فيما العالم يتجه نحو تحالفات جديدة .. تونس تتخلف عن اللحظة التاريخية .. بقلم جنات بن عبد الله

 

رغم الإعلان عن انهيار الاقتصاد الوطني بعد جائحة كورونا وتوقع تسجيل نسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي سلبية تتجاوز 6 بالمائة خلال هذه السنة وما سينجر عن ذلك من ارتفاع لفاتورة التضحيات لعقود قادمة، يتواصل الصراع السياسي على الكراسي والمواقع في مناخ يغلب عليه التهريج والاستهتار بمصير شعب قدم تضحيات جسيمة من أجل لحظة تاريخية يستعيد فيها سيادته على قراره الوطني.

الإصلاحات الاقتصادية: ضعف في الطرح الوطني … تملؤه الأطراف الدولية ...

ويبدو أن المفاهيم المرتبطة بالسيادة الوطنية، والدولة الوطنية، والقرار الوطني، قد اندثرت وتبخرت من قاموس حكام تونس الجدد الذين غرقوا في مستنقع التفاهات وبالغوا في التشبث بصراعات مفتعلة لا جدوى منها في مسار رفع التحديات الرابضة على حافة خارطة طريق حكومية تنتظر هدنة سياسية واجتماعية.

لقد كشفت جائحة كورونا في كل بلدان العالم المستور وعرت حقيقة النظام العالمي وحدوده ليعاد خلط الأوراق في اتجاه فتح المجال أمام قوى عالمية، سرعت جائحة كورونا، في تحررها من قيود وهمية ومسقطة جاءت بها مؤسسات يريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية ممثلة في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة وهياكل منظمة الأمم المتحدة، تقوم على مزيد اثراء الأثراء وتفقير الفقراء.

لقد عمقت هذه المؤسسات الدولية الفجوة التنموية بين العالم الغني والعالم الفقير الذي تمت السيطرة عليه في إطار اتفاقيات دولية ومعاهدات وشراكات اقتصادية وتجارية صممت على مقاس مصالح الشركات العالمية ورأس المال العالمي.

ورغم انحياز موازين القوى، التي تشكلت في ظل هذه الاتفاقيات، لفائدة العالم المتقدم، لم يتردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اعلان تمرده على نواميس مؤسسات النظام العالمي لضرب منافسيه، وفي مقدمتهم الصين، لتوفير شروط مزيد احكام السيطرة والهيمنة وقطع الطريق أمام بديل بدأ يتشكل بعد انخراط الصين في المنظمة العالمية للتجارة في سنة 2001.

في ذات السياق قوضت جائحة كورونا عرش فرنسا، ووراءها الاتحاد الأوروبي، وخاصة في مستعمراتها القديمة ليخرج الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وفي حوار تلفزي بتاريخ 27 جويلية 2020 ليعلن عن قلقه من تغيير محور العالم، من الغرب أمس… الى الشرق اليوم، كما جاء على لسانه ليستطرد بالقول “لقد هيمنا على العالم، واليوم لا نسيطر عليه على الاطلاق” في إشارة الى ما يحدث في اسيا من تشكل جديد لموازين القوى لصالح الصين.

قلق ساركوزي بشأن تبخر “الماضي المجيد لفرنسا” كما عبر عنه في الحوار مرده تبلور بديل للنظام العالمي بدأ يظهر في اسيا وتقوده الصين من خلال إقامة تحالفات جديدة تضرب التحالفات التقليدية التي سيطرت عليها الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا، ووراءها الاتحاد الأوروبي، على غرار التحالف الأخير الصيني – الإيراني.

لقد سيطرت فرنسا على العالم بصفة مباشرة وغير مباشرة عن طريق قوتها التصويتية في صندوق النقد الدولي لتحوز على 4.86 بالمائة من مجمل قوة التصويت مقابل 16.74 بالمائة للولايات المتحدة الأمريكية و6.01 بالمائة لليابان و5.87 بالمائة لألمانيا فيما يتمتع الاتحاد الأوروبي ب 30 بالمائة من مجمل القوة التصويتية مقابل 3.81 بالمائة للصين.

قلق ساركوزي بشأن تغيير محور العالم جاء على خلفية التحرك الصيني في اسيا بعد الإعلان عن تقدم المفاوضات الجارية بين الصين وإيران لإبرام اتفاقية شراكة بين الطرفين على امتداد 25 سنة تتمكن بفضله الصين من تأمين تزودها من النفط، وإيران من تمويل مشاريع في البنية التحتية بقيمة 400 مليار دولار من قبل البنك الاسيوي للاستثمار من أجل البنية التحتية الذي انطلق نشاطه بتاريخ 16 جانفي 2016 بعثته الصين كبديل عن البنك العالمي الذي عمق الفقر والتهميش تحت عباءة مقاومة الفقر.

في الاجتماع السنوي الخامس للبنك الاسيوي للاستثمار من أجل البنية التحتية المنعقد يوم 28 جويلية 2020، ألقى الرئيس الصيني كلمة قدم فيها هذه المؤسسة المالية كإجابة عن التساؤلات التي أفرزتها العولمة الاقتصادية وأزمة كورنا لفتح المجال أمام تحالفات جديدة وبديلة تمنح شعوب العالم افاقا جديدة ومتنفس لأزماتها الداخلية التي كرستها وعمقتها مؤسسات بريتون وودز، بصفة مباشرة وغير مباشرة، يحركها جشع الشركات العالمية ورأس المال العالمي من جهة، وهوس وخوف القوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، من فقدان سيطرتها على مواقعها الاستراتيجية في العالم من جهة ثانية.

في ظل هذا الحراك العالمي تتضافر الجهود في تونس من أجل مزيد اغراق البلاد في التهميش بالحفاظ على تحالفات وشراكات لم نجن منها سوى مزيدا من الأزمات والصراعات الوهمية.

لقد دخلت تونس بعد انتخابات سنة 2019 مسار الانهيار في غياب رؤية تقوم على الاستفادة من الحراك الدولي الذي يدفع نحو تغير محور العالم.

وبعد الآمال التي حملها الشعب التونسي في هذه الانتخابات الأخيرة لإخراج تونس من قبضة المحور التقليدي، يبدو أن كل المؤشرات تتجه نحو تعميق التبعية لمحور في حالة احتضار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *