فيما الأحزاب تتسابق في اختيار “الشخصية الأقدر” .. يواصل الاقتصاد انزلاقه نحو المجهول .. بقلم جنات بن عبد الله

بقطع النظر عن شبهة “تضارب المصالح” التي طالت رئيس الحكومة المستقيل الياس الفخفاخ، فان كل المؤشرات كانت صارخة وتنبؤ بفشل الحكومة المستقيلة في الاستجابة لتطلعات الناخبين الذيم تم الالتفاف على اختيارهم باللجوء الى صيغة حكومة الرئيس. هذه الصيغة، التي مهما قيل عن جدواها، تبقى خاضعة لعوامل خارجية مرتبطة بالمشروع الأوروبي في تونس وبتوجهات صندوق النقد الدولي والنظام العالمي في المنطقة، أكثر منها داخلية في تناغم مع نتائج صندوق الاقتراع.
ورغم فشل التجربة الأولى التي قامت على اختيار ما سمي “بالشخصية الاقدر” بناء على معايير تبقى في الأخير خاضعة للسلطة التقديرية للأحزاب في المقام الأول والسلطة التقديرية لرئيس الجمهورية في المقام الثاني ليجد الشعب نفسه في الأخير مغيبا وخارج السياق باعتبار طبيعة موازين القوى السياسية والحزبية في البلاد من جهة، وطبيعة موازين القوى داخل مؤسسة الرئاسة من جهة ثانية.

الإصلاحات الاقتصادية: ضعف في الطرح الوطني … تملؤه الأطراف الدولية ...
وبناء على مراسلة بعثت بها رئاسة الجمهورية للأحزاب السياسية، فان يوم الخميس المقبل 23 جويلية 2020 هو اخر أجل لتقديم هذه الأحزاب مرشحيها لرئاسة الحكومة، وقد انطلقت في موفى الأسبوع الماضي الأحزاب في المشاورات داخلها وفيما بينها لاقتراح “الشخصية الأقدر”، ليطفو من جديد الجدل حول مواصفات هذه الشخصية والاسماء المقترحة بعيدا عن حقيقة المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي والنقدي الذي أفرزته الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في علافتها مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
ولئن نفذت حكومة يوسف الشاهد ما جاء في رسالة النوايا الأولى التي أمضاها الياس الفخفاخ في فيفري 2013 بصفته وزيرا للمالية مع محافظ البنك المركزي أنذاك الشاذلي العياري والموجهة للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، ورسالة النوايا الثانية الممضاة في ماي 2016 من قبل وزير المالية سليم شاكر ونفس محافظ البنك المركزي، وما جاء في القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي بتاريخ 14 سبتمبر 2016 الداعي الى الإسراع بالتوقيع على مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق ومراجعة عديد القوانين والمجلات بما في ذلك مجلة الأحوال الشخصية، وترجم كل ذلك الى قوانين صادق عليها مجلس النواب السابق، فقد عبدت الحكومة المستقيلة طريق عملها خلال السنوات الخمس القادمة برسالة النوايا الثالثة التي أمضاها وزير المالية محمد نزار يعيش ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي بتاريخ 2 افريل 2020 وتعهدت الدولة التونسية فيها بمواصلة تنفيذ ما تم اقراره والتعهد به من قبل الحكومات السابقة والذي يمكن اختزاله في:
– مواصلة اعتماد سياسة التقشف في مجال المالية العمومية،
– مواصلة اعتماد سياسة نقدية متشددة وسياسة صرف مرنة من قبل البنك المركزي بما يترك الدينار خاضعا لقانون العرض والطلب بالسوق النقدية،
– مواصلة الانفتاح على الاستثمار الأجنبي ورفع كل ما يطلق عليه “بالقيود” في إطار الترسانة التشريعية التي مررها يوسف الشاهد في البرلمان والتي تشكل البنية التشريعية لاتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق.
ان “الشخصية الأقدر” التي تبحث عنها الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة في صيغة حكومة الرئيس، هي في الأخير الشخصية الاقدر على الانضباط بتنفيذ خارطة الطريق الجاهزة التي شرع في تصميمها منذ قمة “دوفيل” في ماي 2011 بباريس لمجموعة الثمانية والتي دعت لها فرنسا لاحتواء الثورات العربية واحكام قبضة النظام العالمي على شرعية شعوب المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *