في وقت تسعى فيه أطراف ليبية عديدة لإيجاد حل للأزمة السياسية و الأمنية التي تتخبط فيها البلاد، أطلقت حملة يقودها أشخاص من مدينة البيضاء يناشدون من خلالها حفتر تولّي رئاسة البلاد لأربع سنوات . و يمكن لهذه الدعوات أن تزيد من توتر الأوضاع و تعميق الأزمة السياسية بسبب اختلاف وجهات النظر بين الخصوم السياسيين.

و أطلق شباب ونشطاء من مدينة البيضاء، الواقعة شرق ليبيا، منذ الأحد الماضي، حملة تهدف إلى تفويض استلام رئاسة الدولة الليبية إلى القائد العام لقوات الجيش الليبي المشير خليفة حفتر لمدة أربع سنوات.

و أعلن شباب وأعيان بلدية البيضاء عن حملتهم في اجتماع عقدوه، السبت، وقالوا إن الهدف من ذلك “إنقاذ البلاد مما وصلت إليه في غياب تام للجهات التشريعية والحكومات المتعاقبة”.

و أكد مطلقو الحملة أنها جاءت “بطلب شعبي بمختلف المدن والقرى الليبية، على خلفية انعدام الخدمات الطبية والإنسانية وافتقارهم إلى توفير أبسط مقومات الحياة للمواطن البسيط”.

و قال شباب بلدية البيضاء إنه تم تكليف أحدهم بالإشراف على الحملة وافتتاح مكتبها الرئيسي في بلدية البيضاء، مشيرين إلى أنه من المنتظر افتتاح مكاتب للحملة في مدن وقرى ليبية. وبدأ مسؤولو الحملة في جمع التوقيعات لتفويض تولي رئاسة ليبيا إلى حفتر.

و أعلن علي التريكي المشرف على الحملة أن عدد توقيعات التفويض خلال نصف الساعة الأولى من بدء الحملة بمدينة البيضاء بلغ 600 توقيع.

و يمكن لدعوات تسلم رئاسة ليبيا الموجهة إلى حفتر أن تزيد من توتر الأوضاع السياسية في البلاد التي تشهد صراعا مستمرا بسبب التنافس على الشرعية والحكم بين أطراف تبسط نفوذها على المنطقة الشرقية وأخرى تعمل من المنطقة الغربية. وتدعم تشكيلات مسلحة مختلفة الانتماءات سلطات الشرق والغرب. وما زال السراج يجد صعوبات في بسط سلطة حكومته.

و يمثل حفتر شخصية رئيسية في المشهد السياسي الليبي، إذ تسيطر قواته على كامل شرق ليبيا. ويحظى حفتر بدعم مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق (شرق) والحكومة المؤقتة المنبثقة عنه ومقرها مدينة البيضاء.

و يعتبر فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني التي تعمل من العاصمة طرابلس (غرب البلاد)، أبرز خصوم حفتر السياسيين. والتقى الطرفان في مناسبات عديدة، آخرها اجتماع عقد في العاصمة الفرنسية باريس، لبحث حلول للأزمة السياسية ولتخفيف معاناة حادة يعيشها الليبيون. وفي كل مرة تفشل اللقاءات في تحقيق تقدم على الأرض.

و في ختام لقاء في باريس رعاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في نهاية يوليو، توافق حفتر والسراج على بيان من عشر نقاط تعهدا فيه خصوصا بوقف إطلاق النار والإسراع في إجراء انتخابات. لكن إعلان المبادئ هذا لا يخرج عن إطار العموميات ولا يلزم المجموعات المسلحة الناشطة في ليبيا سواء أكانت قريبة من حفتر أم قريبة من السراج.

و أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الاثنين الماضي، أن بلاده “تدعم” جهود حفتر للتوصل إلى حل سياسي لأزمة ليبيا مع خصمه السراج.

و صرح لافروف أثناء استقبال حفتر في موسكو قائلا “نعلم أنكم تشاركون مع السراج في جهود التوصل إلى اتفاقات مرضية للطرفين”. وأضاف “ندعم جهودكم في سبيل عقد هذه الاتفاقات”.

كما عبر لافروف عن دعمه للجهود “الرامية إلى تكثيف العملية السياسية للتوصل إلى حل والاستعادة التامة لسيادة بلدكم”، لافتا إلى أن “الوضع في ليبيا ما زال مع الأسف معقدا، والخطر الإرهابي لم يُهزم”.

من جهته، أكد حفتر أنه “واثق من أن روسيا ستبقى صديقا جيدا لنا ولن ترفض المساعدة”. كما دعا موسكو إلى لعب دور في المحادثات الليبية، وقال “سنكون سعداء جدا إذا شاركت روسيا في إيجاد الحلول للأزمة الليبية”.

و أضاف حفتر “لم نبحث الدور الملموس لروسيا لكننا نؤيد أن تلعب دورا في هذه العملية، أيا كان هذا الدور”.

والتقى وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو كذلك حفتر في موسكو حيث أجريا محادثات “أولت التطورات في شمال أفريقيا اهتماما خاصا مع التركيز على الوضع في ليبيا”، بحسب بيان لوزارة الدفاع نقلته وسائل إعلام روسية.

و في 17 ديسمبر 2015، وقعت أطراف النزاع الليبية اتفاقا لإنهاء أزمة تعدد الشرعيات في البلاد. وتمخض عن الاتفاق السياسي مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومجلس الدولة (غرفة نيابية استشارية) إضافة إلى تمديد عهدة مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق البلاد) باعتباره هيئة تشريعية.

لكن بعد مرور عام على توقيع الاتفاق دون اعتماد مجلس النواب الذي يريد إدخال تعديلات على الاتفاق لحكومة الوفاق برئاسة السراج، اعتبرت أطراف في شرقي ليبيا أن الاتفاق انتهى وهو ما ترفضه الأمم المتحدة.

و تعاني ليبيا من فوضى أمنية، حيث تتقاتل في البلد العربي الغني بالنفط كيانات مسلحة عديدة منذ أن أطاحت ثورة شعبية بنظام حكم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي (1969-2011). و تتصارع على الحكم 3 حكومات ، اثنتان منها في العاصمة طرابلس و هما حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا و حكومة الإنقاذ الوطني، و ثالثة في مدينة البيضاء (شرق البلاد) و هي الحكومة المؤقتة التي تتبع مجلس النواب التابعة له قوات حفتر.