كلمة السيد رئيس الحكومة في افتتاح الندوة الدولية حول تعزيز قيم السلام والحوار

بسم الله الرحمان الرحيم
صاحبة الفخامة،
ضيوفنا الكرام
أصحاب المعالي والسعادة،
يطيب لي في البداية أن أرحب بكم جميعا في تونس و أن أعرب لكم عن سعادتي بالإشراف على انطلاق فعاليات الندوة الدولية حول تعزيز قيم السلام و الحوار التي تنتظم بشراكة بين الجمهورية التونسية والمنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة الإيسسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة و العلوم الألكسو.
وأنتهز هذه الفرصة لأتقدم بجزيل الشكر للأخوين الكريمين الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري و الدكتور عبد الله حمد محارب على ما أبدياه من تفاعل إيجابي و سعي دؤوب لتطوير برامج التعاون مع تونس و تعزيزها و لأؤكّد ما نوليه من أهمية لمزيد دعم البرامج المشتركة و تنويع مجالاتها .
وإن في التنظيم المشترك لهذه الندوة بين الجمهورية التونسية والمنظمتين الإسلامية والعربية تأكيد واضح وجلي من تونس على اعتزازها بهويتها العربية الإسلامية وحرصها على مزيد دعم وتطوير مجالات التعاون والتنسيق مع أشقائها من البلدان العربية والإسلامية من منطلق إيمانها بضرورة تدعيم أطر وآليات العمل العربي والإسلامي المشترك بما يخدم المصالح المشتركة.
حضرات السيدات والسادة،
إن اختيار تونس لاحتضان هذه الندوة الهامة حول تعزيز قيم السلام و الحوار و تخصيص إحدى الجلسات العلمية في الندوة للتباحث حول المقاربة التونسية في هذا المجال يعد تكريما لهذه التجربة الفتية والمتميزة ذلك أن تونس قدمت للعالم أنموذجا متفردا في حل الإشكاليات و تجاوز الصعوبات وتمهيد الطريق لتحقيق الانتقال الديمقراطي في إطار تشاركي بعيدا عن كل أشكال العنف والإقصاء.
وقد اخترنا في تونس منهج التوافق وفسح المجال للجميع بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية للتعبير عن آرائهم و رؤاهم وتم اختزال و استيعاب مجمل هذه الرؤى في دستور توافقي شكلت المصادقة عليه لبنة هامة في طريق بناء الجمهورية الثانية و ساهمت مختلف القوى الوطنية في نحت ملامحها.
وقد توفّقنا في تنظيم انتخابات حرة و نزيهة و نحن الآن ماضون في طريق إرساء المؤسسات الدستورية واستكمال مشروعنا الحضاري الديمقراطي.
نحن في تونس قلنا نعم للاختلاف ولا للخلاف نعم للاختلاف الذي يثري المشروع الديمقراطي نعم للاختلاف الذي يقوم على قبول الآخر مهما كانت درجة التباعد في الرؤى والتصورات نعم للاختلاف الذي يفسح المجال رحبا للحوار والتوافق ولا للخلاف الذي يولّد التباغض والتناحر ويعطّل مسيرة التنمية والتقدم.
وقد أشاد العالم بأسره بهذه التجربة المتميزة وجاءت جائزة نوبل للسلام التي تحصلت عليها تونس ممثلة في الرباعي الراعي للحوار الوطني كتكريم من المجموعة الدولية للتجربة التونسية.
وبقدر اعتزازنا بهذا التنويه الدولي فإننا حريصون على أن لا يكون الحوار خيارا مرحليا بل أن يكون خيارا استراتيجيا من منطلق الإيمان بأن قدرنا هو أن نتحاور وأن نتوافق و أن نمضي معا في طريق تحقيق الانتقال الديمقراطي وإرساء دعائم دولة متشبثة بتاريخها وماضيها تعزّز مكاسب الحاضر وتؤسّس للمستقبل الأفضل.
حضرات السيدات والسادة،
إن اجتماعنا اليوم في مدينة سوسة جوهرة الساحل بتاريخها الحافل يحمل أكثر من رمز و معنى لأن مدينة سوسة التي شهدت خلال السنة الفارطة عملية إرهابية جبانة لملمت جراحها و استعادت نظارتها وإشراقها ووقفت شامخة من جديد و ها هي اليوم تحتضن ندوة دولية حول تعزيز قيم الحوار و السلام متحدية بذلك كل من صورت له نفسه المريضة و أفكاره الهدامة بأنه سيتمكن من بث الفرقة وزرع أشواك الفتنة والتعصّب.
وإنّ تونس المتشبّثة بهويتها وبرصيدها الإصلاحي والتنويري والتي أنجبت أعلاما ساهموا في تنمية الفكر البشري وإثراء الحضارة الإنسانية من أمثال العلامة ابن خلدون وسان اوقيستان و الإمام سحنون والفاضل بن عاشور وموطن جامع الزيتونة وجامع عقبة ابن نافع ستبقى منارة للثقافة الإسلامية السمحة القائمة على الاعتدال والوسطية ونبذ الغلوّ والتطرّف.
حضرات السيدات والسادة،
إن الإنسانية قاطبة تواجه اليوم تحديا خطيرا وهو التحدي الإرهابي الذي تحول إلى ظاهرة دولية معقدة ومتشعبة عابرة للحدود والقارات ظاهرة لا دين لها و لا وطن، ظاهرة لا يمكن دحرها و والقضاء عليها إلا برص الصفوف و تظافر الجهود و تطوير آليات التعاون و التنسيق الدوليين لا فقط على المستويين الأمني والعسكري بل كذلك على المستوى الفكري والثقافي.
ولمّا كان الإرهاب يتغذّى من الفكر المتطرف و المتعصب فإن السلاح الأنجع لمقاومته حاضرا و مستقبلا هو تحصين ناشئتنا وشبابنا في المدارس و في مدارج الجامعات من الفكر التكفيري الهدام الذي ينفي الأخر و مراجعة المناهج و المقاربات في اتجاه بث ثقافة قوامها الفكر النقدي والمتبصر الفكر المتشبع بالقيم الإنسانية النبيلة الفكر المتأصل في موروثه الثقافي و الحضاري دون تعصب أو مغالاة والمنفتح على سائر الثقافات والحضارات فكر يتطابق مع قيم ديننا الإسلامي السمحة لأن ديننا الإسلامي هو السلام و تحيتنا سلام وأوطاننا سلام.
وإني على يقين بأن هذه الندوة بما تتضمّنه من مداخلات ونقاشات ستسهم في مزيد بلورة ملامح هذا الفكر المستند إلى قيم الحوار والتسامح و السلام .
وفّقكم الله في أعمالكم والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الجمهورية التونسية
رئاسة الحكومة
سوسة، 18 أفريل 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *