ليل ليبيا الطويل…بقلم يوسف العزابي

منذ شهور تلاث كتبت مقالا بعنوان “ماذا يجرى فى الهلال النفطى” بمناسبة الاحداث التى جرت هناك حينها ولم يتبرع احد بالتفسير المنطقى لها. اليوم هناك وضع مشابه حاملا لتطورات اخطر، انعكاساتها تبدو عجيبة على الجهات المرتبطة بها اداريا وسياسيا وعسكريا وشرعيا.

آخر التطورات و ما تحمله من عواقب و دلالات و خيمة على مستقبل ليبيا الواحدة، هذا القرار الصادر عن ماتبقى من برلمان ليبيا العتيد بالغاء اعترافه بالبيان السياسي الذى صدر منذ أكثر من سنة فى الصخيرات المغربية. يقول بيان البرلمان إنه ألغى قراره الصادر فى 25-1-2016 بخصوص اعتماد البيان السياسى الصادر فى مدينة الصخيرات المغربيه بخصوص الوضع فى ليبيا. و تقول الآراء التي تبعت هذا البيان بالتعليق إن البرلمان بعدد محدود من الاعضاء أقل من النصاب المطلوب لم يلغ اعترافه بالمجلس الرئاسى و الحكومة التي لم تقدم أوراق اعتمادها له بعد، فقط، و انما الغى أهم سند له للبقاء كبرلمان بعد ان انتهت مدته الفعلية و مدد له بفعل قراره الصادر المشار اليه اعلاه   و الذي يلغيه بجرة قلم.

ماذا يعنى هذا القرار و ماهي تبعاته على الوضع المتأزم اصلا فى البلاد. يعنى انقطاع الاتصالات و توقف المحاولات بين البرلمان ومن يتبعه والمجلس الرئاسى، والجهات التى تقول انها تسعى للوساطة بين الليبيين لحل مشكلتهم بالطرق السلميه، يعنى أن تذهب مجهودات تونس والجزائر ومصر وما ادراك مامصر  ادراج الرياح فقط لان السيد عقيله ومن معه من النواب غضبوا للتطورات الاخيرة العسكرية فى الهلال الخصيب ” النفطى”. اما لماذا غضبوا الآن و لم يغضبوا عندما قامت قوات السيد حفتر سابقا بعمل مماثل ضد قوات كانت محسوبة على الشرق، كان السيد الجضران زعيما ورئيسا لمكتب سياسى وحكومه و هو يلقى التأييد و القبول كلما تحرك نفر من الغرب تجاه تلك المناطق بالرغم من ان ماقام به من اقفال للموانى و ايقاف تصديرالنفط قد ادى بالبلاد الى الافلاس والى المعاناة التى يعانى منها الليبيون الان. وقد حدث ان انطلق شباب وشياب الى الوادى الاحمر للدفاع عن الجضران وقواته و مكتبه السياسى، عندما اعلنت عملية الشروق التى لم تعمر طويلا. وكانت وفود شيوخ القبائل لاتنقطع عن مقره تمنحه التأييد و المسانده ضد الغزاة من الغرب.

ايضا النواب التسعة و الثلاثون الذين فعلوا ما فعلوا لم يكن المنطلق حرصا على ليبيا الواحده و لا على اختصاصات برلمانهم و لا على ما يجري في  الغرب من هم لايلتم، و انما انطلاقا من نفس المبدأ الذى عبر عنه بدون مواربة بيان ما وصف بالتكثل الفدرالى الذى طالب بحق تقرير المصير لاقليم برقه، و بنفس المنطق ايضا الذى كان وراء حشد قبائل العبيدات و مطالبهم البرلمان بالغاء البيان السياسى و المجلس الرئاسى و دعم الجيش و رئيسه السيد حفتر. بطبيعة الحال حفتر أفضل من الجضران و لا أدري لو حل سيف غدا هناك و طالب بعرش أبيه ماذا سيكون مصير السيد حفتر. يجب أن يفهم الليبيون أن عقلية ليبيا الواحدة الموحدة لا وجود لها عند هؤلاء القوم،  فالقبيله هى الاساس والتعامل مع الدولة، ليس الان فقط وانما من ايام “سيدى ادريس”، كان من اجل المنفعة الخاصه، أموال و وظائف و مشاريع و هكذا. لذلك يجب الا ينغر احد بالشعارات التى غاب زمانها و ولى.

أما لماذا حدث ماحدث فى الهلال الخصيب، فلاشك أنه مدبر بدليل سرعة انتهاء الاستيلاء على المواقع و بدون خسائر تذكر فى البنى التحتيه، و الصمت الذى صاحب ما حدث لعدة أيام من الأطراف الخارجية بالذات و حتى من مبعوث الأمم المتحده. أما المجلس المتهم بالتدبير فقد أسرع بإصدار بيان بالإدانه و كأنه يخشى سوء العاقبه.

جهات أخرى كانت أكثر شجاعة بالتأييد بل و بالإسراع فى إرسال الدعم إلى القوات المغيره. و لعل ما يفسر أن الأمور سبقها التدبير و التخطيط  هدوء الأحوال و استقرارها مع بعض التصعيد الإعلامى و القبلى كتحرك سياسى قد لا يسمن و لا يغني من جوع، و أيضا الاسراع فى تسليم المنشآت النفطية إلى حرسها التابع قانونا للمؤسسة الوطنية للنفط.

الآن هناك هدوء حذر فى المنطقة يغطيه إن شئنا القول تصريحات و تعليقات و كلام كثير من اطراف عدة، هي انشغلت بما يجرى فى موانىء النفط عن ما يجرى فى العاصمة و في بنغازى و في المصارف. يا ترى لو لم تستخرج هذه الخامات من الأرض ماذا كان سيكون عليه حال ليبيا ؟ ليس أفضل بالطبع ماديا و لكن لن تكون هناك عداوات و احتمالات لحروب أهلية، كما هو محتمل الآن.

الكثير من محللي الاخبار يدخلون العامل الخارجي أي الدول ذات العلاقة كايطاليا و بريطانيا و امريكا و روسيا و مصر و تونس و الجزائر و حتى قطر و الإمارات كطباخين مهرة لهذه الطبخة الليبية. و على كل حال هذه هي طبيعة العلاقات الدوليه، مصالح تبحث عنها في أماكن تواجدها و سهولة الحصول عليها، و ليبيا أرض خصبة لهذه الأطماع و الليبيون أصبحوا لعبة فى الأيادي، و مادامت مصالح الدول لا يمكن أن تلتقي و مادام الليبيون بيادق تحت تصرف هذه الدولة أو تلك… فليل ليبيا طويل و لاقبس من نور أو فجر يلوح فى الأفق و النار التي التهمت مصرف الأمان خير دليل على هذا الليل الطويل.

يوسف العزابي : كاتب ليبي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *