في انتظار فعاليات الجمعة 15 و موقف المؤسسة العسكرية … الجزائر بين خياري “فترة انتقالية قصيرة” و”مجلس تأسيسي .. بقلم علي اللافي

تجمع كل التوقعات على أن قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية تلقائيا سيكون أحد أوجه التسوية للوضع الراهن دون الخروج أو تجاوز الأطر الدستورية، وبذلك ستكون الكرة في مرمى الأحزاب والشخصيات السياسية التي عليها بلورة تصوراتها والشروع في مفاوضات وفتح قنوات الحوار ووضع آليات اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات بعيدا عن مقترح “المجلس التأسيسي” المرفوض من عديد الشخصيات والأحزاب السياسية، وكل ذلك سيمهد ويسمح بتأجيل الانتخابات الرئاسية التي باتت مسألة وقت فحسب وهو ما ستُؤكده فعاليات الجمعة الخامسة عشر غدا الجمعة 31 ماي2019، في انتظار موقف منتظر وحاسم من المؤسسة العسكرية وتحديدا رئاسة الأركان، وفي الأخير عبر فتوى وإقرار المجلس الدستوري بذلك ثم ببلورة تصورات الأحزاب والنخب للمرحلة القادمة، فأي من الخيارين سيتم الاختيار والترجيح خاصة في ظل إعداد حكومة بدوي لمشروع سلطة وطنية خاص بالانتخابات (أنظر الفقرة الثانية من مقال الحال)، وما هي في الأخير أهم ملخصات المواقف والتطورات؟

1-  حيثيات تأجيل موعد 04 جويلية

  • عمليا أصبح هناك موعد انتخابي بدون مرشحين فعليين واعتباريين وخاصة بعد انسحاب السياسيين “بلعيد” و”ساحلي”، رغم وجود 77 ترشحا وفقا لبلاغ الداخلية الجزائرية…
  • من الواضح أن الحراك الشعبي الجزائري يصر على مطالبه الرئيسية المتبقية، وقد توضح ذلك خلال فعاليات وتحركات الجمعة الرابعة عشر ( 24-05-2019)، والتي ستتدعم عمليا خلال فعاليات الجمعة الخامسة عشر …
  • ببلوغ منتصف ليلة 25-05-2019 تنتهي آجال تقديم الترشحات لموعد 04 جويلية/يوليو القادم…
  • أحمد طالب الإبراهيمي” ( وليس “الأخضر الإبراهيمي”) أصبح مطلب كل النخب بدون استثناء وهو مرشح لقيادة المرحلة الانتقالية صحب مجلس انتقالي من المنتظر أن يضم إضافة إلى رفيقيه في المبادرة، كل من الرئيس الأسبق “اليمين زروال” وشخصية نقابية وأخرى اقتصادية ….
  • تُعتبر مبادرة الثالوث “الإبراهيمي”- “عبدالنور” – “بن يلس”، حل بل فرصة وقارب نجاة للمؤسسة العسكرية والحراك ولكل الجزائر[1]
  • رغم تدخلات القوى الدولية وأجندات القوى الإقليمية ومحاولة الضغط التي تمارسها بأشكال غير مباشرة فان هناك إجماع جزائري على تجنب الفراغ الدستوري وخوض الحوار والتواصل من أجل مرحلة انتقالية تقود إلى مرحلة انتقال ديمقراطي …. [2]

2- مشروع حكومة بدوي لتنظيم الانتخابات

عمليا انتهت حكومة بدوي منذ حوالي أسبوعين، من إعداد مشروع قانون عضوي يحمل مسمى “السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات”، الذي من شأنه أن يمنح عملية تنظيم الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها لهيئة مستقلة، هذه الهيئة التي من المفترض أن تتكون من قضاة، موثقين، محضرين والمجتمع المدني، يتم تعيين أعضاؤها ورئيسها بالانتخاب، وكشفت مصادر مطلعة وقد أطلق على المشروع اسم “السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات”، وهي الهيأة التي من شأنها أن توكل لها مهمة تنظيم الانتخابات والإشراف عليها ومراقبتها، ولم تورد المصادر إن كان للجنة حق إعلان النتائج أو أن الأمر بقي بين يدي المجلس الدستوري، وكشفت المصادر أن تعيين أعضاء الهيئة ورئيسها سيكون بالانتخاب، وتتشكل من ثلاث فئات وهي فئة القضاة والموثقين والمحضرين، وفئة المجتمع المدني وممثلي المهجر وفئة النقابات، وسيكون لكل فئة ثلث يمثلها في “السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات”، على أن يكون رئيسها منتخبا، وبخصوص إطلاق تسمية “السلطة الوطنية” على هذه السلة، هدفه إضفاء عليها الصفة العمومية، ما يعني أنه سيقع على عاتقها وحصرا تنظيم الانتخابات، ولم تستبعد مصادرنا أن يتم التعجيل بمناقشة مشروع القانون لإثرائه من طرف نواب المجلس الشعبي الوطني وذلك بعد الانتهاء من الإشكال الحاصل على مستوى الغرفة السفلى للبرلمان، المتمثل بمطلب رحيل رئيسه معاذ بوشارب، باعتباره مطلبا جماهيريا والآن أصبح مطلبا سياسيا، بعد أن تبنى هذا المطلب عدد من نواب كتلة حزب جبهة التحرير الوطني التي ينتمي إليها بوشارب. من جهة أخرى، يرى البعض تمرير هذا المشروع على مستوى البرلمان بغرفتيه، يحتاج إلى تعديل دستوري، بخصوص المادة 194 التي تتطرق إلى هذه المادة، من خلال تشكيلتها وكيفية تنصيبها وأيضا المهام الموكلة إلى هذه الهيئة. كما أن الأمر يتطلب أيضا تعديل قانون الانتخابات، في الشق المتعلق بهذه الهيئة وأيضا ما تعلق بالعملية الانتخابية برمتها، وهو الأمر الذي يأخذ بعض الوقت. ويرى بعض المراقبين السياسيين، أن السيناريو المطروح لتأجيل الانتخابات إلى موعد لاحق، يخدم هذا المسار، الذي رافعت من أجله أغلب الطبقة السياسية، التي ألحت منذ سنوات طويلة على سحب البساط من تحت الداخلية والعدل والولاة تنظيم الانتخابات، والعمل على تطهير كلي للهيئة الناخبة، على أن يرافق هذا المسار تنحي الوزير الأول نور الدين بدوي ورئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح، مع البقاء ضمن الأطر الدستورية وهو الأمر الذي أجمعت عليه الطبقة السياسية[3]….

3- بين خياري “فترة انتقالية قصيرة” و”مجلس تأسيسي”

على الرغم من الاختلافات الظاهرة بين مختلف التيارات فيما يخص الحلول المقترحة إلا أن أغلب التيارات السياسية[4] التي تقاسمت مطلب تأجيل موعد 4 جويلية، وتمسكت بفترة انتقالية يتم فيها هيكلة وتوفير الظروف المناسبة وتهيئة الأرضية لاختيار الرئيس القادم وفق متطلبات الحراك الشعبي، وبمرافقة مؤسسة الجيش ستكون أمام مسؤولية رسم معالم المرحلة القادمة وتقديم الحلول لاختيار الرئيس القادم، لاسيما بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية والتزام السلطة ومؤسسة الجيش بعدم الدخول في فخ الفراغ الدستوري والالتزام بالحل الدستوري للأزمة تدريجيا، لتكون بذلك الانتخابات الرئاسية القادمة محور رهان وتحد حقيقي للأطراف الفاعلة وورقة حاسمة في المستقبل السياسي للبلاد خاصة من قبل المعارضة التي رسمت حلولا دقيقة لهذه المرحلة بعيدا عن مشروع المجلس التأسيسي الذي تدفع به بعض التيارات الحزبية كمخرج للأزمة وحالة الانسداد الحاصلة، حيث أسقط التوجه نحو تأجيل الانتخابات مشروع المجلس، لاسيما أن هذا الخيار يلقى معارضة شرسة من السلطة القائمة وقيادة الجيش ومن عديد الأحزاب والشخصيات السياسية لخطورته على الوضع العام، ويرفض بن بيتور رئيس الحكومة الأسبق أحمد مسألة المجلس التأسيسي، ويرى أن الذهاب إلى مرحلة انتقالية وحكومة توافق وطني لتسيير المرحلة، من أجل تحقيق التغيير السياسي المأمول من طرف الشارع الجزائري هو الحل المتاح، لاسيما أن الحلول التي تأتي دون المرور على المرحلة الانتقالية لا تملك مفاتيح الأزمة التي تتخبط فيها البلاد، وسيكون مآلها الفشل، كما يرفض رئيس “جبهة العدالة والتنمية”، عبد الله جاب الله، أن يكون الطرح الذي يقدمه في إطار برنامج الحلول التي اقترحها عبارة عن نموذج للمجلس التأسيسي الذي يقول إنه يمكن أن يورط البلد في أزمة لا بداية ولا نهاية، ويفضل الحل السياسي، ووضع الآليات التي تسمح بتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور، مع اقتراح مرحلة انتقالية قصيرة لا تتجاوز ستة أشهر، يسيّرها مجلس رئاسي أو رئيس دولة، في منصب رئيس الجمهورية، يضطلع بمهام الرئاسة، يتكون من 3 إلى 5 أشخاص من ذوي الأهلية العلمية، والخبرة المهنية والسيرة الحميدة، وعدم المشاركة في تسيير شؤون الدولة في عهد بوتفليقة، والمصداقية لدى الشعب وتبنيهم لمطالبه، على أن تقوم المؤسسة العسكرية بتقديم المساعدة اللازمة للهيئة، وتكون المرحلة الانتقالية حسبه لوضع الآليات الدستورية والقانونية المتعلقة بالانتخابات، وحسبه فإن المرحلة الثانية ما بعد 9 جويلية هي الشروع في تنظيم الانتخابات واستدعاء الهيئة الانتخابية تحت إشراف الهيئة المستقلة التي تشرف على الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها على أن تكون المؤسسة العسكرية المرافق والضامن لهذه المرحلة لتطبيق ما يتفق عليه من حلول بين الطبقة السياسية وممثلي الحراك. ورفع بن فليس شعار لا للمجلس التأسيسي في تقديم تصوره لحلول الأزمة من أجل وتجسيد التحول الديمقراطي لأن ذلك سيأخذ منا وقتا طويلا، معتبرا أن الحل المطلوب حسبه هو شكل يضمن سد الفراغ المؤسساتي وتقليص عمر الأزمة عوض أن يمددها بصفة غير محسوبة العواقب، وثالثا: أن يجنب البلد تكاليف لا تطاق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وهذه الشروط توفرها الرئاسيات حسبه وليس المجلس التأسيسي الذي قد يحتاج إلى سنة أو سنتين على حد قوله، لأن المجلس التأسيسي لا بد له من متسع من الوقت لصياغة الدستور الجديد، ما سيبقي البلد تحت طائلة اللا استقرار ومن دون رئيس شرعي وستكون الحكومة مجردة من أي وسيلة إصلاحية ومكبلة الأيدي في وجه ورشات الإصلاح والتقويم، وسيصب المجلس التأسيسي كل اهتمامه على صياغة الدستور وسيضيع الاقتصاد الوطني[5]، ويمكن الجزم أن أغلب الشخصيات الوطنية والأحزاب والمنظمات والمؤسسات السيادية الجزائرية ترغب في فترة انتقالية قصيرة بدلا من خيار المجلس التأسيسي والذي رغم أنه مقترح موجود إلا أن الجميع حذر منه ولم يكن يوما مطلبا طوال فعاليات الــ14 جمعة منذ 22 فيفري تاريخ إعلان الجزائريين رفض العهدة الخامسة…

4- مقترح “منظمة المجاهدين”

دخلت المنظمة الوطنية للمجاهدين الجزائرية، أمس الأحد 25ماي، على خط الهيئات الباحثة عن إيجاد حل للأزمة التي تعصف بالجزائر منذ بداية الحراك الشعبي في شباط/ فبراير الماضي، حيث دعت إلى عقد ندوة وطنية لوضع خارطة طريق تمكن من الاستجابة للمطالب الشعبية في أقرب الآجال، وتسمح لمؤسسات البلاد مواصلة مسارها بصورة عادية، وفي بيان لها، توقفت المنظمة عند مختلف التفاعلات التي تشهدها الساحة الوطنية، وتداعياتها التي ترى بأنها “تلزمنا بالشروع في تهيئة الظروف لاحتضان حوار وطني جاد ومسؤول”، مقترحة في هذا الصدد، تنظيم ندوة وطنية تضم كل الأطراف الفاعلة من ممثلين للحراك الشعبي، وأحزاب سياسية، ومنظمات وطنية، ونقابات وغيرها. وتعتبر المنظمة هذه الندوة “الإطار المناسب لمناقشة وإقرار ما ينبغي اتخاذه من خطوات ضمن رؤية وطنية[6]….

5- آخر التطورات وملخص المقترحات والبدائل

  • قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية هو أحد أوجه التسوية للوضع الراهن في الجزائر دون الخروج أو تجاوز الأطر الدستورية…
  • فكرة المجلس التأسيسي مرفوضة من أغلب الأحزاب السياسية في الجزائر..
  • حكومة بدوي أعدت منذ أسبوعين (أي منط 10 ماي/آيار الحالي) مشروع سلطة وطنية خاص بالانتخابات..
  • منظمة المجاهدين ذات الرمزية المعنوية والتاريخية تقترح عقد ندوة وطنية لوضع خارطة طريق للخروج من الأزمة الراهنة…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع: 

[1]  مقال الكاتب تحت عنوان “موعد 04 جويلية في حكم التأجيل وسط تتالي المقترحات والبدائل لحل الأزمة“، موقع “المغاربي للدراسات والتحاليل”، (www.almagharebi.net) بتاريخ 25-05-2019

[2]  نفس المصدر السابق – بتصرف-

[3]  أنظر تقرير ليومية “البلاد” الجزائرية حول مشروع القرار “سلطة وطنية لتنظيم الانتخابات الرئاسية“، العدد 5932 بتاريخ 27 ماي 2019 – بتصرف –

[4]  لفهم المشهد الحزبي الجزائري والمشهد السياسي راجع مقالي الكاتب:

  • الجزائر: فسيفساء المشهد الحزبي ومستقبل مكوناته في أفق 2019” دورية 24/24 التونسية ص 16-17 بتاريخ 10-05-2019
  • الجزائر: الحراك الشعبي وملامح الخارطة السياسية الجديدة‘، على أربع حلقات تم نشرها في الأعداد د 103، 104 و106 و107 (أفريل – ماي 2019 من أسبوعية الرأي العام التونسية…

[5]  أنظر تقرير موقع يومية “البلاد” الجزائرية تحت عنوان” تأجيل الرئاسيات يرمي بالكرة في ملعب المعارضة ” بتاريخ 27-05-2019 – بتصرف-

[6]  أنظر مثلا تقرير يومية الشروق الجزائرية “منظمة المجاهدين تقترح خارطة طريق للخروج من الأزمة“، بتاريخ 27-05-2019  – بتصرف –

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *