محمود جبريل: ليبيا جاهزة لـ”سلام المنهكين”

قال رئيس الوزراء الليبي السابق، محمود جبريل، إن فرصة الحل في ليبيا اليوم أفضل من أي وقت مضى، معتبراً أن البلاد باتت جاهزة لما وصفه بـ”سلام المنهكين”.

و رأى جبريل، في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط”، أن الأطراف المتصارعة “وصلت إلى مرحلة من الإنهاك، وكلها تبحث عن مخرج، ومن الممكن أن نصل إلى ما يمكن تسميته سلام المنهكين”. وأضاف أن “حَمَلة السلاح، وربما للمرة الأولى، يبحثون عن مخرج، ولكن من منظور (لا ضرر ولا ضرار)، أي ألا يتم تعريضهم للعقاب، مع المحافظة على مكاسبهم الاقتصادية، وكذلك عدم استبعادهم من المشهد”. وتحدث عن “دعم قوي” من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومن المجتمع الدولي لـ”خطة الحل” التي قدمها مبعوث المنظمة الدولية إلى ليبيا غسان سلامة، مشيراً إلى أن الخطة «تحاول أن تعكس توازن القوى على الأرض، وتنتهج مبدأ الشمول وليس الإقصاء».

و دعا إلى “توافق وطني حول مشروع وطني، لا يُقصي أحداً، وليس حول أشخاص”، مشدداً على أن “يتم الحوار بين الليبيين أنفسهم” شرط أن تلعب الأطراف الدولية “دور المراقب والضامن”. كما أكد ضرورة “أن يتم فصل الحكومة عن المجلس الرئاسي”، وأن يكون للوزارة الجديدة “المصغّرة” برنامج إنقاذ.

و قال إن الحكومة المصغّرة الجديدة ستتولى “التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية خلال مدة لا تتجاوز 18 شهراً”.

و فيما يأتي نص المقابلة مع جبريل:
– إلى أين تتجه الأمور في ليبيا الآن؟
– نحن أمام خريطة طريق جديدة. أعتقد أن فرصة الحل من خلالها أكبر من أي وقت مضى. وللأسباب التالية:
أولاً: الأطراف المتصارعة المختلفة وصلت إلى مرحلة من الإنهاك وكلها تبحث عن مخرج، ومن الممكن أن نصل إلى ما يمكن تسميته «سلام المنهكين».
ثانياً: حملة السلاح، وربما للمرة الأولى، يبحثون عن مخرج. ولكن من منظور «لا ضرر ولا ضرار»، أي ألا يتم تعريضهم للعقاب مع المحافظة على مكاسبهم الاقتصادية، وكذلك عدم استبعادهم من المشهد.
ثالثاً: هناك دعم قوي من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وأيضا من المجتمع الدولي للخريطة الجديدة.
رابعاً وأخيراً: الخريطة تحاول أن تعكس توازن القوى على الأرض، وتنتهج مبدأ الشمول وليس الإقصاء، كما حدث في السابق.
لكن الخريطة ستلقى مقاومة من المستفيدين المسيطرين على المشهد الحالي من خلال احتكارهم سلطة اتخاذ القرار. وأعتقد أنه ستكون هناك معارضة من قبل هذه الأطراف لفكرة المؤتمر الوطني الشامل الذي تنادي به خريطة الطريق والذي له صلاحية تسمية رئيس الحكومة والمناصب الأخرى. كانت تسمية من يتولى المناصب تتم تحديدا من خلال صفقات جهوية وقبلية ومحاصصة. وبالتالي فإن تمسّك المبعوث الأممي الجديد بالخريطة التي أقرتها الأمم المتحدة ولاقت ترحيبا داخل الأوساط الليبية، يُعتبر أمرا مهما للغاية.

– وما رؤيتكم أنتم للحل في ليبيا؟

– الحل يكمن في توافق وطني حول مشروع وطني، لا يُقصي أحداً، وليس حول أشخاص، وأن يمثّل المتحاورون حول المشروع القوى الفاعلة على الأرض. وأن يتم الحوار بين الليبيين أنفسهم، تحت إدارة مشتركة للحوار مُشكّلة من مجلس الدولة ومجلس النواب تحت مظلة الأمم المتحدة، الممثلة بمبعوثها الخاص، غسان سلامة. وهذا الحوار ليس بين مجلس النواب ومجلس الدولة. وظيفتهما تنحصر فقط في الإشراف على الحوار بين القوى المشاركة في المؤتمر الوطني.
بالإضافة إلى أن يكون المكوّن الاقتصادي حاضرا بقوة في مشروع التوافق، وهذا يعني النص صراحة على حصص وحقوق ملكية اقتصادية من عائدات النفط بنسب مختلفة للمناطق الليبية وللحكومة المركزية وللأفراد وللعائلات، على أن يتحوّل ذلك فيما بعد إلى نص دستوري. فالصراع الحقيقي هو صراع على الموارد.
ويجب على الأطراف الدولية أن تلعب دور المراقب والضامن لهذا الحوار الليبي، ولكن دون التدخل في مضمونه ومساره.
 وأن يتم فصل الحكومة عن المجلس الرئاسي، وأن يكون للحكومة برنامج إنقاذ وطني، ويمكن أن تتم تسميتها «حكومة أزمة» أو «حكومة وحدة وطنية» بصلاحيات كاملة، وأن يُنأى بها عن المحاصصة والمساومات القبلية والجهوية. وأن تكون حكومة مصغرة، على أن تنقل مسؤولية تقديم الخدمات إلى البلديات في نظام حوكمة لا مركزي، وبالتالي يمكن القول إن بناء الدولة يتم من الأطراف وليس من المركز.

– وما مهمات هذه الحكومة المصغرة؟

– تكون أهداف الحكومة المصغرة محصورة بثلاثة أهداف هي:
أولا وضع خطة عاجلة لتقديم خدمات السيولة النقدية والكهرباء والأمن والتعليم والصحة كملفات عاجلة.
ثانيا البدء في إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية وتفعيل القضاء.
وثالثا التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية خلال مدة لا تتجاوز 18 شهراً.
– وما الفرق في هذه الحالة بين الحكومة ومجلس الرئاسة؟
– ستكون مهمة الحكومة المصغرة الخروج من النفق. وتكون مهمة مجلس الرئاسة رمزية فقط ومحصورة في التصديق على الاتفاقات والمعاهدات، وتمثيل الدولة في المؤتمرات الخارجية وقرارات السلم والحرب. ويمكن أن تتم المحاصصة في تسمية أعضاء مجلس الرئاسة، لترمز إلى وحدة التراب الليبي، بينما رئاسة الحكومة ومناصبها لا تخضع إلا لمعيار الكفاءة والأهلية.

– هناك محادثات ليبية في تونس حاليا تهدف إلى تعديل الاتفاق السياسي الليبي (اتفاق الصخيرات). في أي اتجاه يمكن أن يكون التعديل وما جدواه وما ملاحظاتكم حول الخطة الأممية، المسماة خطة غسان سلامة؟

– التعديل على اتفاق الصخيرات يجب أن يهدف إلى معالجة الاختلالات التالية:
1 – إدماج القوى الفاعلة في الحوار التي كانت غائبة في اتفاق الصخيرات.
2 – فصل السلطة التنفيذية عن المجلس الرئاسي ذي الرؤوس المتعددة، ويجب إعطاء السلطة التنفيذية صلاحيات إدارة الأزمة من خلال برنامج عمل تتوافق عليه الأطراف المشاركة في المؤتمر الوطني المقترح وقبيل تسمية رئيس الحكومة.
3 – مراعاة الأهمية القصوى للتوافق على حقوق الملكية الاقتصادية في مشروع التوافق أو التعديل.
وفي حال، لا قدّر الله، فشلت لجنة الصياغة المشتركة في الوصول إلى تعديلات في الصيغة المقترحة يُلجأ إما إلى العودة إلى لجنة الحوار القديمة وإما إلى تشكيل لجنة فنية متخصصة من الخبراء لصياغة التعديلات.

– ما جدوى التعديل؟

– تكمن أهمية التعديل في التعامل مع جوانب القصور في اتفاق الصخيرات والتي أدت إلى رفض كثيرين من الليبيين لهذا الاتفاق ومخرجاته.

– تم اقتراح اسم سيف الإسلام القذافي للمشاركة في مستقبل البلاد، ما رأيكم بمثل هذا الطرح المثير للجدل؟

– لا أفضّل الحديث عن أشخاص، وإنما عن مشروع وطني يشمل الجميع. وأعتقد أن أي ليبي أو مواطن يقبل بالدولة المدنية الديمقراطية التي تساوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات ويقبل التداول السلمي للسلطة ولا يلجأ إلى العنف لتحقيق أهداف سياسية، يجب أن يكون جزءا من المشهد السياسي الذي نسعى جميعا إلى تشكيله.

– هل تعدد المبادرات الخاصة بليبيا يعكس تنافسا على المكاسب والمصالح أم ماذا؟

– بالنسبة للمبادرات فيجب أن تكون داعمة لمسار الأمم المتحدة ولا تعكس تضارب المصلحة. أما عن التدخل الدولي فلم يكن يوما من أجل سواد عيون الشعب الليبي، وإنما لمصالح ومآرب دولية. تنافس المصالح لا يصب في المصلحة الليبية أبداً، وقد أدى ذلك إلى تأخير الوصول إلى حل للأزمة. ليبيا بلد واسع المساحة وقليل السكان وكثير الثروات، وهي مطمع لكثيرين. وفي غياب توحد كلمة الليبيين، تزداد الأطماع وتزداد محاولات التدخل ضراوة وشراسة، ولكن كما يقول المثل: «لا أحد يستطيع أن يمتطي ظهرك إلا إذا انحنيت». وأقصد بذلك أننا نحن الليبيين سمحنا وسهلنا لهذه الأطراف الدولية أن تتدخل.

– هل تعتقد أن ليبيا تواجه خطر التقسيم؟

– تقسيم ليبيا يمكن أن يكون من صالح أطراف دولية كثيرة، بل إن هناك بعضا من تلك الأطراف سعت منذ الأيام الأولى للانتفاضة إلى الدعوة إلى تقسيم ليبيا. أما إمكانية حدوث التقسيم فلا أعتقد أنه مهما وصلت الخلافات والاختلافات بين الليبيين فلن تصل بهم إلى حد تقسيم الوطن الواحد.

– هل هناك أي خطوات يمكن اتخاذها للحد من مثل هذا الخطر؟

– هناك أمران سيحولان دون حدوثه (التقسيم): الأول: إقرار حقوق الملكية الاقتصادية لليبيين. والثانيإقرار حكم لا مركزي بصلاحيات واسعة.

– ما الدور الذي يمكن أن تقوم به الأمم المتحدة بشأن الجماعات المسلحة في ليبيا بما في ذلك إمكان جمع السلاح؟

– إشراك الجماعات المسلحة في الحوار كما تنص عليه خريطة الطريق الجديدة هو تطور إيجابي للغاية، والتحاور مع الجماعات المسلحة يجب أن يراعي مخاوفهم من العقاب أو تسليمهم إلى دولة أخرى أو محكمة دولية خارجية. وكذلك مخاوفهم من أن تُضار مراكزهم المالية والاقتصادية. وهم (أي الجماعات المسلحة) لا يريدون أن يكونوا «نسياً منسياً»، فهم يمثّلون السلطة الحالية على الأرض. فلا بد لأي حوار معهم أن يقدم البديل الذي يعالج هذه المخاوف، ويحافظ على المصالح و«ماء الوجه»، وأن يتم التعامل معهم كمساهمين في بناء الدولة بدل معرقلي بنائها.

– كيف يمكن دمج المشير خليفة حفتر في عمل الحكومة الجديدة وكيف يمكن إقناع خصومه في غرب ليبيا بما في ذلك مصراتة بالتعامل معه؟

– المخاوف والشكوك وانعدام الثقة بين الليبيين يمكن التغلّب عليها من خلال مشروع وطني جامع لا يُضار فيه أحد ولا يُقصى منه أحد. فالكل شريك في عملية الوصول إلى توافق بما يحقق السلام.
– هل يمكن للبرلمان أن ينعقد مجدداً في طرابلس؟
– بحسب مقترح مسودة الدستور التي قدمت إلى مجلس النواب، ولم يتم الاستفتاء عليها، فإن مكان المجلس هو بنغازي وليس طرابلس. ولكن، من حق المجلس، حسب الإعلان الدستوري، أن يعقد جلساته في أي مدينة ليبية ما دامت توفر عامل الأمن. وبالتالي، إذا توفر الأمن في طرابلس فلا يوجد ما يمنع من انعقاده بها.

– هل لديكم علاقات كتحالف وطني مع تيارات سياسية أو بعض الميليشيات. وما مدى تأثيركم عليها للقبول بالحل؟

– التيارات السياسية المختلفة في ليبيا وصلت إلى قناعة أنه لا بد من البحث عن المشترك والعمل من خلاله بدل توسيع دائرة المختلف عليه. وبالتالي، أكرر أن فكرة المشروع الوطني الجامع يمكن أن تحقق هذا المشترك، إلى أن يصدر الدستور ليكون هو الإطار المرجعي للحراك السياسي.

– الجماعات المتطرفة تتحرك بحرية في مناطق ليبية كثيرة، كيف يمكن مواجهة خطرها وما دور المجتمع الدولي في هذا الأمر؟

– إن ظهور «داعش» في أماكن مثل صبراتة وسبها والكفرة وغيرها يمكن مواجهته من خلال الليبيين أنفسهم كما دللت على ذلك بنغازي وسرت. الخلل الأكبر يكمن في تشرذم الليبيين وانقساماتهم، ما مكّن الأطراف الخارجية والقوى المتطرفة من التغلغل في ربوع الوطن. ويمكن للمجتمع الدولي المساعدة في مكافحة الإرهاب من خلال الرصد الدقيق وإيقاف تدفق المتطرفين إلى ليبيا، من العراق وسوريا وبعض الدول الأفريقية، ودعم القوات المسلحة الليبية استخباراتيا ولوجستيا وعسكريا في مواجهة الإرهاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *