لأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي: من معاناة السجون إلى إهمال ذوي القربى

 

تونس مغرب نيوز :

بقلم عبد اللطيف الحناشي

 

ظلّ وضع آلاف الأسرى من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية غائبا عن اهتمام الرأي العام العربي ناهيك عن الرأي العام الدولي. وقد أثارت مجددا ولكن باحتشام شديد جدا

وقد كانت عمليات الاعتقال والأسر التي قامت وتقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد طالت جميع فئات و شرائح المجتمع الفلسطيني بدون تمييز: الكهول والأطفال و النساء والشيوخ  وحتى الأطفال الرضع، غير مكترثة بأدنى الحقوق والأعراف والمواثيق والقوانين الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة، تلك المنظمة التي كانت سببا في وجود”إسرائيل” غير الشرعي أصلا، والتي من المفروض أن  تعمل تلك الدولة بمبادئها، على الأقل، بما يخصّ الأسرى والمعتقلين والموقوفين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات “المدنية” والعسكرية.

وتبدأ معاناة الفلسطيني المعتقل منذ اللحظة الأولى لتوقيفه إذ تمارس عليه الأجهزة مختلف الطرق الوحشية،أثناء التحقيق، التي تنال روح المعتقل وجسده:الضرب والتهديد بالاغتصاب وكيل الشتائم والحرمان من النوم ومن الأكل والشراب..والاحتجاز في أماكن مكتظة ومتسخة ومعتّمة لا تليق بالإنسان.أما في السجون فيتعرض السجناء والمعتقلون،حسب إفادات المئات منهم إلى المنظمات والهيئات المختصة، إلى شتى أنواع الحرمان والتعدّي المادي والمعنوي ومختلف أشكال العقوبات من الغرامة المالية  والعزل  إلى التفتيشات الاستفزازية  المفاجئة من قبل إدارة السجون  إلى الاعتداء بالقوة وحتى بالغاز المسيل للدموع عند أي توتر يحصل داخل السجون والمعتقلات لسبب أو آخر.كما يتعرض الكثير منهم لسوء المعاملة أثناء الخروج للمحاكم(حتى من قبل سواق الحفلات الناقلة لهم كما حدث مؤخرا مع نواب حماس المعتقلين) والزيارات والتنقل  من قسم إلى آخر بالإضافة إلى عدم  توفير مكان خاص لأداء الشعائر الدينية وسوء نوعية الطعام وقلة الكمية المقدمة.أما غرف السجن والاعتقال فهي ضيقة شديدة الاكتظاظ  لا تتوفر فيها أدنى الشروط والمستلزمات  الصحية.

ويبدو الإهمال الطبي والصحي خيار ثابت ومنهجي تمارسه إدارة السجون لمزيد تعذيب المساجين والتشفي منهم وصولا إلى التخلص من عبئهم. .كما تطالب مصلحة السجون الإسرائيلية الأسرى بدفع ثمن علاجهم وتلقّيهم الخدمات الصحية. في حين أن القوانين في العالم وفي “إسرائيل” تلزم إدارة السجون بتقديم الخدمات الصحية المختلفة البسيطة والمعقدة لكل أسير ومحتجز مهما كانت درجة العقوبة ونوعيتها. وتشير معطيات مركز الأسرى للدراسات إلى استشهاد أكثر من 192 معتقل وأسير نتيجة  للإهمال الطبي وفقدان الرعاية الصحية الدنيا الضرورية.

  أما الأسرى والمعتقلون من “فلسطيني 1948” والقدس الذين يناضلون من اجل حقوقهم الإنسانية وآمالهم الوطنية في دولة عنصرية بامتياز.. فيبدو وضعهم أسوأ من وضع إخوانهم المساجين من غزّة والضفة الغربية.فحسب بيانات منظمات حقوق الإنسان العربية(في الداخل) والإسرائيلية فان العشرات من السجناء الأمنيين الفلسطينيين مواطني إسرائيل العرب تقبع في سجونها منذ سنوات طويلة،منهم 520 أسيرا من القدس قد تمت إدانتهم في عمليات لم يقتل فيها أي شخص، وقلة قليلة منهم حوكموا على خلفية الزعم بارتكابهم الاعتداء أو القتل، في الوقت الذي ينفي الكثير منهم مشاركته في ذلك النوع من العمليات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.. و الانكى من كل ذلك أن أسرى مناطق 1948 والقدس، لا تشملهم حسن “النوايا الإسرائيلية” بالمطلق ولا يحق للطرف الفلسطيني التحدث باسمهم أو حتى طرح قضيتهم.. وعلى الرغم من استعداد “إسرائيل” الدخول في مفاوضات حول تبادل الأسرى مع حزب الله ومع  بعض الجهات الفلسطينية، غير  أنها ترفض رفضا مطلقا التفاوض حول هؤلاء بدعوى أنهم مواطنون إسرائيليون، في الوقت الذي لا تشملهم القوانين الإسرائيلية في المعاملات اليومية داخل السجون والمعتقلات. كما لا ينسحب عليهم قانون تخفيض الثلث من الحكم بعد مرور سنوات معينة من العقوبة أو الاعتقال. أما سكان القدس والأسرى منهم تحديدا وتخصيصا فقد ﹸتركوا  لمصيرهم  بعد أن تخلت عنهم “السلطة الفلسطينية”.

لقد ظلّت قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بمنأى عن اهتمام الرأي العام العربي ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمات ذات الوظائف الشبيهة دون الحديث عن مؤسسات النظام العربي الرسمية المختلفة وعلى رأسها جامعة الدول العربية العتيدة. ولا يختلف هذا الموقف نسبيا عن موقف “سلطة رام الله الوهمية” التي وبالرغم من أنها تضم وزارة لشؤون الأسرى غير أن وظيفتها ظلت، حسب البعض، ذات بعد خدماتي تتمثل في صرف مخصصات للأسرى ودفع مخصصات “الكانتينا”لهم،  ولم ترتقي وظيفتها بعدﹸ إلى ممارسة المهمة التي من المفترض أن تقوم بها و في أدناها تحويل قضية الأسرى ومعاناتهم اليومية إلى قضية رأي عام عربي ودولي.

ورغم ما تقوم به بعض المنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان ومراكز البحث الفلسطينية ذات العلاقة ومنها خاصة مؤسسة “الضمير” و”مركز الأسرى للدراسات حول الأسرى” من جهود كبيرة في تنظيم الحملات الوطنية والدولية لمساندة الأسرى ومؤازرتهم وتقديم المعطيات والمعلومات حول أوضاعهم المأساوية في السجون الإسرائيلية غير أن المسالة تتطلّب تكاثف جهود الكثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والشخصيات الاعتبارية العربية والعالمية.

لقد بيّنت التجربة التاريخية أن إسرائيل” لا تفهم غير لغة القوة، على الاقل في مسالة الأسرى، إذ أن جلّ الأسرى والمعتقلين الذين أفرجت عنهم كانوا عن طريق عمليات التبادل سواء بينها وبين بعض الفصائل الفلسطينية، أو بينها وبين حزب الله. أما الأساليب الأخرى فلم تجدي نفعا، فحتى اتفاق أوسلو لم يرد فيه ذكر لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، بل ترك هذا الملف لحسن النوايا الإسرائيلية التي كانت توظفها حسب الضرورات التي تفرضها  مصالحها في الداخل أو الخارج( أو الاثنين معا)أو في إطار دعم هذا الفريق الفلسطيني في مواجهة الفريق  الآخر. ورغم ذلك فلا يمكن إلا الترحيب بذلك واعتبار إطلاق سراح أي معتقل أو أسير فلسطيني، في إطار الحدّ الأدنى الوطني، مكسبا وطنيا.

 وتظلّ هذه القضية، بأبعادها السياسية والإنسانية والأخلاقية،من المهام الأساسية التي يجب أن تعمل من اجلها جميع  الأطراف العربية ومنها منظمات المجتمع المدني وخاصة منظمات حقوق الإنسان وذلك من خلال تطوير شبكات الإعلام والتضامن والتنسيق مع منظمات حقوق الإنسان المختلفة  في أوروبا والأمريكيتين  بهدف الكشف عن حجم الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها قوات الاحتلال تجاه الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ولدفع المجتمع الدولي للخروج من صمته ولامبالاته إزاء هذه القضية، وحتى تضغط،تلك المنظمات، على حكومة الاحتلال من أجل توفير الحماية للسجناء والمعتقلين وضمان التمتع بحقوقهم الدنيا التي كفلتها لهم القوانين والشرائع الدولية.واستغلال عضوية “إسرائيل” في الاتحاد الأوروبي (تحمل صفة مراقب فاعل في الاتحاد الأوروبي منذ سبتمبر 2006 أي كدولة أوروبية يحق لها الحضور والتمثيل والإدلاء برأيها في معظم الأنشطة الاتحادية، بما فيها الاجتماعات الخاصة بمجالات الطاقة والتعليم والمال والشؤون التجارية وقضايا الأمن ومكافحة ما يسمى بالإرهاب والتحقيق في الجرائم)للضغط عليها للعمل بقوانين الاتحاد الأوروبي في مجال حقوق الإنسان.

أما على مستوى مؤسسة الجامعة العربية فقد آن الأوان لتسترجع،هذه المؤسسة، بعض من نشاطها لصالح القضية الفلسطينية،كما كان الحال خلال الأربعينيات، وذلك من خلال:

إحداث خلية دائمة،في صلب الجامعة، تهتم بمتابعة قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من سكان غزّة والضفة الغربية والخط الأخضر.

العمل على حثّ مؤسسات البريد في الدول العربية بطبع وتداول طابع بريدي يرمز إلى قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال وتم خصم جزء بسيط جدا من قيمته لصالح صندوق الأسرى.

إحداث صندوق مالي خاص تحت اسم “الصندوق العربي لصالح الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وعائلاتهم” تكون له فروع في كل الدول العربية وحتى الإسلامية  يدار وﹸيسيّر بشفافية وحسب التقنيات الحديثة لجمع التبرعات المالية لصالح الأسرى والمعتقلين وعائلاتهم بهدف دعم صمود هؤلاء وتوفير الحدّ الأدنى من المال لهم بعد إطلاق سراحهم حتى يعيشون بكرامة.أما تمويل الصندوق فيكون عبر المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال والمنظمات الخيرية العربية والإسلامية..وبمساهمة عموم  الناس حتى بأقل وحدة نقدية سارية في بلادهم خلال يوم “الأسير الفلسطيني”.

 تحويل يوم الأسير الفلسطيني إلى يوم عربي(وليس فلسطيني كما هو الحال الآن)لا تتعطل فيه الأعمال و لا مشاغل الناس و لا الحكومات و لا تلقى فيه الخطب، بل تتكثّف فيه الحملات الإعلامية و يحثّﹸ فيه الناس على إرسال البرقيات والرسائل إلى الأمين العام الأمم المتحدة وبرلمان الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان في العالم للتذكير بحجم المأساة التي يعانيها الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون “إسرائيل الديمقراطية” والمطالبة بتدخّل تلك الجهات “للضغط” عليها لتحسين ظروف اعتقالهم هؤلاء  وإطلاق سراحهم.

تشجيع النشاطات الثقافية والفنية(من قبل الألكسو مثلا)ذات العلاقة بموضوع الأسرى ودعمها..والمساهمة في تمويلها ولو جزئيا والمساعدة على إيصالها المتلقّي الأوروبي والأمريكي خاصة:أفلام قصيرة وطويلة(روائية)،مسرحيات،معارض التشكيلية..وتنظيم ندوة فكرية في إحدى العواصم الأوروبية حول انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين بالتعاون مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان بحضور شخصيات عالمية اعتبارية من رجال الفكر والأدب والسياسة والقانون المناصرين للقضية الفلسطينية،كليا أو جزئيا، مثل نلسن مانديلا ونعوم شومسكي ورمزي كلارك وايلان بابيه ومحمد حسنين هيكل وعزمي بشارة…

 وفي انتظار أن يتحقق ولو جزءا بسيطا جدا مما اقترحتا، فان الرهان الأكبر يظلّ على هؤلاء الأسرى وصمودهم. هؤلاء الذين خاطبهم  الشهيد سمير القنطار بعد تحريره قائلا ” إننا طيلة سنوات أسرنا لم يحدث يوما أن يئسنا أو ضعفنا، فقد كنا دائما مشاعل تضيء ليل السجون، كنتم ولا زلتم حلم الأحرار ونشيد من لا يزالون علي خطاكم سائرين..إن حريتي تزينت بتاريخ صبركم وصمودكم وإصراركم  علي التحدي وعدم الخنوع.. وهذا قدرنا،نبتسم لحلمنا المخفي وراء الحصون فيما تأكل السنون ربيع عمرنا داخل السجون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *