في الاقتصاد الإسلامي: من الجودة إلى الإتقان .. بقلم عبد النبي أبوالعرب

بمناسبة هذا الشهر الكريم، سنحاول أن نلقي الضوء على بعض المفاهيم المركزية في التصور الاقتصادي الإسلامي. ولنبدأ بمفهوم الجودة ورديفه في الإسلام، الإتقان.

يعتبر مفهوم الجودة من أساسيات علوم الإدارة والتدبير المعاصريين. فهي النتيجة المحصلة لكل هذه العلوم في منتوج الشركات وخدماتها. على أساس القاعدة القائلة بأن الجودة هي أساس نجاح المقاولة في اختراق الأسواق وفي اكتساب ثقة الربناء. فما هي الجودة إذن ؟

هذا المصطلح اليوم تشعب وتعمق واتسع وأصبح لوحده تخصصا علميا عملاقا. وأصبحت له مدارس ومؤسسات استشارية عالمية وآليات ومجلات ونماذج ومعايير دولية (Famille Normes ISO 9000). ومن أبسط التعاريف وأقواها التي يمكن أن نستدعيها حول الجودة وهي التعريف التالي : الجودة هي كون المنتوج مطابقا للطلب ! فكلما اقتربت من انتظارات الزبون، كلما اقتربت من الجودة، كما يمكن تحديده على الشكل التالي : الجودة = أداء المنتوج/انتظارات المستهلك.

هذا هو سقف الجودة. أن يكون منتوجك كما يريده الزبون. لنتحدث الآن عن مفهوم الإتقان في الإسلام. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح “إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ”، ويقول في الحديث الصحيح الأخر “إن الله كتب الإحسان على كل شيء”.

هذا هو مفهوم الإسلام للمنتوج. فهو لا يجب أن يكون فقط موافقا لانتظارات الزبون، بل يجب أن يتعالى إلى أسمى درجات الإتقان والإحسان في العمل والإنجاز. فالزبون لا يعلم بكل خبايا الإنتاج وكل إمكانات التطوير التقنية والفنية والمادية التي يمكن أن تتوفر في المنتوج. هذا من مسؤولية المنتج الفنان المبدع المهندس، الذي وحده يملك الخبرات والتقنيات والأسرار الخفية في عالم المواد الأولية وعمليات التحويل والتحفيظ والمتانة والاستمرارية وغيرها من مؤشرات تعيير أداء المنتوج.

هل هذا يعني أن هيكلة الإنتاج لا يجب أن تتوفر على مستويات في المردودية والأداء والأثمنة… (Gamme de Produits) ؟ لا بالطبع !

إلا أنه إذا اتفقنا أن المنظور الإسلامي لا يمكن أن يتجاهل هذه المعطيات التي يفرضها الطلب في السوق، خاصة من باب القدرة الشرائية للمستهلكين، فإنه وجب التأكيد أساسا على أن الصانع يجب أن يؤدي خدمته (Main d’Oeuvre) والقيمة الذي تعود إليه في صياغته اليدوية بكل إخلاص وتفان وإبداع حتى يجعل في صناعته أقصى ما يستطيع من الإتقان والإحسان، بناء على ما توفر لديه من مواد أولية ووسائل للعمل.

حيث نفهم على هذا المنوال كيف أن المنظور الإسلامي للإنتاج والصناعة والخدمات يؤسس لمقاربة تقطع مع الرؤية الغربية، حيث تجعل مسؤولية الصانع في مركز مسلسل الإنتاج والأداء، بناء على عقيدته وقيمه من جهة وخبرته من جهة أخرى، على اختلاف مع المنظور الغربي الذي يلقي المسؤولية على الزبون، المحدود في الخبرة والتطلع والمعرفة أمام الصانع الخبير المتمكن من صنعته.

في الخاتمة، من نافلة القول أن هذه المقاربة الإسلامية من شأنها أن تحدث الطفرة النوعية اللازمة في كل مراحل معاملاتنا الإنتاجية والتجارية والخدماتية، بما ستمكن من إعادة بناء الثقة في معاملاتنا أولا، وفي منتجاتنا ثانيا، كأحد أهم معايير النجاح في عالم الأعمال والاقتصاد في كل أسواق العالم.

*أستاذ جامعي، دكتوراه في علوم التدبير والتسويق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *