كتاب جديد للمؤرخ والكاتب نور الدين الدقي : تونس من بدء اصلاحات القرن 19 الى انتخابات 2014

صدر مؤخرا ضمن ” سلسلة البحوث ” التاريخية والاكاديمية في ” المنشورات الجامعية : التابعة لجامعة منوبة كتاب جديد للمؤرخ والكاتب نور الدين الدقي.

الكتاب صدر في 370 صفحة من الحجم المتوسط ضمن سلسلة جامعية تحاول أن تبسط لعموم القراء المستجدات التاريخية والقراءات الفكرية السياسية التي تتعامل مع احداث الحقبة المعارصرة وانعكاساتها على الوضع الراهن، أو ما يسمى ” بالتاريخ المعاش”.

يقول الاستاذ نور الدين الدقي في التعريف بكتابه :” اخترنا أن يكون منطلق هذه  الفترة سنة 1814 ، وهو تاريخ رمزي يشير إلى دخول تونس مرحلة الانحدار والتبعية  بعد  نهاية حكم حمودة باشا  . وهذا خيار لا تبرره ظروف داخلية استثنائية ترتبط بهذه  السنة  بقدر ما يبرره الاتجاه العام للتاريخ التونسي خلال القرن التاسع عشر، ويحمل هذا التاريخ دلالة رمزية، باعتبار ما شهدته تونس من انتكاسات بعد 1814 ؛ أما خاتمة فترتنا فتتفق مع نهاية المرحلة الانتقالية التي أعقبت انتفاضة ستة 2011  والتي آلت لبناء مؤسسات دائمة تؤسس للجمهورية الثانية، وتعدّ البلاد  لدخول نظريا  في مرحلة الاستقرار السياسي  .”

جذور الدولة الوطنية ؟

ينطلق هذا الكتاب ـ حسب الاستاذ نور الدين الدقي ـ من فرضية قوامها  أن بنية  “الدولة الوطنية ” ظهرت في تونس في مرحلة مبكرة نسبيا  ، ولكن بروزها إلى حيز الواقع استغرق حوالي قرن  ونصف ، ما مهد لنضوج  هذا المبدأ على مراحل ، قبل تجسيمه  سياسيا  بعد زوال الحماية الفرنسية . ولا بد أن نؤكد على ان تونس ، رغم محافظتها  على وضعها  كإيالة ( مقاطعة ) ، كانت تتمتع  منذ بداية الحكم الحسيني بشخصية “قطرية” واضحة  قوامها مجال ترابي حدوده شبه مكتملة ، ونظام سياسي يمارس سيادته على المجتمع ويرتبط بالدول الأجنبية بمعاهدات ملزمة .

هذا التطور لا ينفي أن تونس كانت حتى منتصف القرن العشرين طرفا منفعلا لا تتحكم في مجرى الأحداث في منطقتها وأحيانا داخلها ،” فهي لم تتخلص من وضعية الإيالة التابعة للباب العالي إلا بصفة جزئية ، ولم يتسن لها الوقوف في وجه المشروعات الامبريالية ، ولكن ديناميتها الداخلية أتاحت بناء تصور مبتكر للحكم ، أو على الأقل وضع التشريعات اللازمة لتنظيم الحكم حسب رؤية حديثة “.

الشخصية التونسية ردا على الاستعمار

ويعتبر الكاتب  أن الشخصة التونسية تبلورت أكثر بعد الاحتلال الفرنسي ضم ” رد الفعل الشعبي” وبروز “وعي بالانتماء إلى تونس دون غيرها من الأوطان”.

وتأكد هذا الشعور بصعود الحركة الوطنية .

ولما استقلت البلاد كان  الاتجاه نحو تركيز “دولة حديثة وفق نموذج الدولة-الأمة .”Etat Nation

واعتبر المؤرخ نور الدين الدقي في  دراسته الاكاديمية أن تونس شهدت خلال قرنين ثلاثة تغييرات بنيوية رئيسية تتعلق بشكل الحكم  وقواعده  ، وبنيات الثقافة وطبيعة الوعي بالانتماء الوطني ، وديناميكية المجتمع ،” كان لها أبلغ التأثير على الشخصية السياسية التونسية ومفهوم “الدولة القطرية ” .

التغير السلمي والثوارت ؟

وعند قراءته لسلسلة التغييرات الكبرى التي عرفتها تونس خلال القرنين الماضيين يسجل الاستاذ نو رالدين الدقي أن  البعض من التحولات التي عرفتها تونس ،  مثل اصلاحات القرن التاسع عشر وتحديث المجتمع بعد الاستقلال وقعت بطريقة سلسة وبإشراف الدولة ، ولكن “التغييرات الجوهرية تمت بطريقة عنيفة  ودموية من ذلك الاحتلال العسكري الفرنسي سنة 1881 ، أو الانتفاضة التحريرية التي أدّت إلى  الاستقلال ، وأخيرا الحركة الثورية التي أسقطت نظام بن علي وفسحت المجال  الانتقال  الديمقراطي . ”

شكل الحكم

ويستنتج الباحث أن نظام الحكم كان في تونس في جميع الفترات” مستقرا والتداول على السلطة بطيئا”.

أما شكل الدولة فلم يتغير إلا مرتين : من “الملكية ”  إلى الجمهورية  ، ثم من الحكم الرئاسي إلى الحكم البرلماني المعدّل  .

أما علاقة الدولة بالمجتمع فكانت “قائمة على الغصب “. فظل المجتمع منقادا ولكنه تمكن من تعديل ميزان القوى لفائدته بعد انتفاضة 2011 .

واعتبر الكاتب أن المتغيرات  التي شهدتها تونس خلال قرنين كثيرة  ، ولكن التاريخ سجل لنا ثوابت عديدة ، منها الدور المركزي للدولة في ضبط  الحياة العامة والإشراف على المجتمع ، ورسوخ عدد من الأعراف السياسية ، مثل غلبة آلية الاصلاح والتطور على آلية التغيير العنيف .

ولعل من مزايا هذا الكتاب أنه نشر كذلك مجموعة طريفة من الوثائق الكتابية والمصورة النادرة جدا التي يمكن أن تكون بدورها موضوع دراسة وتحقيق خاص من قيل المؤرخين والمفكرين والسياسيين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *