في اليوم العالمي للقدس … الإسلاميون وصفقة القرن؟ .. بقلم بحري العرفاوي

حين اندلع “الربيع العربي” ذات شتاء تونسي ومصري وليبي ويمني وسوري وسقطت رؤوس ثلاثة بسرعة فائقة وانطلقت الجماهير تلهج بشعارات الثورة وانطلق السياسيون يلهجون بالديمقراطية كان لدي سؤال: من نظَّر للثورة ومن قادها وما هي مشاريعه المستقبلية؟ لا أحد من زعماء الأحزاب يزعم لنفسه قيادة للثورة بل كل يؤكد أنها ثورة الشباب أو أنها غضْبةُ العدالة الإلهية للمظلومين.

Résultat de recherche d'images pour "‫بحري العرفاوي‬‎"
في مركز الجزيرة للدراسات الإستراتيجية بالدوحة سألت السيد رفيق عبد السلام في ماي 2011 وكان مديرا للمركز عند زيارتي له: ألا ترون أن مؤامرة تُحاك ضد الحركات الإسلامية بتوريطهم في الحكم وإفراغ أوروبا والغرب من قياداتهم ومثقفيهم حيث أصبحوا يمثلون عبئا عليه ـ سياسيا وأخلاقيا ـ وخاصة في دعم القضية الفلسطينية وفي قيادة جزء من الرأي العام من الجالية وحتى من المواطنين الأصليين الذين يرفضون الإحتلال والظلم ويتعاطفون مع الشعب الفلسطيني؟ لاحظت أن السؤال فاجأه فقلت له: اشتغلوا على هذه الفرضية.
اليوم تأكدت من صدقية حدسي وأزْدادُ كل يوم اقتناعا بأن الإسلاميين أُريدَ لهم الغرقُ في الفوضى وفي الفشل وفي الصداع الأليم حتى يخرجوا من دائرة الصراع العربي الصهيوني وحتى يظلوا منشغلين بأزماتهم وبما يتهددهم من الفشل ومن الانقلابات بحيث لن يكون لهم متسعٌ من الجهد أو الوقت لتعبئة الرأي العام نصرة لقضية فلسطين وللمسجد الأقصى وللقدس الشريف.
كانت الشعارات المعبّأة بالانتصار لفلسطين حاضرة في أغلب أنشطة الإسلاميين قبل وبعد الانتخابات بل وتمت دعوات لرموز حركة حماس في أكثر من مناسبة وقد سافر وفد حكومي جله من الإسلاميين إلى غزة مساندة لأهلها إثر غارة صهيونية غادرة.
الحركات الإسلامية التي تسلمت مقاليد الحكم سواء منفردة أو ضمن تحالفات أصبحت تجد نفسها في وضعية عملية مختلفة عما هو نظري وشعاراتي…إنها تواجه ضغطا شعبيا ومطالب اجتماعية مشروعة وتواجه أيضا ضغطا سياسيا وأحيانا مطالب تعجيزية ولا تستطيع الاستجابة لا لمطالب الداخل ولا لتسديد الديون الخارجية بل وتجد نفسها مضطرة للاستدانة من جديد من جهات غربية هي على علاقة وطيدة بالكيان الصهيوني ـ ومن يُطعمك يُلجمك ومن يملك قوتك يملك أن يقودك ـ.. ولعلها تكون مكرهة على إبداء مرونة واضحة في الملف الفلسطيني وثمة أكثر من شاهد على ذلك سواء في مصر أو في تونس أو في ليبيا ونحن تابعنا ما تعرضت له حكومة الترويكا في تونس من ضغط شعبي لتجريم التطبيع في الدستور ولكنها لم تستطع أن تعلن الرفض صراحة ولم تستطع أن تفعل بوضوح تحت إكراه السياسة والاقتصاد.
“الربيع العربي” تحول بفعل وصول الإسلاميين إلى السلطة إلى خريف عاصف بوجه القضية الفلسطينية حيث غاب مصطلح” المقاومة” في الخطاب السياسي للإسلاميين بعد وصولهم إلى الحكم تقديرا لدقة المرحلة وصعوبتها، بل وصعدت إلى السطح مبادرات “السلام” واستعاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس دوره النشط في التفاوض بوساطة الخارجية الأمريكية وكادت تتوقف العلاقة بين “حماس” وحلف المقاومة المعروف.
مسار الإسلام السياسي في مصر وتونس وليبيا سيكون له أثره المباشر في تكييف مسار القضية الفلسطينية… التكييف هو بالتأكيد نتاج التحالفات الجديدة التي ستتشكل كرد فعل على مواقف ومسارات سابقة وأعتقد بأن ما يتعرض له الإسلاميون في مصر وتونس تحديدا إنما هو ارتداد لمواقفهم المتماهية مع مواقف أمريكا وحلفائها من الملف السوري بامتداداته الإقليمية والدولية واصطدامه استراتيجيا وقتاليا بما يُعرفُ ب”محور المقاومة”… الإسلاميون يجدون اليوم أن “الربيع” ارتد عليهم وهم يحاصَرون في كل موطن وبأساليب مختلفة وأسوأ ما يتعرضون له هو الانقلاب العسكري في مصر وما تبعه من مجازر ساحة رابعة ومن إعدام لعشرات من قادتها بغاية دفعهم إلى المواجهة العنيفة لتبرير إبادتهم عن طريق العسكر…وفي اليمن تختلط الفكرة الإسلامية بالركام وترتد “الثورة” على نفسها نحو “المذهبية” المقيتة وتحت عنوان “الشرعية” لتكون صاعقا إضافيا بعد الصاعق السوري في تفتيت المسلمين …الإسلاميون في تونس كما العالق بمنصة خشبية على سطح موج …لا يدرون إن كانوا قد نجوا فعلا أم إنهم سيغرقون، ولا يدرون أي ريح ستأتي من الجارة ليبيا في ظل صراع تتداخل فيه أطراف لكل منها حساباتها وحلفاؤها
هل أفلح المختبر الإستخباراتي العالمي في تحويل الخارطة العربية إلى موقد للإقتتال السياسي والعقدي والمذهبي بين شعوبنا فتُستنزف طاقاتُها وأوقاتُها وأرواح شبابها خارج المسار التحرري الحقيقي للأمة وخارج مسار الصراع التاريخي مع العدو الصهيوني الذي أصبح اليوم في أفضل وضعية لم يشهدها منذ انغراسه في خاصرة أمتنا؟
هل أريد للإسلاميين أن يغرقوا في أزماتِ الحكم والمعارك المذهبية حتى لا يجدوا متسعا من جهد أو وقت يُتيح لهم الانخراط في مواجهة صفقة القرن وتحالف محور التطبيع؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *