محمد الإنسان.. 5 أسباب تدعوك لإعادة قراءة السيرة النبوية بنظرة جديدة

يحتاج الإنسان المسلم كي تصيبه نفحات الصوم، وهدايات شهر رمضان الكريم، أن يقترب من القرآن الكريم، فإذا أراد أن يقرأ تفسيرا عمليا له، فعليه بالسيرة النبوية، وهذا ما دفعني للتفكير في هذا الموضوع المهم، وهو (الجانب الإنساني عند محمد صلى الله عليه وسلم)، ولماذا في هذا التوقيت تحديدا، فديننا أحوج ما يكون لأن نبرز هذا الجانب المهم من حياة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن لماذا تحديدا السيرة النبوية؟ ولماذا إنسانيات محمد؟
لماذا السيرة النبوية؟

لأن السيرة النبوية امتازت بعدة ميزات لم تتوفر في سيرة نبي، ولا رسول، ولا عظيم من عظماء البشر، غير محمد صلى الله عليه وسلم، فامتازت بـما يلي:

1ـ المصداقية التاريخية:

فهي سيرة تمتاز بالتاريخية والصدق؛ لأن المسلمين أمة الإسناد، فكل ما ورد عن رسولها مُحِصَّ ودقِّق، وثبت نسبته بطرق الإثبات المعروفة عند أهل الحديث. فقد وصلت عناية المسلمين بسيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم درجة فائقة لم تبلغها أمة من قبل بنبيها، في حفظ ما ورد عنه من كل صغير وكبير، والخوف من التقوُّل عليه صلى الله عليه وسلم بما لم يقل، فهم يعلمون عظم هذا الفعل، وشدة جرمه، ووخيم عقابه في الآخرة، يقول صلى الله عليه وسلم: “من كذب علي متعمدا فليبتوأ مقعده من النار”.

ونتج ذلك عن حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي دفعهم للحرص على الحفاظ على حياة نبيهم صلى الله عليه وسلم، من حيث الدفاع عنه، والحفاظ على تعاليمه وسنته وهديه، بل التدقيق في كل ما يرد عنه صلى الله عليه وسلم، من حيث صحة السند، وإنشاء المسلمين لعلم لم يكن في الأمم السابقة، هو علم الجرح والتعديل، والاهتمام بمن ينقلون الدين للناس، وهل لهم مصداقية، أم أنهم مجروحون فيها؟ فيما يعرف بعلم الحديث، بكل أقسامه وتشعباته.

2ـ الواقعية:

وامتازت السيرة النبوية بأنها سيرة واقعية لا تحلق في أجواء الخيال، تبين أنها سيرة بشر، إلا أنه رسول مرسل من قبل الله عز وجل، ولا تعتمد على الخرافات التي وجدت في قصص النبيين السابقين في كتبهم المحرفة، أو المجازفات التي نراها في قصص الملوك والحكام، ويكفي الباحث المنصف في ذلك أن ينظر في الكتاب المقدس ليعلم ذلك جيدا، فيجد فيه قصة شمشون الجبار الذي بضفيرة شعره يحطم الجبال والمعابد، وغيره من قصص لا يقبلها عقل، ولا يستسيغها منطق.

3ـ الأسوة الشاملة:

وامتازت السيرة النبوية بأنها سيرة شاملة في مجال الأسوة، في كل الحالات، ولكل إنسان، على خلاف سير المرسلين السابقين، فهم في سيرتهم أسوة في العموم، ولكن لا يجد كل إنسان ما يريده من كل حياتهم، فمثلا لا يجد الأب الذي عنده أبناء أسوة في حياة يحيى عليه السلام، لأنه لم يتزوج ولم ينجب، ولا يجد العسكري المحارب أسوة في حياة عيسى عليه السلام؛ لأنه لم يحارب قط، بل يجد في تعاليمه ما يخالف ذلك، يجد: (باركوا لاعنيكم أحبوا أعداءكم، من لطمك على الخد الأيمن، أدر له الخد الأيسر)، ولا يجد الأب الشاب في حياة إبراهيم عليه السلام أسوة؛ لأنه أنجب في الكِبَر، ولا يجد الفقير المسكين أسوة في حياة نبي الله سليمان لأنه كان ملكا نبيا، وليس كل الناس ملوكا.

النبي الوحيد الذي يجد فيه كل الناس الأسوة بهذا الشمول هو محمد صلى الله عليه وسلم، فالفقير يجد في حياته صلى الله عليه وسلم أسوة، فقد كان يمر الهلال والهلال ولا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار. والغني الشاكر يجد في حياته أسوة، فقد كان له صلى الله عليه وسلم خمس الغنائم، ومع ذلك يأبى أن يبيت في بيته درهم.

والزوج الذي تزوج ببكر يجد في حياته أسوة، فقد تزوج عائشة رضي الله عنها بكرا، والذي يتزوج الثيب يجد في حياته أسوة في زواجه ببقية زوجاته، والذي تزوج بالأرملة، والمطلقة وغيرهن يجد في حياته أسوة في بقية أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. وهكذا لا يعدم كل إنسان في أي موقف في حياته ـ أيا كان الموقف ـ أن يجد كلاما للنبي صلى الله عليه وسلم، وسلوكا في حياته، إما بقول أو بفعل.

4ـ لا سرية فيها ولا ممنوعات:

وامتازت السيرة النبوية بأنها سيرة عامة لا سرية فيها، فكل ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر وروي؛ إن أي حاكم أو زعيم أو شخصية عامة مهما كان ديمقراطيا وشفافا، وعنده من سعة الصدر، ورحابة الأفق ما يجعله يقبل كل نقد يوجه له، أو يسمح ب التدخل في حياته الخاصة، ما يجعل لكل هذا أفقا محددا، ولا يقبل أن تكون حياته الخاصة كلأ مباحا، أو عرضة للحديث، والنقد، والعتاب، أو يقبل بأن تكون حياته عامة للناس، إلا في مناطق محددة، وأمور معينة، يأبى ويرفض التعرض لها، إلا سيرة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يوجد فيها سرية، ولا كتمان لأمر من حياته، فقد عرفنا عنها كل ما فيها، بكل تفاصيلها، حتى في أكثر المواقف حرجا، فقد رأينا في السيرة وقرأنا كيف يفرح النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يغضب، ومتى تدمع عيناه.

5ـ قابلة للتطبيق:

فهي ليست سيرة خارقة للدرجة التي يصعب تطبيق ما فيها من مبادئ وأخلاق، بل هي سهلة يسيرة التطبيق، يملك كل إنسان أن يتخلق بها، ولا يحتاج لتطبقيها سوى إرادة قوية، يسبقها فهم صحيح لها. وليس أدل على ذلك من وجود ذلك الجيل من الصحابة الذي سماه الأستاذ سيد قطب، الجيل القرآن الفريد.

لماذا إنسانيات محمد؟

لأن كثيرا ممن درسوا السيرة النبوية – إلا ما رحم ربي – ركزوا في جانب الغزوات، وهو الجانب العسكري فيها، ولم نجد دراسات كثيرة تعنى بالمجتمع المدني في مجتمع النبوة، ولا بالجانبالإنساني، من حيث موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الجمال، والفن، والذوق، والحب، والرحمة بالصغير والكبير، والرفق بالعصاة، وبغير المسلمين، وإنسانيته في الحرب، وإنسانيته في التعامل مع الأسرى بما يسبق كل المواثيق الدولية المعاصرة، إلى آخر الجوانب الإنسانية التي لا يتناولها المشايخ بالحديث، فإذا تم الحديث عن الغزوات يكون عن انتصاره أو هزيمته صلى الله عليه وسلم، حتى أفلامنا السينيمائية عند تناولها تركز على هذا الجانب فقط، جانب الفروسية في التاريخ الإسلامي، مغفلة الجانب الإنساني، والجانب الحضاري في تاريخنا الإسلامي، وهو ما حاوله بعض المفكرين المعاصرين، ولكن جهودهم تحتاج إلى تكملة، فقد كتب كتابا في ذلك المرحوم خالد محمد خالد بعنوان: (إنسانيات محمد)، وكتب نظمي لوقا الكاتب المسيحي المصري: (محمد في حياته الخاصة) و(محمد.. الرسول والرسالة)، ولذا أردنا إكمال هذه الجوانب المهمة من سيرة محمد صلى الله عليه، نتناوله قدر الاستطاعة في شهر رمضان، لنصيب بها نفحاته الكريمة، بالحديث عن أعطر سيرة، وخير رسول، في جانبه الإنساني، صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *