قيس سعيد: أجوبة خاطئة لأسئلة صحيحة ..بقلم عبد الجليل المسعودي


وصفت الصحافة الأوروبية، والفرنسية خصيصا، قرارات الخامس والعشرين من جويلية ب”الضربة القوية ” في تعويض لعبارة “الانقلاب” الصادمة التي اطلقوها منذ اللحظات الاولى على القرارات الرئاسية الاستثنائية المتخذة انذاك.

يعتبر هذا التلطيف في التعبير ناقصا في اللغة العربية ذات المسرد السياسي محدود الالصطلحاتٍ و تعابيرَ و المفاهيم، يعود ذلك بالأساس لحداثة التجربية السياسية تاريخيا او/و لفقر مكتبتها و قلة متون و مراجع العلوم السياسية كما جاء في كتاب “الاسلام و اصول الحكم” لكاتبه الشهير الشيخ علي عبد الرازق.

وبغضّ النظر عن الاسلوب الذي تم به اتخاذ اجراءات 25 جويلية والتغطية الشرعية التي اتخذتها فانها تبقى في نهاية المطاف انقلابا، و هو ما يعنيه كذلك التوصيف الاعلامي الأوروبي رغم لبسه لقفّازات البلاغة الديبلوماسية التي لا تنطلي الا على السذج و المغفلين، وستدخل التاريخ كذلك لاعتبارين اساسيين اثنين، اولهما ان هدف ونتيجة قرارات 25 جويلية كانا ازاحة المنظومة السياسية الحاكمة بصفة مفاجئة واسقاط الحكومة القائمة، و ثانيهما ان من اقدم على ذلك شخص بمفرده -قيس سعيد-خطّط و رتّب واستعمل صلاحياته وراهن على تعفن الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بتعمده تعطيل عمل الحكومة و إلقاء التبعة و التهمة على من اعتبرهم المسؤولين على انحلال الدولة و تردي الأوضاع المعيشية، و باعتماده في ذات الوقت خطابا شعبويا يلقى صداه المدوي في صدر شعب خاب امل اغلبيته في الثورة و تملكه الياأس و الغضب و زاد في تهييجه نافخي النار و إن اختلفت مآربهم.

ولقائل ان يقول هنا، إن “الشعب” خرج الى الشارع وصفق لإجراءات 25 جويلية، فهل اننا اكثر ملكية من الملك او اننا اكثر شرعية من الشعب صاحب السيادة حتى نتحدث عن انقلاب؟ ان مثل هذا السؤال الانكاري يعيد الى الذهن سؤالا آخر أطلقه يوما احد كبار كتّاب الرواية التاريخية الفرنسيين: هل يُسمح باغتصاب التاريخ لانجاب طفل جميل؟ جوابنا: قطعا لا، هذا حتى وان كنا على يقين من الوليد وجماله، وهو يقين غير مؤكد في قضية الحال وفي ظل تواصل واقع الاجراءات الاستثنائية اربعة اشهر بعد اعلانها، و في عدم وجود اية آفاق منظورة لمشروع بديل ينهي حالة الاستثناء والضبابية.

على الورق يبدو الرئيس سعيّد محقّا في اتخاذه اجراءات جويلية

فباستثناء حرية التعبير لم يحصل شيء من وعود ثورة شعبية وقف لها العالم باسره.الفقر والتفقير يتفاقمان امام كل العيون، والفوارق الاجتماعية والجهوية تزداد وتتعمق، والعنف بمختلف مظاهره يستشري، واشارات الوضع الاقتصادي تومض كلها حمراء، بل ان هذا الوضع تراجع عما كان عليه قبل جانفي2011، وعملية صنع القرار، فضلا عن تنفيذه، مشلولة… كل ذلك كان حقيقة.

ولكن هل تبرر هذه المصاعب على خطورتها ان نرمي هكذا بالرضيع مع ماء الاستحمام، فيقع تجميد البرلمان وان كان بعض النواب حوّلوه احيانا الى حلبة للصراع السياسي واحيانا الى سرك لتقديم فرجة رديئة؟ لقد كان هذا البرلمان مع كل ذلك يشتغل وينتج قوانين ويتيح نقاشا ويسهم في اشراك المواطن.

وهل يبرر ذلك حلّ حكومة بذريعة سوء الادارة مع انه لم تقدم لها وسائل وظروف عملها؟

وهل يبرر ذلك وضع بعض المواطنين تحت الاقامة الجبرية، او تضييق حرية السفر على البعض الآخر؟

ثم، وهو الاهم، هل يبرر ذلك ان يوقف الرئيس العمل بالنظام الدستوري ليجمع كل السلط بيده؟

نحن لا نشكك في صدق نية الرئيس سعيّد، ولا في ارادته استصلاح الدولة وبناء الارادة السياسية لتكريس سيادة القانون، ولا نشكك في نظافة يده ولا في تعلقه باستقلال القرار الوطني. ولكن

لماذا لم يأت الرئيس البيت من بابه ويطرح مشروعا لتغيير نظام الحكم اذا صح منه العزم في ذلك؟

لماذا لم يحاول فرض الالتزام بالنظام والانضباط والامتثال على البرلمان عوض تجميده، وكان يكفيه بما يتمتع به من سلطة معنوية حقيقية ان يخاطب الشعب في ذلك للاحداث الرجة المنقذة؟

لماذا يرفض الحوار مع ممثلي الشعب وقواه الحية اذا كان ديدنه تحقيق ما يريده الشعب؟

ان الرئيس سعيد يطرح الاسئلة الصحيحة لكنه يختار الاجوبة الخاطئة.

الثورة جاءت بالديمقراطية وبفضل هذه الديمقراطية امكن لقيس سعيد ان ينتخب رئيسا للجمهورية، ومن يقبل الديمقراطية لا يمكنه الا يقبل الاحزاب السياسية، ولو كانت هذه الاحزاب تعيش الضعف والوهن وحضورها في تراجع في كل ديمقراطيات العالم. الفكر السياسي الانساني لم يصنع افضل من الديمقراطية و الديمقراطية لم تصنع بدورها افضل من الاحزاب السياسية، و تلك هي الحقيقة التي لا يجب ان يغفل عنها احد.

وعلينا الآن ان نلاحظ ان الرئيس قيس سعيد قد وضع نفسه في وضع صعب تميزه العزلة من الجانب الاهم لبلادنا وهو الجانب الاوروبي الشريك الاول لتونس تاريخيا ومستقبلا، وبالنتيجة، الجانب الامريكي الذي ينظر لبلادنا عبر النظارات الاوروبية، و يميّزه التناقض مع الشعب الذي يتولى الحكم بارادته كما لا ينفك يعلن ذلك و لكن دون ان يقدر على تحقيق ما يريد هذا الشعب في ظل واقع اقتصادي يزداد سوءا كل يوم.

خياران ممكنان للخروج من الأزمة:

اما العودة الى النظام الدستوري لما قبل 25 جويلة بعد ان يتم ابعاد العناصر المتورطة في الفساد او المسببة للتعطيل والفوضى وتفويض الامر في ذلك الى القانون ليقول كلمته الفصل، وهذا خيار يتطلب شجاعة كبيرة لا نخالها تنقص الرئيس. وإما الذهاب الى انتخابات مبكرة وهو خيار يتضمن مخاطر لا يمكن لقيس سعيد ان يتجاهلها سيما وان الوقت قد بدأ يستنفد شعبيته كما ابرزت ذلك آخر الاستطلاعات والزمن يأكل من زاده ويمسكه على قول ابي الطيب المتنبي هاجيا الإخشيدي.

المصدر :

https://www.tunisie-direct.com/ar/2021/11/18/%d9%82%d9%8a%d8%b3-%d8%b3%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a3%d8%ac%d9%88%d8%a8%d8%a9-%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%a6%d8%a9-%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a6%d9%84%d8%a9-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad%d8%a9/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *