كمال بن بونس : التونسيون باتوا يعانون من ظاهرة الفكر السلفي الوهابي المتطرف المنتشرة في كل المجتمعات العربية والإسلامية

حول إقالة الوزير التونسي الذي اتهم السعودية بتصدير الإرهاب وحول العلاقات التونسية الأمريكية بعد انتخاب ترامب والموقف التونسي الشعبي والرسمي من الحرب في سوريا ومن المقاومة وما جرى في القمة العربية التي عقدت في تونس حول حزب الله ومواضيع أخرى كانت محور حديثنا مع مدير المؤسسة العربية الإفريقية للدراسات والأبحاث الإستراتيجية الدكتور كمال بن يونس.

الوقت: شهدنا إقالة وزير الشؤون الدينية عبد الجليل بن سالم بعد تصريحات له يتهم بها السعودية بتصدير الإرهاب والتكفير، أين الشارع التونسي مما قاله الوزير المُقال؟ وهل بات هناك وعي شعبي في تونس بخصوص منبع التكفير والإرهاب؟ خصوصاً بعدما عانت تونس سابقاً من الإرهاب في سوسة و متحف باردو وتفجير حافلة الأمن الرئاسي وغيرها.

بن یونس: “أعتقد أنه من مشاكل الدول الإسلامية أنها تتحدث عن التطرف والإرهاب دون أن تهتم بمرجعيته وأسسه وأسبابه الفكرية البعيدة والتي تعود إلى قرون وتعود كذلك إلى سياسات خاطئة تمارسها أنظمة عربية وأنظمة إسلامية ضمن إستراتيجيات غامضة. وأذكر أن الدكتور عبد الجليل قدم تصريحاته داخل البرلمان في جلسة مغلقة ولكن نشرت الصحافة هذا الخبر مما أدى إلى اتخاذ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قرار إقالته حتى لا تقع الإساءة إلى العلاقات بين تونس ودول عربية أخرى من بينها السعودية، وأنا أعتقد أن المشكلة فيما حصل هو ما عابه البعض على الدكتور عبدالجليل بأنه خلط بين صفته كجامعي مثقف وبين صفته كوزير. ولكن في كل الحالات هذا الموضوع الذي أثاره الدكتور عبد الجليل سالم أي البحث عن الأسباب الفكرية للتطرف والإرهاب وليس فقط الجوانب الأمنية واللوجيستية والإستراتيجية والتمويل يعتبر أهم قضية وأخطر قضية لدى الشعب التونسي، لأنه اليوم يوجد في كل بلد العشرات أو حتى الآلاف من المسلحين والسلفيين المتطرفين الذين يمكن أن يتحركوا في أي وقت ويجب القضاء عليهم، كما أن التونسين باتوا يعانون من ظاهرة الفكر السلفي الوهابي المتطرف المنتشرة في كل المجتمعات العربية والإسلامية على السواء وتحتاج إلى إجابات فكرية وفي هذا السياق أعتبر أن قرار إقالة دكتور عبد الجليل سالم كان خاطئ.”

الوقت: رأينا موقف العديد من القوى التونسية والإحتجاجات الشعبية التي نددت بقرار وضع حزب الله على لائحة الإرهاب من قبل السعودية بالقرار الذي أعدته في القمة التي عقدت في تونس، فأين تونس الرسمية والشعبية من المقاومة اللبنانية اليوم؟

بن یونس: “رسمياً فإن وزير الخارجية التونسي نفى أن تكون تونس والدول المشاركة اتخذت قرار سياسياً بتصنيف حزب الله كحركة إرهابية وذكر أن كل ما جرى أن لائحة بنود قد تليت في الجلسة الختامية لمؤمتر وزراء الداخلية العرب لم يتشاور حولها مع وزراء الخارجية الحاضرين وتضمنت اتهامات لحزب الله بالتورط بالعنف والإرهاب وأمور أخرى اتجاه إيران، كما قال أن المواقف السياسية للدول تتخذها وزارات الخارجية وليس مؤتمر لوزراء الداخلية العرب، فالحكومة التونسية تبرأت من هذا القرار ورفضت غلق سفاراتها أو حتى تخفيف مستوى التمثيل الدبلوماسي في طهران والسفير التونسي لم ينسحب أبداً من إيران وهو متحمس للعلاقات التونسية الإيرانية اليوم أكثر، وقد انطلقت أمس لأول مرة باخرة إيرانية نحو تونس محملة بمئتي سيارة إيرانية الصنع ضمن صفقة ستشمل حوالي ألفي سيارة إيرانية سيتم بيعها في تونس، وكذلك تونس متحمسة جداً للعلاقات مع إيران وأعتقد أن هذا التماشي سينتصر لأن المغرب نفسها عينت سفير أيضاً وحتى بقية الدول التي قالت بأنها أغلقت السفارت الإيرانية فهي لم تغلقها بل خفضت تمثيلها الدبلوماسي بما في ذلك الإمارات التي تربطها بإيران علاقات إقتصادية قوية وبينهما عشرات الطائرات والرحلات الجوية يومياً.”

الوقت: في ظل احتدام الحرب على سوريا وتعثر الوصول إلى حل سياسي فيها ما هو موقف تونس اليوم من الأزمة في سوريا على الصعيدين الرسمي والشعبي وهل هو متميز عن مواقف بعض الدول العربية كالموقف المصري مثلاً؟

بن یونس: “أنا أعتقد أن الملف السوري تعقد أكثر من اللزوم وتونس رسمياً تقول أنها مع الحل السياسي والتسوية السياسية لأن الحرب أو الحروب ليست هدفاً بحد ذاتها لكن دائماً الحرب تمهد في النهاية إلى توافقات سياسية، لكن تناقض المصالح الإقليمية والدولية حول هذه التسوية السياسية وبعض الدول التي تريد تقسيم سوريا إلى دول عديدة من بينها دولة الكردية ودولة سنية ودولة شيعية هو الذي أجل هذا الحل، إلا أن تونس مع وحدة سوريا ووحدة التراب السوري كما تدعو إلى الحفاظ على وحدة ليبيا فهناك دول تريد أيضا تقسيمها كما وحدة العراق، أما شعبياً طبعاً هناك رفض لتقسيم سوريا وتقسيم باقي دول المنطقة إلى دويلات ضمن ما يسمى بخطة الشرق الأوسط الجديد أو إعادة خارطة المنطقة ضمن أجندات استعمارية.”

الوقت: فيما يخص الانتخابات الأمريكية أين تونس من فوز ترامب في الانتخابات وما مستقبل العلاقة بين البلدين خصوصاً أننا بالأمس رأينا الرئيس التونسي أول المهنئين لترامب؟

بن یونس: “أعتقد أن وزارء الخارجية أو رؤساء الحكومات في العالم أجمع سيهنؤون الشعب الأمريكي بنتائج الانتخابات مهما كانت، ونحن نعلم أن غالبية الدول العربية كانت تفضل نجاح كلينتون، إلا أن كل الدول تتعامل مع السلطات الشرعية ومع النتائج الرسمية، وترامب في أول كلمة ألقاه وتوجه بها إلى الشعب الأمريكي قال لننسى خطابات الحملة الإنتخابية والتي هدد فيها بوضع كلينتون في السجن وغيرها من التصريحات، ولا بد أن نعمل مع بعضنا البعض وشكر كلينتون أيضاً، لذا اعتبر أن الـ “establishment” في أمريكا لم يتغير ولن يتغير، فنواة النظام هي نفسها ونفس المجموعات الممولة اليوم من شركات كبرى وغيرها مولت الحزب الديمقراطي والجمهوري على السواء في كل الحملات الانتخابية وفي هذه الحملة كذلك، ومولت نفس المشرحين فلن تقع تغييرات جوهرية في السياسة الأمريكية.

أما بالنسبة للعلاقات التونسية الأمريكية أعتقد أن العلاقات الرسمية هي علاقات دولة لدولة لا دولة لأشخاص لذا تونس تتحرك في هذا الإطار بالنسبة لنتائج الانتخابات الأخيرة، فلن يتغير شيئاً برأيي مستقبلاً، وتونس دولة صغيرة فلم يكن لها تأثير على الانتخابات، ربما تمنت نجاح كلينتون مثلما تتمنى نجاح بعض المرشحين المعتدلين في الانتخابات الأوروبية والفرنسية، لكن اذا تقدم اليمين المتطرف في أوروبا مثلما يبدو اليوم فإنها ستعترف به وستتقاطع مصالح الدول وليست الأهواء.”

الوقت: ما مدى مقبولية وشعبية حزب النهضة في الشارع التونسي اليوم خصوصا مع عدم نجاح تجربة الإسلام السياسي في الحكم في تونس وعدد من الدول المنطقة؟ وهل هناك إمكانية لفوزهم في الإنتخابات المقبلة وصولا لتسلمهم الحكم مجدداً؟

بن یونس: “أنا أعتقد أنه إذا تواصلت التجربة التعددية والديمقراطية في تونس فإن النهضة يمكن أن تفوز في الإنتخابات القادمة بنسب تسمح لها بالمشاركة في الحكم وليس بأن تحكم تونس وحدها، وليس مطروحا في تونس في المرحلة القادمة لأي حزب بأن يحكم وحده، وأثبتت تجربة المغرب مثلاً وتجربة حزب العدالة والتنمية المغربي الذي يعد أضعف من حزب النهضة التونسي انه رغم المناخ الإقيليمي السيئ يمكن الفوز بالمرتبة الأولى الإنتخابات، لذا فأن يفوز حزب النهضة مجدداً في المرتبة الأولى أو في المرتبة الثانية ممكن وهذا سيطرح عليها فكرة مسألة المشاركة في الحكم مجدداً. وبحكم كثرة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والأمنية أعتقد أنه لا يريد أي من الأحزاب أن ينفرد في الحكم لأنه سينفرد بتحمل تبعات الحكم الحالية.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *