ماذا بعد القمة التركية الروسية؟

تتجه الأنظار دوليا منذ مساء 15 جويلية الماضي إلى تركيا ذات الـ80 مليون مواطن والتي تستضيف ملايين اللاجئين السوريين والعراقيين والى سيناريوهات إعادة التقارب بينها وبين الدول القريبة منها ثقافيا وسياسيا وعلى رأسها إيران وروسيا.

وبعد التظاهرات الضخمة التي نظمت في اسطنبول وعدة مدة تركية لإعلان الانتصار النهائي على الانقلابيين، يزور الرئيس التركي اليوم مدينة بيتسبروغ الروسية حيث من المقرر أن يعقد أول قمة مع نظيره الروسي بوتين «تتويجا لمسار مصالحة بدأ قبل الانقلاب الفاشل» وتعطل خاصة بسبب الملف السوري.

ولا يخفى أن من بين أبزر أسباب تعثر مسار الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا منذ 2011 تزعم موسكو وطهران لمحور سياسي عسكري أمني متحالف مع دمشق ضد خصومها الإقليميين والدوليين بزعامة تركيا ودول الخليج العربي وقيادات الحلف الأطلسي..

هذا المحور يصف نفسه بـ»محور الممانعة»، وجمع الدول المعارضة» لتمديد منطقة النفوذ الأمريكي في منطقة البحر الأبيض المتوسط».

ومثلما نجح هذا المحور بزعامة طهران وموسكو في تغيير ميزان القوى عسكريا وأمنيا وسياسيا في سوريا لصالح حكم الرئيس بشار الأسد وحلفائه، فإن قيادات كل الدول الغربية والعربية التي تورطت في دعم المعارضة المسلحة في سوريا والعراق وليبيا ومؤخرا في اليمن، تجد نفسها في مرحلة «لا تحسد عليها» من حيث الإحراج والتخوف على مستقبل المنطقة وشعوبها ودولها.

وبصرف النظر عن التصريحات الرسمية الروسية والإيرانية والتركية والعالمية بخصوص الحرب المدمرة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، فإن قمة رجب طيب اردوغان وبوتين في بتسبروغ مهمة جدا. وقد تساهم في تعجيل دفع الأوضاع نحو  «تسوية سياسية وسطية» للحرب السورية وللملفات السياسية والأمنية والاقتصادية الخطيرة التيتعقدت محليا وإقليميا.

وفي  انتظار معرفة ما سوف تسفر عنه محادثات أردوغان وبوتين حول «تعديل سياسات البلدين الخارجية» وتفعيل دور المفاوضات السياسية والأمنية والاقتصادية، فان نتائج هذه القمة سوف تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين الكبيرين لتشمل بقية حروب المنطقة وبينها حربي سوريا وليبيا التي خسرت موسكو مواقعها المميزة فيها منذ سقوط حكم القذافي في 2011.

 إن التصريحات التي سوف تنشر بعد القمة التركية الروسية ستبرز خاصة «الجوانب الثنائية فيها» وتقاطعات المصالح بين البلدين المتجاورين، لكن دلالاتها ومضاعفاتها قد تتعقد خلال الأيام القلية القادمة، لأن الإحساس بكون «مأساة الشعب السوري  تجاوزت مداها..بعد فرار أكثر من نصف الشعب السوري من مواطنهم بحثا عن السلام والأمن. وينطبق نفس السيناريو تقريبا على ملايين المدنيين العراقيين والليبيين واليمنيين والصوماليين….

ولعل من أبرز ما يعطي هذا الحدث أهمية خاصة أنه يأتي قبل زيارتين كبريين ستنظمان نحو تركيا: الأولى لوفد عسكري أمني يرأسه جنرال أمريكي كبير. أما الثانية وفد يرأسه وزير خارجية أمريكا جون كيري، الشخصية الرسمية الثانية في أمريكا.

لقد تضررت منطقة الوطن العربي الكبير كثيرا من حروب الاستنزاف و»الثأر» والصراعات  تتسبب منذ6 أعوام  في سقوط ملايين القتلى والجرحى والمشردين واللاجئين وتدمير بلدان عملاقة ذات تاريخ مجيد مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن مع تعقد التهديدات لبقية الدول.

لقد سئمت شعوب الوطن العربي الانعزالية والاستبداد والرشوة وكل مظاهر الفساد.. مثلما سئمت الاقتتال والصراع الدامي..

فعسى أن تفرز المصالحة التركية الروسية منعرجا في اتجاه وقف النزاعات المسلحة الإقليمية والدولية وعلى رأسها الحروب في سوريا والعراق واليمن..

وعسى أن تعطى الأولوية لمضاعفة المبادلات التجاربة والاقتصادية والسياحية بين سوريا الجديدة وتركيا ولتقاطع المصالح بين الدول والشعوب..مع إسقاط «المخططات الجهنمية» التي تسعى إلى جر كامل الوطن العربي الكبير والعالم الإسلامي نحو مزيد من الفتن والعنف والجريمة المنظمة.

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *