ليبيا: هل قضى هجوم الهلال النفطي على ما تبقى من فرص الحوار؟

منذ انطلاق عملية الحوار الوطني الليبي، والشكوك تحيط بنتائجها، كون أطراف الحوار لم يتم اختيارها وفق آليات وضوابط واضحة، تجعل لمخرجاتها فرص إيجابية وواقعية للتطبيق على الأرض، في ظل تنافس وتشابك محموم، بين الأجسام السياسية والمجموعات المسلحة، بشتى مشاربها وتوجهاتها وقبل أيام قليلة مضت، هاجمت سرايا الدفاع عن بنغازي، التي يصنفها الجيش والبرلمان بأنها “جماعة إرهابية”، هاجمت منطقة الهلال النفطي التي تقع تحت سلطة “القوات المسلحة”، “القوات الموالية للحكومة المؤقتة”، بقيادة المشير خليفة حفتر، الهجوم ليس الأول وربما ليس الأخير، لكنه يحمل أهمية كبرى هذه المرة، كون المهاجمين تمكنوا من الاستيلاء على نصف الهلال النفطي، وتحديدا منطقتي السدرة وراس لانوف، اللذان يصدر من خلالهما نحو ثلث إنتاج ليبيا النفطي. 

هذا التقدم المثير واللافت، الذي أحرزته السرايا لصالحها، جعل الحوار الوطني الليبي برمته مهدداً، بل يرى بعض المسؤولين والمراقبين، بأن طريق الحوار انتهى، نظراً لكشف الكثير من عيوبه، والداعمين له من قبل الأطراف السياسية، الذين اتهموا بدعم الهجوم على المقدرات النفطية. 

النائب في البرلمان الليبي محمد عبد الله، أكد بأن الحوار الوطني انتهى، كون أطرافه لم تلتزم بأي من ثوابته، وهي رفض التصعيد العسكري وتسليم المليشيات مؤسسات الدولة، للقوات النظامية متمثلة في الجيش والشرطة  وقال عبد الله في تصريح لـ”المختار العربي” أمس الخميس، للتعقيب على الهجوم الذي يستهدف الهلال النفطي، “بكل أسف لم يكن للمجلس الرئاسي ومجلس الدولة، على اعتبارهما أحد الأطراف الثلاثة في الاتفاق السياسي إضافة للبرلمان، لم يكن لهما موقف وطني منحاز لشرعية الجيش الذي يقاتل الإرهاب في ظروف صعبة، بل نجدهما يدعمان السرايا الإرهابية في تدمير الموانئ والحقول النفطية، وهنا تكمن الكارثة في أطراف تدعي حرصها على إنجاح الحوار”.

مضيفاً ” منذ مهاجمة السرايا الهلال النفطي، وعدم منعهما من قبل قوات البنيان المرصوص التي تتبع الرئاسي ، حيث تتمركز في مدينة سرت المحاذية للمنطقة، اعتبرنا أن اللعبة باتت مكشوفة، وأن السراج يريد السيطرة على مقدرات النفط ، ليضعف موقف الجيش التفاوضي، ويجعل الواجهة السياسية متمثلة في البرلمان، ترضخ لمطالبه غير المنطقية”.

وبخصوص موقف النواب بالانسحاب من البرلمان، أجاب “لقد صوت النواب في جلسة رسمية، إلغاء القرار الذي تم بموجبه اعتمادنا للاتفاق السياسي في نهاية يناير الماضي، وهو يعني إلغاء الاتفاق ضمنياً، مع التشديد على تعليق المشاركة في أي جلسات للحوار، لحين تبين مواقف شركائنا في الاتفاق، الذين خرجوا عن روح التوافق، وانتهجوا الحل العسكري المرفوض”. وكان البرلمان الليبي المنعقد في طبرق أقصى شرق البلاد، قد صوت بالإجماع على قرار إلغاء اعتماده للاتفاق السياسي، على خليفة هجوم الهلال النفطي. ويأتي هذا القرار أيضاً ، بالتزامن مع موقف 73 نائباً برلمانياً قبل ثلاثة أيام، بإعلان مقاطعتهم الحوار السياسي لذات السبب. 

أما النائب البرلماني إسماعيل بشير، فقد وصف في حديث خاص مع “المختار العربي”، القرار الذي اتخذه البرلمان لمقاطعة الحوار أو إلغاء الاتفاق، بأنه قرار “غير حكيم”، لأنه اتخذ في ظروف سخط وغضب النواب، من مهاجمة الهلال النفطي. وأردف،” بداية جميعنا ندين الهجوم الإرهابي من قبل سرايا الدفاع عن بنغازي، الذي استهدف الهلال النفطي وقوات الجيش المتمركزة فيه، لكننا نرفض في ذات الوقت أي قرار ارتجالي أو انفعالي، اتخذ من قبل 39 نائباً في جلسة غير قانونية حضرها 56 نائباً، لأنها غير مكتملة النصاب، في ظل غياب أكثر من 140 نائباً عن الجلسة”.

ونبه النائب البرلماني، إلى سلبية القرار وإرساله رسائل خاطئة داخلياً وخارجياً، وقال بهذا الشأن” بهذا القرار تزعزعت ثقة الليبيين بالبرلمان، كما أضعف قرار رفض الاتفاق وتلعيق المشاركة في الحوار، موقف البرلمان أمام المجتمع الدولي” كما أشار بشير، إلى أن المستفيد الكبر من قرار مقاطعة الحوار، هو الجماعات المسلحة والإرهابيين، لأنهم يريدون فشل أي مساعي لحل الأزمة الليبية، تجعلهم في مرمى نيران دولة القانون والمؤسسات، لأن استمرارهم من صميم الفرقة والتشرذم، والانقسام السياسي الحالي.

وشنت سرايا الدفاع عن بنغازي، هجوماً الجمعة الماضية استهدف الهلال النفطي، سيطروا على أجزاء من بلداته، خاصة مطار وميناء راس لانوف وتمكن “الجيش الليبي” من صد الهجوم المفاجئ، وقام باستعادة ما خسره لصالح المسلحين، في انتظار استكمال عملية طردهم من راس لانوف والسدرة، في عملية عسكرية واسعة تقودها قوات برية وبدعم جوي. 

من جانبها، وصفت اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بليبيا، إلغاء اعتماد الاتفاق السياسي الليبي الموقع بين الفرقاء واطراف الازمة السياسية، بمثابة نسف لجهود الحوار والوفاق على مدار عامين متواصلين، له تداعياته الخطيرة علي الوحدة الوطنية والاجتماعية، وعلي جهود احلال السلام والاستقرار في ليبيا. وأكدت اللجنة في بيان صحفي، علي أن ” ليبيا ستنجر إلى المزيد من التشظي والانقسام والفوضى و انعدام الأمن والاستقرار، وتهديد الامن والسلم الاجتماعي، وبالتالي المزيد من تهديد الإرهاب والتدهور الاقتصادي والمعيشي وتفاقم الأزمة الإنسانية وتفاقم انتهاكات حقوق الانسان بليبيا وتوسع سيطرة التنظيمات الارهابية علي عدة مدن ليبية أخري في ضل استثمار حالة الانقسام والتناحر فيما بين الاطراف السياسية”. مشددة، على أن الحل الوحيد لاستعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السلام والحفاظ على وحدة البلاد ومكافحة الإرهاب والتطرف، من خلال الحوار السياسي والاجتماعي الشامل.

من جهته، طالب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، قوات “الجيش الوطني” و”سرايا الدفاع عن بنغازي” و”تنظيم القاعدة”، بمغادرة منطقة الهلال النفطي فوراً، بعد إصدار أوامر لجهاز حرس المنشآت النفطية بتأمين المنطقة. وأكد المجلس الرئاسي في بيان صحفي، إصدار تعليماته لآمر جهاز حرس المنشآت النفطية العميد إدريس بوخمادة بممارسة الجهاز لمهامه، واستلام الموانئ والحقول بمنطقة الهلال لتأمينها، في مهمة تقتصر على حراسة تلك المنشآت، وتسهيل عمليات المؤسسة والوطنية للنفط والسكرات المتعاقدة معها.

و دعا المجلس، جميع القوات المتواجدة في الهلال النفطي، إلى وقف إطلاق النار والمغادرة فوراً، والتوقف عن التصعيد، بحسب البيان  وجاء هذا القرار على نحو متوقع، يفسر العلاقة التي تربط سرايا الدفاع عن بنغازي وتنظيم القاعدة بالمجلس الرئاسي، حيث صرح قادة المليشيات عزمهم تسليم المناطق النفطية للمجلس، على الرغم من نفي الرئاسي الليبي أي علاقة بالهجوم الذي استهدف قوات الجيش في الهلال النفطي 

بدوره، حذر عضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط وزير الدفاع المهدي البرغثي بحكومة الوفاق، من محاولة توريط بعض كتائب عملية البنيان المرصوص في القتال المحتدم في الموانئ النفطية وقال قزيط في تصريح تلفزيوني، “في الوقت التي نؤكد فيها تبعية قوة “البنيان المرصوص” للمجلس الرئاسي وليس وزارة الدفاع، نشدد على أن كل الشرعيات والحكومات والمرجعيات تتهاوى أمام حرمة الدم الليبي.

و أضاف قزيط، ” لقد أكدت البنيان المرصوص كما أكد قادتها الميدانيين و قادة المنطقة العسكرية الوسطى، بأنها عملية لمكافحة الإرهاب في المنطقة الوسطى فقط، وليس من مهامها المشاركة في قتال او تأمين اي مناطق خارج إطار تكليفاتها” وتتهم قوات عملية البنيان المرصوص، بتقديمها دعم عسكري وحماية المهاجمين الهلال النفطي، حيث مرت قوات الإرهابيين من أمام الطرق التي تسيطر عليها في سرت، ولم تعترضهم بل سهلت عبورهم لاستهداف الجيش بشكل مباغت، والدخول في اشتباكات معه في منطقة النفط.

عن “المختار العربي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *