في المكتبة الاسلامية: كتاب “نهج البيان في تفسير القرآن” لسماحة الشيخ محمد المختار السلامي .. بقلم محمد العزيز الساحلي

صدر عن مطبعة التسفير الفني كتاب قيّم في ستة (6 )أجزاء لأستاذنا الجليل سماحة الشيخ سيدي محمد المختار السلامي حفظه الله مفتي الجمهورية التونسية سابقا أطلق عليه اسم “نهج البيان في تفسير القرآن” فأثرى بذلك المكتبة الإسلامية بهذا التفسير المقيد لكتاب الله العزيز. بوقبل التطرق لهذا الأثر النفيس لابد من التعريف ولو باختصاربالمؤلف.

. هو العلامة الاستاذ الخطيب المفتي الفقيه سماحة الشيخ محمد المختار بن احمد بن محمد السلامي، ولد بصفاقس يوم 10 اكتوبر 1925 ونشأ في بيت علم وصلاح، اذ كان والده من رجال التجارة المعروفين بالتقوى والنزاهة. بعد حفظ القرآن الكريم والتحصل على الشهادة الابتدائية ألحقه والده بالفرع الزيتوني في صفاقس سنة 1939 حيث نال شهادة الأهلية ثم التحق بجامع الزيتونة المعمور في العاصمة فاندرج في سلك طلبته الى أن احرز على شهادة التحصيل في العلوم بامتياز (الناجح الأول) ثم واصل تعليمه العالي بجد وكد الى أن تحصل على شهادة العالمية “شعبة أصول الدين” سنة 1948 وكانت رتبته الأولى بملاحظة حسن جدا. ثم نجح بعد ذلك في مناظرة التدريس (وكان الناجح الاول ايضا) فدرّس بجامع المهدية ثم بجامع الزيتونة. شارك فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي في مناظرة التدريس من الطبقة الثانية فنجح فيها بامتياز وذلك سنة 1952. وفي سنة 1956 عيّن مديرا للفرع الزيتوني ببنزرت ثم انتقل سنة 1959 الى الحاضرة ليشغل خطة مدير للفرع الزيتوني اليوسفي . وفي سنة 1962 عهدت اليه خطة ناظر عام بمعهد ابن شرف فقام بهذه المهمة أحسن قيام. وفي سنة 1977 عين متفقدا للتعليم الثانوي العام، ثم كلف بعد ذلك وبالتحديد سنة 1979 بخطة متفقد أول للتعليم الثانوي واستمر في مباشرة هذه الخطة بكل أمانة الى ان عيّن مفتيا للجمهورية التونسية سنة 1984 خلفا للعلامة الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة رحمه الله. مع الملاحظ وأن سماحة الشيخ سيدي محمد المختار السلامي اضطلع بمهمة تدريس الدراسات القرآنية والفقهية والاصولية في الكلية الزيتونية للشريعة واصول الدين الى حدود سنة 1986 وقد نالني شرف التتلمذ اليه والاستفادة من علمه الغزير جزاه الله عنا كل خير. لقد اعتنى أستاذنا الجليل منذ أمد بعيد بالتأليف والتحقيق والبحث وكان يجد في ذلك متعة لا تعادلها اية متعة، فحقق الكتب النفيسة وراجعها وعرّف بأصحابها فكان من مدرسي الزيتونة القلائل الذين أثروا المكتبة العربية الاسلامية بتآليفهم وتحقيقاتهم القيمة فجعل الله ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة. ومن تآليفه المنشورة نذكر بالخصوص: ـ رسالة في التعليم الزيتوني ووسائل اصلاحه ـ العبادات: الصلاة والزكاة والصوم والحج ـ الاسرة والمجتمع ـ نظام الحكم في الاسلام ـ النظام المالي في الاسلام ـ الاجتهاد والتجديد ـ الهداية الاسلامية من خلال الخطب الجمعية (4 أجزاء) ـ القياس وتطبيقاته الاقتصادية المعاصرة ـ تحقيق شرح التلقين للإمام المازري (ثمانية 8 أجزاء) ـ القسم في اللغة وفي القرآن ـ الطب في ضوء الايمان ـ الفتاوى الشرعية (وقد نالني شرف جمع هذه الفتاوى القيمة وترتيبها) ـ نهج البيان في تفسير القرآن (ستة 6 أجزاء) الذي صدر في المدة الاخيرة، ليسد ثغرة واسعة في علم التفسير، لانه يمثل محاولة جادة لتبسيط هذا العلم الشريف وتقريبه من الدارسين بأسلوب بيداغوجي مبتكر ذلك أن التفسير كما يعرّفه الاستاذ الامام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه “التحرير والتنوير”:

“هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع”. لذلك هناك من المفسرين من جعل تفسيره موجها للمختصين في العلوم الشرعية واللغة العربية دون سواهم امثال الزمخشري والبيضاوي والرازي والقرطبي وابن عاشور وهناك من انتهج التبسيط والايجاز حتى يكون تفسيره للقرآن الكريم في متناول الجميع امثال السيوطي ومحمد رشيد رضا ومحمد علي الصابوني. ولقد اختار شيخنا المفضال هذا المنهج اي منهج التبسيط والتيسير. يقول العلامة الشيخ محمد المختار السلامي في مقدمة تفسيره (ج1 ،ص9″ (طلب مني كثير ممن اتسعت آفاق تفكيرهم وبلغوا في اختصاصاتهم المتنوعة حدا مرموقا من المهندسين والاطباء والصيادلة والحقوقيين وتعلقوا تعلقا كبيرا بالقرآن يتلونه، ويشعرون شعورا مجملا بجلاله، سألوني هل يوجد تفسير يصل بينهم وبين القرآن يهتم ببيان معانيه، وهديه الراشد، لا يعجزهم متابعته ويندمجون بواسطته في الجو القرآني لاتباع هديه وتعميق ايمانهم بطريقته في الدعوة الى الله، وفتح أبواب الخير، ويقوّمون سلوكهم على أصوله، وينير أرواحهم ومشاعرهم ما تميز به. ولم أجد فيما اعلم من راعي في تفسيره ذلك، وألحوا علي في الطب لأقوم بهذه المهمة”. وفعلا فقد استجاب استاذنا الجليل لهذا الطلب بعد أن استخار الله عز وجل بالروضة النبوية الشريفة وشرع في تفسيره للقرآن الكريم حتى أتمه على أحسن وجه بتوفيق من الله تعالى، واعتمد في تفسيره هذا على رواية قالون عن نافع رضي الله عنهما ولم يتعرض لاختلاف القراء، تيسيرا على القارئ حتى يحصر فهمه في النص على وجه واحد. ونصح من يرغب في تتبع القراءات وما يترتب على ذلك من اختلاف في فهم للآية أن يعود الى تفسير ابن عطية رحمه الله الذي عني بذلك وأجاد.

لقد كان منهج شيخنا في هذا الكتاب كما صرّح هو بذلك في المقدمة (انظر ج 1 ص11 (أن يعتني أولا بشرح الألفاظ التي يتوقع أن التالي في حاجة الى بيانها، ثم يقوم بشرح اجمالي للوحدة القرآنية دون تفصيل ليجد فيها القارئ الاصول التي تدل عليها. وكثيرا ما كان أستاذنا حفظه الله يجتهد ويأتي بآراء جديدة لم يسبقه إليها احد من المفسرين كتفسيره لقوله تعالى :”إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن با瀀 واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا يحزنون” (سورة البقرة، آية 62 (اما الآيات التي لم يصل فيها الى رأي راجح مقبول فقد كان ينبه عليها ويفوض امر تفسيرها الى العليم الخبير، كقوله عز وجل: “وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم” (سورة النمل آية 82 . (يقول في خصوص هذه الآية:” بعد التأمل ومراجعة ما كتبه السابقون لم أجد تصورا مقنعا في تعيين المراد من الدابة، ففوضت الامر الى عالم الغيب”. تلك هي نبذة وجيزة عن هذا الكتاب القيم الذي سيفيد طلاب العلم وعموم المسلمين وعن مؤلفه الاب الروحي سماحة الشيخ سيدي محمد المختار السلامي العالم الزيتوني الرباني المخلص لدينه ووطنه تاركين للقارئ الكريم متعة الاطلاع عليه عن قرب (يمكن لمن أراد الحصول عليه أن يتصل بمكتبة دار سحنون للنشر والتوزيع بتونس) مجددين ابتهاجنا وتهنئتا لأستاذنا الجليل متمين له موفور الصحة والعافية وطول العمر حتى يواصل عطاءه العلمي وانتاجه الفكري المفيد، داعين الله العلي القدير أن يجازيه عما قدمه من أعمال خيرية ومن علم بثه في صدور الرجال أحسن الجزاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *