ما حقيقة اتساع رقعة الحرب بعد اغتيال رضي موسوي؟ .. بقلم توفيق المديني

ما حقيقة اتساع رقعة الحرب بعد اغتيال رضي موسوي؟
مجلة البلاد اللبنانية:تصدر أسبوعيًا عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان، العدد رقم 420، تاريخ الجمعة 29ديسمبر 2023

توفيق المديني
نفذ الكيان الصهيوني جريمة جديدة باغتيال القيادي في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي ، في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، يوم الإثنين 25ديسمبر/ كانون الأول 2023، وهو أحد كبار قادة الحرس الثوري في سوريا، كما أنَّه من أقدم المستشارين الإيرانيين هناك، حيث كان مقربًا من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي قتل في هجوم بطائرة أمريكية مسيرة في مطار بغداد، مع بداية شهر يناير/كانون الثاني عام 2020.وشكل هذا الاغتيال تصعيدًا كبيرًا من جانب “إسرائيل” وضربة موجعة لإيران، وتكاد تكون الأكبر بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني.
وقال الحرس الثوري الإيراني،في بيان أصدره يوم الإثنين الماضي: “إنَّنَا نحيط الشعب الإيراني الشريف والبطل، بأنَّ العميد السيد رضي موسوي،أحد المستشارين العسكريين القدامى لدى الحرس، ارتقى شهيدًا خلال القصف الصاروخي الذي نفذه الكيان الصهيوني قاتل الأطفال، قبل ساعات من اليوم، على دمشق”.
وأضاف البيان أنَّ “الشهيد كان من رفاق درب الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني، ومسؤول وحدة الإسناد لجبهة المقاومة في سوريا “.وتوعد الحرس الثوري في بيانه “إسرائيل”، وقال “إنَّ الكيان الصهيوني الغاصب والوحشي سيدفع ثمن هذه الجريمة قطعا، وسيتم إحاطة الشعب الإيراني الأبي بمزيد من المعلومات لاحقًا”.
اغتيال قيادات الحرس الثوري في ظل تحول إيران إلى فاعل إقليمي
تركز “إسرائيل” و أمريكا على اغتيال قيادات الحرس الثوري الإيراني المنخرطة بشكل مباشر في جبهات الصراع العربي -الصهيوني،لا سيما إنَّ “إسرائيل” في عقيدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي غدة سرطانية يجب استئصالها كما قال الإمام الخميني (رضوان الله عليه). وقال أيضاً عنها: “إنَّ إسرائيل جرثومة فساد غرست في قلوبنا ويجب التوحد لاستئصالها”.
وسَعَتْ إيران باستمرار إلى تكريس دَوْرٍ لها كفاعِلٍ إقليميٍ له تأثير في التفاعلات التي تجري في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في مجرى الصراع العربي- الصهيوني، واستمرار المقاومة ضد الكيان الصهيوني.فَتَبَنَتْ إيران سياسة تدخلية عابرة للحدود من خلال تصدير”نموذجها الثوري” إلى الخارج، حيث يُعَدُّ مبدأ”نصرة المستضعفين” العنوان الرئيس لتلك السياسة، إِذْ جاء ذكره في أكثر من مادة في الدستورالإيراني ،أهمها المادة (154)،التي قضت بأن تقوم إيران ب”دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى”.
ووفقًا لهذه السياسية حُظِيَ الدعم الإيراني لفصائل المقاومة الفلسطينية و لحزب الله باهتمام خاص،بحكم اشتباكهم اليومي مع العدو الصهيوني،ولعب الشهيد قاسم سليماني دورًا طليعيًا في ذلك.
لقد ارتقى الشهيد قاسم سليماني والشهيد رضي موسوي في سلم العمل الجهادي عندما دخلت إيران كفاعل إقليمي في المنطقة العربية،وهي منطقة مهتزة،بسبب غياب المشروع القومي التوحيدي،وتراجع العمل الرسمي والشعبي من أجل الوحدة العربية، وتفتت النضال الشعبي الذي كان قوياً في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ،وتراجع المواجهة مع العدو الصهيوني بتبني شعارات التسوية،وانتفاء شعارالتحريرللأرض السليبة فلسطين،الذي كان شعار الأغلبية الساحقة من القوى الوطنية،وتغلب الاتجاهات القطرية والطبقية الضيقة،وضراوة الهجوم الإمبريالي الأمريكي – الصهيوني الداخلي،وعجز القوى القومية والديمقراطية الكلي والنسبي عن المواجهة. .
كان هذا الوضع العربي كما تم تشخيصه يشكل عنصراً سلبياً ،أمام الفعل الإيراني الكبير، فشكلت إيران فيلق القدس ،الذي يُعَدُّ فرعًا من فروع قوات الأمن الإيرانية المسؤولة عن العمليات العسكرية في الخارج. ولسنواتٍ،كان الشهيد قاسم سليماني العقل المدبر في تقديم الدعم لحركات المقاومة،سواء في لبنان أو العراق أو سوريا أو فلسطين،عبر التخطيط لشن هجمات أو تعزيز حلفاء طهران في تلك البلاد.
كانت سورية تبحث عن أسلوب مختلف للمواجهة والحدِّ من تحقيق الأهداف السياسية للإجتياح الصهيوني عام 1982، وتغيير المعادلات القائمة في لبنان، فالتفتت سورية إلى طهران، الثورة الإسلامية في إيران، التي كانت تبحث بإلحاجٍ عن “دور عربي” يؤكد صدق إسلامها ويشرعن ثورتها، فوجدت في فلسطين ضالتها..ومع فلسطين،وللوصل إليها كان لا بد من لبنان وقبل ذلك لا بدَّ من سوريا التي كانت قد رَحَبَّتْ بثورتها أشدَّ ترحيبٍ لأنْ تُقِيمَ معها “حلفًا مقدَّسًا”.
كانت السياسة الخارجية التي انتهجها الرئيس الراحل حافظ الأسد، تقوم على إقامة تحالف استراتيجي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية -بعد نجاح الثورة الإسلامية في إسقاط أحد قلاع ركيزة الإمبريالية الغربية في المنطقة- ردًّاعلى نهج كامب ديفيد الذي بدأ يَعُمُّ العالم العربي بعد توقيع الرئيس المصري أنورالسادات اتفاقيات كامب ديفيد التي أخرجت أكبر دولة عربية من دائرة الصراع العربي-الصهيوني في عام 1979، ما خلق محورًا جديدًا يَمْتَدُّ من طهران عبر دمشق إلى جنوب لبنان يَرْفَع ُ راية المقاومة.
وفيما كانت معظم الدول العربية، إضافة إلى الغرب يقف مع العراق في حربه الضروس ضد إيران، صدّاً لتصدير الثورة الإسلامية إلى العالم العربي، اعتبر الرئيس الأسد تحالفه مع إيران تقتضيه عملية المجابهة مع المخطط الأمريكي للهيمنة، ومقتضيات الصراع العربي-الصهيوني. وقد خلق هذا الخيار لسوريا نزاعات مع العالم العربي.
وهكذا وجد التحالف الاستراتيجي السوري-الإيراني مرتكزًا سياسيًا جديدًا في لبنان، من خلال تقديم كافة أشكال الدعم للمقاومة اللبنانية الناشئة ضد الكيان الصهيوني.وكان العديد من رجال الصف الثاني في الثورة الإيرانية يعرفون لبنان جيدًاوجنوبه على وجه الخصوص،وكانوا تدربوا في مخيمات فصائل المقاومة الفلسطينية، وبعضهم قاتل معها،وقلَّة منهم ا ستشهدوا على أرض الجنوب.
وكان بعض هؤلاء،ومعهم مجموعات من الحرس الثوري الإيراني جاؤوا إلى لبنان، واستخدموا مخيمات التدريب التي تناوبت عليها المنظمات الفلسطينية(فتح ثم الآخرون) و حركة “أمل” لكي يبدأوا دورات تدريبية سريعة لمن يريد أن يجاهد في سبيل دحر الاحتلال الصهيوني في لبنان، وصولاً إلى تحرير فلسطين ذاتها، و بشعار متوهد:”زحفًا زحفًا حتى القدس”!
كيف يبرِّر الإسرائيليون عملية اغتيال رضي موسوي
تلخص تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يواف غالانت مخاوف الكيان الصهيوني من تداعيات جريمة اغتيال الشهيد رضي موسوي ، لجهة اتساع الحرب في المنطقة لتشمل لبنان وإيران وخروجها عن السيطرة.
فقد قال غالانت يوم الثلاثاء 26ديسمبر/كانون الأول 2023، إنَّ “إسرائيل” تقاتل على سبع جبهات، على حد تعبيره. وألمح إلى تنفيذ أعمال “انتقامية” في العراق واليمن وإيران، ردًّا على هجمات ضد إسرائيل، مع اتساع نطاق الحرب الدائرة في قطاع غزة إلى مناطق أخرى في المنطقة.
وقال غالانت في الكنيست الإسرائيلي “نحن في حرب متعددة الجبهات ونتعرض للهجوم من سبع مناطق: غزة ولبنان وسوريا و”يهودا والسامرة” (الضفة الغربية المحتلة) والعراق واليمن وإيران. وقمنا بالرد بالفعل واتخذنا إجراءات في ست من هذه المناطق”.
واعتبر المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، في مقال كتبه يوم الأربعاء 27ديسمبر/كانون الأول 2023، أنَّ عملية اغتيال قائد الإسناد بـالحرس الثوري الإيراني في سوريا، العميد رضي موسوي، في منطقة السيدة زينب، بريف دمشق، هي واحدة من التطورات الأكبر في الحرب حتى الآن.
وأشار إلى أنَّ مقتله فُهم في المنطقة على أنَّه “إشارة إسرائيلية، بأنَّ إيران لن تكون حصينة، طالما بقيت تبادر وتمول الإرهاب من خلال مبعوثيها. كما أنَّ هذا التطور يقربنا من احتمال المزيد من التصعيد مع حزب الله، وربما أيضاً مع الإيرانيين على الجبهة الشمالية”.
ويرى الكاتب أنَّه منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإنَّ إيران تدعم حركة حماس وجهات أخرى في المنطقة بشكل علني، ولكنَّها تحاول تفادي إدخال نفسها إلى خط النار مع إسرائيل والولايات المتحدة
وأضاف: “يمكن الافتراض بأنَّ الصبر الإسرائيلي بدأ ينفد”، وأنَّ الوضع مرجّح للتصعيد، على خلفية مواصلة الحوثيين في اليمن استهداف حركة السفن في البحر الأحمر، “إلى جانب هجوم إيراني مباشر ضد سفينة لها علاقة بإسرائيل في المحيط الهندي، وكذلك استمرار إطلاق الصواريخ المضادة للدروع والقذائف الصاروخية بشكل مكثف من قبل حزب الله في لبنان، هذا بالإضافة إلى تقارير حول هجمات إلكترونية في إيران تُنسب إلى إسرائيل وطاولت محطات الوقود في الدولة”.
وأشار إضافة إلى هذا كله، إلى “الهجوم الأمريكي على مواقع للمليشيات الموالية لإيران في العراق يوم الثلاثاء الماضي ، كردٍّ على إطلاق قذائف صاروخية على قواعد عسكرية أمريكية في العراق وسورياأسفرت عن إصابة ثلاثة جنود أمريكيين”.
ورأى المحلل العسكري الإسرائيلي، أنَّ إيران وحزب الله تجنّبا منذ عملية “طوفان الأقصى”، الانضمام إلى الحرب ضد إسرائيل بشكل كامل، لكنَّ مع هذا فإنَّ “الدعم الإيراني للحرب كبيرٌ، ويبدو أنَّ إسرائيل تعتقد بأنه تجاوز الخطوط الحمراء”.
ولفت إلى أنَّ إسرائيل حذرةٌ في العادة من المواجهات المباشرة مع الإيرانيين وحزب الله، “والآن، يبدو أن بعض القيود قد رُفعتْ (..) كما هدَّد مسؤولون إيرانيون، بينهم الرئيس ووزير الخارجية، إسرائيل، بردٍّ مباشرٍ على عملية الاغتيال، ومن المرجح أن يأتي ذلك بالفعل”.
إيران تتوعّد بـ”رد قوي وذكي” على اغتيال رضي موسوي
من الطبيعي أن يكون لإيران ردَّ فعلٍ قويٍّ وذكيٍّ على جريمة اغتيال العميد رضي موسوي،إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية أنَّ الردَّ الإيراني سيكون “في زمان ومكان وبطريقة لا تحقق الأهداف التي يبتغيها الكيان الصهيوني من تنفيذ هذه العملية الإرهابية”، واتهم أمريكا و”إسرائيل” بالسعي إلى توسيع الحرب خارج نطاق غزة.ودعا طلائي المجتمع الدولي إلى إدانة الاحتلال الإسرائيلي بسبب ما وصفه بأنَّه “جريمة إرهابية” ومعاقبته.
إلى ذلك، قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، تعقيباً على اغتيال العميد رضي موسوي، إنّ “التصرفات الجنونية للكيان الصهيوني ستجعل حلقة محاصرته من قبل محور المقاومة أكثر ضيقة”. وأضاف أنَّ الاحتلال الإسرائيلي “لا يألوا جهداً لارتكاب أي جريمة للخروج من المستنقع الذي صنعه بنفسه ولحرف الرأي العام العالمي”، عازياً الهدف من اغتيال موسوي إلى محاولات إسرائيلية لاتساع نطاق الحرب في المنطقة وجرِّ حلفائها إليها “للحؤول دون انهيار الكيان الحتمي”.
من جهته، قال المستشار الأعلى لقائد “فيلق القدس” الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، إيرج مسجدي، يوم الثلاثاء26ديسمبر/كانون الأول 2023، إنّه “لا حاجة لتدخل إيران في حرب غزة”، مضيفاً أنَّ المقاومة الفلسطينية وحدها قادرة على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحرب.وأكد مسجدي أنَّ عملية “طوفان الاقصى” ألحقت بدولة الاحتلال الإسرائيلي “هزيمة استراتيجية لا يمكن ترميمها”، مشيراً إلى أنَّ لهذه الهزيمة “تداعيات استراتيجية أيضاً”.
يتفق الخبراء و المحللون في إقليم الشرق الأوسط، أنَّ الردَّ الإيراني على جريمة اغتيال رضي موسوي، في ظل الظروف الحرجة التي تعيشها إيران، ليس بالدخول بشكلٍ مباشرٍ في حربٍ إقليميةٍ مع الكيان الصهيوني وأمريكا، وإنَّما من خلال تصعيد العمليات العسكرية التي تضطلع فصائل محور المقاومة بتنفيذها في كل من سوريا و جبهة الصراع في البحر الأحمر، والقصف ضد المواقع الإسرائيلية من خلال توسيع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في الجبهة الشمالية ،أو تصعيد وتيرة الدعم العسكري لحماس، من أجل استنزاف “إسرائيل” أكثر،عبررفع مستوى الخطر، وقد تكون الهجمات السيبرانية أو الاستخبارية، عبر استهداف رعايا إسرائيليين في بعض الدول، أحد الردود الإيرانية المرشحة في المرحلة المقبلة.
خاتمة:
تعكس جريمة اغتيال القائد العسكري الإيراني رضي موسوي محاولة إسرائيلية للبحث عن إنجازٍفي حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة منذ شهرين ونصف ،لا سيما بعد “خروج ممر باب المندب عن السيطرة” الأمريكية و”فشل” التحالف العسكري الأمريكي في البحر الأحمر، بعد امتناع الكثير من الدول الأوروبية عن المشاركة فيه.فما يحدث في جبهة الصراع في البحر الأحمر هو بداية لحرب صغيرة ذات آثار عالمية. إنها حرب تتحدى قدرة أمريكا على القتال في البحرالأحمر ضد قوة الحوثيين هدفها النهائي، بقيادة إيران، هو إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.
والولايات المتحدة ليست مستعدة لذلك. فالطائرات المسيرة الحوثية التي تكلف الواحدة منها حوالي 2000 دولار يتم إسقاطها بواسطة الصواريخ الأمريكية التي يمكن أن تصل تكلفة كل منها إلى 2مليون دولار. عاجلا وليس آجلا، سيتعين على المدمرات العودة إلى رصيف الأسلحة الأمريكي لإعادة تحميل 90 أنبوبا صاروخيا أو أكثر. وهذا لا يكلف المال فحسب، بل يترك مجموعات حاملات الطائرات مكشوفة عندما تتركها السفن الحربية الداعمة.
فضلاً عن الفشل الأمريكي هذا هناك الإسرائيلي في تحقيق أي من الأهداف العسكرية في غزة.ف”إسرائيل ” تسعى إلى تحميل إيران مسؤولية هذا الفشل من خلال استهداف أهداف إيرانية، وتوظيف ذلك عسكرياً وسياسياً في الداخل الإسرائيلي. وبالمقابل تعمل إيران على خلق حركة الكماشة ضد “إسرائيل”، مع حزب الله في الشمال، والحوثيين في الجنوب، والحرس الثوري في سوريا، الذي قُتل أحد كبار مستشاريه في غارة جوية إسرائيلية في منطقة السيدة زينب بريف دمشق يوم الاثنين الماضي.
لقد خلقت حرب غزة رغم عدم تكافئي طرفيها ،توازنًا للرعب بين الكيان الصهيوني وحماس ،. فلا العدوالصهيوني استطاع تصفية حماس عسكريًا إلا من خلال مفهوم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة،كما طبقه الجيش الأميركي في مدينة الفلوجة العراقية،ولا بالمقابل استطاعت التي تقاتل في موقع محدد جغرافياً أن تلحق هزيمة بالجيش الصهيوني بوصفه جيشًا نظامياً. ولهذا كان التركيزعلى إيقاع أكبر الخسائر في صفوف الجيش الصهيوني، وذلك لدفعه إلى الانسحاب أوإيقاف الحرب.
ويعلم الكيان الصهيوني جيدًّا أنَّه لا يمكنه القضاء على حماس بالمعنى العملي. فحرب تصفية حماس ، تحولت إلى حرب عدوانية كبرى زرعت الدمار والقتل والعذاب للمدنيين الفلسطينيين وهدَّدتْ بجرِّ المنطقة إلى حالة من الاشتعال والتصعيد، وخرجتْ عن أبعادها الملائمة، وتجاوزتْ الذريعة التي برَّرتْها.
لم تكن حرب غزة سوى النذير بين يدي هزائم صهيونية. . ترى ويمسك بعضها بخناق بعض، فهذه هي المرّة الأولى التي يظهر فيها تكافؤ في القوى العسكرية بشكلٍ مَا، وتبرز فيها ضراوة السلاح الصاروخي وصعوبة درء مخاطره. والتقنية في كل أصقاع الدنيا تطور اليوم وتتحرك بوتائر أسرع بكثير جدًّا من الموارد السياسية والوسائل الدبلوماسية أوالإرادة لإحكام السيطرة على عواقبها الحتمية التي لا مجال لتفاديها. وتعتقد قيادة الاستخبارات العسكرية الصهيونية أنَّ ما بحوزة حماس حالياً من قوة نارية أكبر بكثير مما كان لديها في السنوات الماضية، قبل العدوان على غزة .فلدى “إسرائيل” نحو3700 دبابة، وهي جميعها الآن عرضة للتدمير إلى حد كبير. وذراعها الجوي الفائق التطور والحداثة، ومعظمه زودتها به الولايات المتحدة، لا يقتل سوى المدنيين في غزة ، غير أنَّه لا يستطيع إحراز نصرٍ عسكريٍّ على المقاومة الفلسطينية.
فمن غير المنطقي تصفية تنظيم عنيف يعمل في صفوف السكان المدنيين. وليس من الممكن القضاء على حماس من خلال التطهير العِرقي الذي يعتبر جريمة حرب.وعليه، فإنَّ هذا الهدف لم يتحقق بالضرورة، وظلت حماس و المقاومة صامدتين. كما أنَّ الدعوة إلى إضعاف حماس بدرجة كبيرة لم يكن مجدياً، لا بل إنَّ الطريق الذي سارت عليه “إسرائيل ” حتى الآن أدَّى إلى زيادة شرعية حماس و المقاومة وشعبيتها في الدول العربية، بل على صعيد عالمي.
من الواضح أنَّ هدف الكيان الصهيوني هوالقضاء على حماس ، واستعادة قدرته على الترهيب، وتغيير المعطيات الإقليمية وديناميكيتها. وكان الكيان الصهيوني يربط بين الموافقة على وقف إطلاق النار وبين التأكد من تغير الوضع العسكري الميداني لجهة تحقيق نصرٍعسكريٍّ مهما كان ضئيلاً. إذ لا يزال العدوالصهيوني يريد من خلال حرب الإبادة في غزة أن يبلور وضعًا عسكريًا ميدانيًا على الأرض يقنع به أولاً، المستوطنون الصهاينة الذين اضطروا للهروب من المستوطنات و البقاء لأسابيع في الملاجىء خوفاً من سقوط صواريخ المقاومة . وثانيا، أنْ يخدم هذا الوضع العسكري المشار إليه الأهداف الأمريكية– الصهيونية، التي سبق وأنْ حدَّدَتْ منذ بداية الحرب:تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء،و تصفية حماس و المقاومة الفلسطينية.
هذه الأهداف التي كانت محدَّدةً في بداية الحرب هي أكثر من الخيال الشعبي. وحين يتفحص المرء بصورة جذرية ما بين التوقعات الأولية للحرب وبين سير الأعمال الحربية التي أثبتت قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود في ظل اختلال جذري في موازين القوى العسكرية، وإلحاق خسائر حقيقية بالجيش الصهيوني الذي يعتبر رابع جيش في العالم في مواجهته لميلشيا أكثر منها لجيش نظامي، يلمس بوضوح أنَّ العدوالصهيوني لم يحرز الانجازات العسكرية المطلوبة منه على الأرض، لتقوية المواقف التفاوضية الصهيونية في المفاوضات المقبلة حول بلورة وقف إطلاق النار.
إنَّ عدم تحقيق هذه الإنجازات الصهيونية اللازمة، يشكل في حد ذاته نصراً للمقاومة الفلسطينية المنغرسة بقوة في النسيج المجتمعي الفلسطيني إذْ تَوَحَدَّتْ من حولها كل الفصائل الفلسطينية باستثناء أجهزة محمود عباس الأمنية ، وفي الوجدان العربي والإسلامي، وهزيمة مذله للآلة الحربية الصهيونية، التي لم تنجح كلياً في تصفية حماس.
إنَّ حرب غزة مثلت فصلاً مهماً من فصول نهاية “إسرائيل الكبرى ” وتحطيم جيشها وقوتها الوهمية، فهذه الحرب كَبَدَّتْ دولة الاحتلال خسائر كبيرة لم تَخسرها على مدار تاريخها الحربي،وما تُعلنه من انجازاتٍ في حربها على غزة هووهمٌ كبيرٌ ودعايةٌ كاذبةٌ بهدف عدم تحطيم الروح المعنوية للمستوطنين وللجنود الصهاينة. . . فأسطورة الجيش الذي لا يقهر انتهتْ،ومُرِغَ أنف هذا الجيش الذي يَخرج من كل معركة محطماً ويَجُرُّ أذيال عار الهزيمة والخيبة بالتراب. ونذكر من حقائق هذه الحرب أنَّه على مدار شهر ين ونيف تَكبدتْ “إسرائيل” خسائر كبيرة بالقتلى ،إِذْ تتجاوز حصيلة خسائر جيش الاحتلال الصهيوني منذ السابع من تشرين/ أكتوبر الماضي إلى 501 ضابط وجندي، من بينهم 167 سقطوا منذ بدء العملية البرية داخل قطاع غزة وفي تبادل إطلاق النار على الحدود الشمالية.ومنذ بداية الحرب، أصيب 2110 جنود، من بينهم 329 بجروح خطيرة، و576 بجروح متوسطة، فيما تتحدث وسائل إعلام عبرية أن عدد المصابين يقدر بنحو 5 آلاف، إضافة إلى خسائر اقتصادية تقدر بنحو 55مليلر دولارأمريكي.
في غضون شهرين حُطِّمت أسطورة الكيان الصهيوني الذي لا يقهر على يد تنظيمٍ أشدّ بأساً من تنظيم القاعدة: كتائب عز الدين القسام التي تمثل الإسلام الجهادي والذي ليس حزب الله وحركتي خماس و الجهاد الإسلامي سوى رأس حربته، والذي يتمثّل لبُّه بدولة ، هي إيران،الداعم الحقيقي لمحور المقاومة ، القوية بنفطها والموشكة على امتلاك السلاح النووي.
لقد تغيّر كلّ شيء في المعطى الشرق أوسطي. ولن تلبث حيرة الكيان الصهيوني أن تظهر للعيان، لأنّ ما كشف عنه الدمار في غزة هوفي الحقيقة هشاشته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı