كلود ألليقر ” وزير التعليم في

حكومة جوسبين الفرنسية تحريك حيوان الماموث الثقيل المنقرض ، في بلد عصي على الاصلاح كما هو شأن فرنسا.

والنتيجة اليوم ، ونحن أمام إضراب ” للمربين ” بمطلب غريب ليس لا مهني ولا مطلبي ، بل سياسي بامتياز وهو صرف وزير من الوزارة التي يتولاها ، النتيجة أن مدرسة الجمهورية هجرها من له قدرة على هجرها ، فذهب للمدرسة الحرة التي نجد من بين المدرسين العاملين فيها عدد مهم من المدرسين المضربين في المدرسة العمومية ، كما هجرها للمدرسة الفرنسية والمدرسة الأمريكية والمدرسة الألمانية وغيرها ، من باستطاعتهم أن يدفعوا الثمن الغالي هربا من مدرسة تونسية كانت في وقت من الأوقات مفخرة ، وتردت أحوالها بفعل فاعل اليوم وما زالت على طريق التردي ، تاركين للمدرسة التونسية العمومية من لا يقدر أولياؤهم على دفع ثمن الدراسة الغالية ، ولكن الجيدة المتطورة ، والتي لا تعرف الإضرابات ، ولا يكفي أن تعليمنا قد انحدر مستواه للحضيض على مدى 15 عاما ، حتى نضيف إلى انحداره تكبيله بمزيد التقليص في أيام التدريس.

واليوم نجد أن الهدف الرئيسي المقرر بداية والذي عشنا على وقعه طويلا في انسجام ، وهو تعليم موحد لكل الأبناء عبر كل البلاد ، بات في مهب الريح ، وأن هناك تعليما للقادرين على الدفع الجزيل ، في المدرسة الحرة أو الأجنبية ، و تعليما في المدرسة التونسية الكسيحة ، التي لا يريد لها البعض أن تتطور وتلحق على الأقل بما كانت عليه من إشعاع ورفعة وصيت في العالم ، في انتظار أن تلحق بالتطور الذي لحقت به مدارس ومناهج تعليمية عديدة بعضها حتى في العالم العربي ، تجاوزتنا وتركتنا على الرصيف .

هيهات ، هيهات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı