في ندوة مؤسسة التميمي الأسبوعية حول تعثر الانتقال الديمقراطي ..العدالة الانتقالية يراد لها أن تكون حقيقة تاريخية لا حقيقة جنائية !! .. بقلم نوفل سلامة

تحرير نوفل سلامة :*


مواكبة لما يجري في المدة الأخيرة من حديث مكثف حول ترهل الوضع العام بالبلاد بعد أن توسعت دائرة الخلاف بين الفاعلين السياسيين حتى وصل إلى خلاف بين رئيس الدولة و اتحاد الشغل بعد أن كان محصورا بين قيس سعيد من جهة والحكومة والبرلمان والحزام الداعم لهما من جهة أخرى ، وما يدور من نقاش كبير حول مواطن الخلل والضعف الذي تعاني منه التجربة الديمقراطية في تونس والتي يرجعها البعض إلى أقفال الدستور الكثيرة على حد تعبير رئيس الجمهورية وإلى النظام السياسي الذي توافق عليه المؤسسون للجمهورية الثانية وإلى كامل منظومة الحكم التي جلبت لنا مشهدا سياسيا هجينا وغير مستقر ، مواكبة لهذا الحراك السياسي والفكري خيرت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات أن تطرح سؤال التعثر الديمقراطي ، للمرحلة الانتقالية ، وسؤال التجربة السياسية التونسية بعد عشرية كاملة من حكم المنظومة المحسوبة على الثورة ، وفي الأخير طرحت سؤالا يلامس إشكالية التأسيس الجديد بعد أن بان للجميع بأن الثورة التونسية تعاني من مأزق تعثر الانتقال الديمقراطي بعد عشر سنوات وفشل التجربة الديمقراطية برمتها.
وللحديث حول مظاهر هذا الفشل الذي رافق المرحلة الانتقالية والوقوف على أسبابه وتداعياته ومآلاته المستقبلية استدعت المؤسسة أستاذ القانون فتحي عبد الناظر، المستشار السابق للرئيس بن علي والعضو السابق للجنة المركزية لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل و الرئيس السابق للمجلس الدستوري من سنة 1999 إلى سنة 2005. ودعوة الأستاذ عبد الناضر ترمي إلى معرفة وجهة نظر رموز النظام القديم فيما بات يعرف بتعثر المرحلة الانتقالية وتقديم وجهة نظر الطرف الآخر الذي قامت عليه الثورة ، كيف يرى ما حصل ؟ وكيف يقيم المسار الانتقالي اليوم ؟
في هذا اللقاء الذي حضرته شخصيات هامة عملت مع النظام القديم ولو لفترة نذكر منها وزير الداخلية الأسبق في أحلك فترة عاشتها البلاد الأستاذ أحمد فريعة والوالي السابق السيد كمال الحاج ساسي وأستاذ القانون الدستوري ووزير أملاك الدولة السابق السيد زهير مضفر وأستاذ القانون ووزير العدل السابق السيد البشير التكاري وعدد من نشطاء المجتمع المدني ورواد المؤسسة الأوفياء . وقد خير المحاضر أن يخصص حديثه عن تجربة العدالة الانتقالية التي يراها علامة من علامات تعثر المرحلة الانتقالية وعنوان فشل التجربة الديمقراطية في تونس .فمنذ البداية كان الأستاذ فتحي عبد الناضر واضحا في إعلان موقف رافض لفكرة العادلة الانتقالية التي يعدها متسرعة وجاءت على عجل ومنتقدا لمسارها ولم يخف معارضته لرئيستها وقدم قراءة يشاطره فيها اليوم الكثير من الأشخاص تذهب إلى أن ما حصل مع هيئة سهام بن سدرين وقانون العدالة الانتقالية هو تمش مخالف للقوانين الدولية والمواثيق العالمية واستعان لتأكيد موقفه هذا بآراء العديد من الشخصيات الحقوقية التي اعتبرت أن قانون العدالة الانتقالية هو قانون لا دستوري .
واعتبر أن العدالة الانتقالية التي عرفتها الشعوب بعد مرورها من تجربة ثورية ومرحلة انتقال ديمقراطي، هي مسارات فيها ما هو صلب وما هو رخو لين. ومع الأسف فإن العدالة الانتقالية التي تبنتها التجربة التونسية هي من النوع الصلب فجاء قانونها مسقطا على واقع غير موجود .. لا أحد ينكر أن النظام السياسي القديم قد ارتكب تجاوزات ومظالم في حق الأفراد ولكن التعامل مع هذه التجاوزات كان من خلال نظرة فيها الكثير من الانتقام والتشفي . وقضية العدالة ” الصلبة ” قد شكلت نقطة خلاف بين المحاضر وعدد من الحاضرين الذين عابوا على الأستاذ عبد الناظر وصف التمشي الذي اختارته البلاد في تطبيق العدالة الانتقالية بكونه كان صلبا واستوحى صورتها من التجارب العالمية الحادة والعنيفة في حين يرى المحاضر أنه كان بالإمكان أن نقتفي أثر تجربة دولة رواندا التي أجرت مصالحة شاملة بعد فترة من الاقتتال الدموي بين قبيلتي ” الهوتو والتوتسي ” خلفت ضحايا بالآلاف وأن نحذو حذو المقاربة المغربية التي قامت على طي صفحة الماضي من خلال جبر الضرر المادي لضحايا فترة الاستبداد التي عرفتها البلاد في زمن حكم الملك المغربي . هذه المقاربة التي قدمها المحاضر اعتبرها كل من تدخل في النقاش فيها الكثير من التجني على التجربة التونسية التي رغم كل الهنات التي رافقتها وكل الانتقاد الذي يوجه لرئيسة الهيئة والطريقة التي عالجت بها هذا الملف، فإن التجربة التونسية لم تكن يوما صلبة و لا مبنية على الانتقام والتشفي بل على العكس كانت رؤية غايتها معرفة الحقيقة والكشف عما حصل في زمن الحكم الاستبدادي التسلطي وطي صفحة الماضي من خلال مصالحة حقيقية غير مغشوشة وهنا تأتي أهمية الحديث عن الذاكرة الوطنية والتاريخ الوطني ومطلب إعادة طرح السؤال حول محطات تاريخية بعينها من أجل إعادة الفهم و إعادة القراءة لأحداث منسية تعمد النظام السياسي السابق عدم التعرض لها وبالتالي فإنه من المهم ونحن في مسار التصالح مع الماضي ومع التاريخ أن نصالح الشعب مع قياداته و مع تاريخه وذاكرته وأن نعيد الكتابة التاريخية الصحيحة لفترات رمادية من التاريخ التونسي حتى ننهى اللبس والغموض ونزيل الغبن والاحتقان الذي تشعر به فئات كثيرة من الشعب تجاه القراءة الرسمية للتاريخ وما تقدمه الدولة من سردية تعدها الوحيدة والنهائية. ومن هذه الزاوية فإن تعرض هيئة الحقيقة والكرامة إلى النبش في الذاكرة الوطنية مهم ومفيد حتى نجري مصالحة شاملة ونهائية وهنا يأتي الحديث حول إجلاء الحقيقة فيما حصل في فترة الستينات من القرن الماضي مع التيار اليساري الشيوعي وما تعرضت له جماعة ” أفاق ” الماركسية من مظالم والحديث عن محاكمات ” أمن الدولة ” والحديث عن قمع المعارضة اليوسفية وفتح هذا الملف الذي خلف جراحا لا تزال إلى اليوم مفتوحة والحديث عن محاكمة مناضلي الأتحاد العام التونسي للشغل في أواخر السبعينات من القرن الماضي والحديث عما حصل في أحداث الخبز خلال سنة 1984 وما خلفته من قتل 300 متظاهر لا تزال إلي اليوم ملفاتهم مفتوحة وحقيقتهم ضائعة والحديث عما حصل مع الإسلاميين وما عرف وسنوات الجمر و مرحلة تجفيف المنابع مع نظام بن علي والحديث عما ارتكبه الاستعمار الفرنسي بحق الشعب التونسي بعد خروجه من البلاد و مواصلته استهداف الشعب حتى بعد الاستقلال ” معركة جبل أقري 1956 ” فكل هذه الملفات وغيرها هي اليوم من الذاكرة الوطنية الحية ولا يمكن الحديث عن عدالة انتقالية ناجعة ومفيدة تنهي جراح الماضي وتبني مصالحة حقيقة من دون الكشف عن الحقيقة التاريخية كاملة بخصوص هذه الملفات من أجل طى صفحة الماضي بطريقة غير ملتوية ومغشوشة .
يعتبر الأستاذ فتحي عبد الناظر أن الخلل القاتل في تجربة العدالة التونسية هو فيما أسماه حرب الذاكرات أو بالأحرى استراتيجية هدم الذاكرة التي كتبت وانتهت ويراد لها اليوم أن تعود من جديد من أجل إلغاء الآخرين وخللها الآخر في كونها عدالة لا تنتهي إلى المصالحة ولا تمنع من ارتكاب مظالم جديدة و إعادة المحاكمات بعد صدور الحكم بالبراءة وغلق الملف القضائي بحق رمز من رموز النظام القديم ولا تحقق المطلوب وهو طي صفحة الماضي وهذا ما جعلها تسقط في ارتكاب مظالم جديدة وتفتح صفحة تاريخية جديدة نحن في غنى عنها مدارها ارتكاب حيف كبير في حق الكثير من الشخصيات التي استعان بها النظام القديم لإدارة الحكم فكان ذنبها الوحيدة هو أنها قد خدمت الدولة التونسية وفي هذا المستوى من الحديث استحضر المحاضر ما جاء على لسان راشد الغنوشي في حوار له مع مجلة المفكرة القانونية في عددها الصادر في شهر جوان 2021 من كونه ” لم يكن راضيا ولا موافقا على المنهج الذي اعتمد في إطار العدالة الانتقالية التي كان يراها تقوم على أربعة أمور: أوّلاً أنّه يجب الاكتفاء بالكشف عن الحقيقة حتى لا تتكرّر المآسي من خلال البحث عمّا حصل وكيف حصل ذلك.
وثانياً دعوة المنسوب لهم الانتهاكات الجسيمة للاعتذار. وثالثاً حثّ الضحايا على العفو ورابعاً أن تتولّى الدولة إعادة الاعتبار للضحايا مادياً ومعنوياً لكونها مسؤولة عمّا لحقهم من ضرر. وصرّح بأنّ أسلوب العقاب الذي انتهج حتّى الآن لم يحقّق شيئاً سوى جرّ الضحايا من محكمة إلى أخرى والأخطر من كلّ هذا أنّ الدوائر المتخصّصة في العدالة الانتقالية لا تحترم قواعد المحاكمة العادلة لعدم قابلية أحكامها للاستئناف ولكون من يتّهمون أمامها حوكموا لأجل الفعلة نفسها أكثر من مرة. وينهي قوله بأن المطلوب كان معالجة أفضل للملف تنتهي بتجاوز ما يطرح من استحقاقات. وأن الضحية لن تستفيد بشيء من موت شرطي في السجن… العدالة الانتقالية بتونس انطلقت في ظلّ مناخ سياسي معيّن مساند لها وقبل نهاية عهدتها تغيّر المزاج العامّ فصارت خارج السياق وبدتْ كأنّها تحاول أن تحاكم الحاكمين. ومثال على ذلك أنّ الرئيس الباجي قايد السبسي المنتخب ديمقراطياً أصبح متّهما فيها وهو ما طرح السؤال من يحاكم من ؟ ولولا انسحابنا من السلطة في سنة 2013 لكنّا ربّما نحن من يُحاكم الآن إن هذه المحاكمات زائدة وغير مجدية لأنها لم تكشف الحقيقة ولم تنصف الضحايا “.
كان هذا أهم ما جاء في مداخلة الأستاذ فتحي عبد الناظر حول زاوية محددة من زوايا تعثر المرحلة الانتقالية وهي زاوية فشل المصالحة الوطنية وقانون العدالة الانتقالية وهي مقاربة جاءت منتقدة بشدة لكامل المسار الذي انتهجته التجربة التونسية وهي رؤية من خارج الدائرة الثورية ومقاربة يقدمها اليوم من كان يوما ضمن المنظومة القديمة تعتبر أن التجربة التونسية في معالجة إرث النظام القديم ومعالجة ملفات رموز النظام السابق قد حادت عن مسارها الحقيقي وكانت عدالة انتقامية مبنية على التشفي وقانونها كان قانونا غير دستوري لا يحترم الإجراءات القانونية ولا ينتهي إلى المقصود وهو المصالحة حتى لا تعاد المظالم من جديد .
إن المفيد في هذه الندوة هو أننا استمعنا إلى وجهة نظر جانب من رموز النظام القديم في موضوع العدالة الانتقالية ووقفنا على كثير من التعالي ومن رفض الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت وتبرير لما حصل وعدم الجرأة على القيام بالمراجعة المطلوبة لفترة حكم كانت مثقلة بالأخطاء ومشبعة بالمظالم. واستمعنا إلى حوار بين القديم والجديد بين من يدافع على التجربة التونسية في موضوع العدالة الانتقالية ويعتبر أن أطرافا سياسية اجتهدت حتى لا تنجح وعملت على إفراغها من مضمونها وبين من ينتقد هذا المسار ويذهب به إلى الحكم عليه بالفشل والتساؤل هل كنا فعلا في تونس في حاجة إلى إجراء عدالة انتقالية على شاكلة البلدان التي عرفت مظالم أفضع مما حصل عندنا من أخطاء هي من طبيعة مباشرة الحكم والسلطة . وبين هذا وذلك حصل الانطباع إلى أن الأستاذ لطفي عبد الناظر باعتباره معني بموضوع العدالة الانتقالية وبالمصالحة المتعثرة من خلال قراءته الانتقائية التبريرية يقدم وجهة نظر تقول بأن ما حصل في زمن النظام القديم هو مجرد حقيقة تاريخية لا يمكن أن ترتقي إلى أن تكون حقيقة جنائية وهذا يعني أن ما حصل قد أصبح في عداد التاريخ ولا داع من العودة إليه ومجاله التحقيق التاريخي لا غير وبأن الحل الأمثل فيما قام به ملك المغرب محمد الخامس من ترضية لضحايا حقبته السياسية المظلمة وينتهي الأمر وبهذه الطريقة تتم المصالحة وتطوى صفحة الماضي من دون كشف عن الحقيقة ومن دون اعتراف بالذنب والخطأ ومن دون تقديم الاعتذار ومن دون القبيول من الضحية ومن دون تحمل الدولة مسؤوليتها قي جبر الضرر المادي والمعنوي عما حصل من تعطيل الحياة للكثير من التونسيين ومنعهم من مباشرة حياتهم بصفة طبيعية كمواطنين من حقهم أن يعبروا عن آرائهم بكل حرية وأن يحصلوا على نصيب من الثروة الوطنية بالتساوي بين الجميع.
نوفل سلامة
20 جوان 2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı