غسّان سلامة.. تحدّي الداخل الليبي و تناقض الخارج

استضافت أديس أبابا أعمال مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي، تحت شعار “الانتصار في معركة مكافحة الفساد، نهج مستدام نحو تحول أفريقيا”. و كانت الأزمة الليبية حاضرة على جدول أعمال القمة. ونشط فيها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، غسّان سلامة، الذي أجرى عدة لقاءات مع مسؤولين و قادة أفارقة، في محاولته الدفع نحو إيجاد مخرج من الأزمة الليبية.

و أكد، في تغريدات على “تويتر”، ضرورة زرع الأمل عند مختلف الأفرقاء بإمكانية خروج ليبيا من عثرتها، و ضرورة عودتها دولة آمنة سيدة مستقلة، على الرغم من المصاعب و العثرات لما فيه خير أبنائها و جيرانها على السواء. و كان سلامة قد التقى رئيس تنزانيا السابق و الممثل رفيع المستوى للاتحاد الأفريقي في ليبيا. و أجرى محادثات مع وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، و بحث مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، تطورات العملية السياسية في ليبيا.

يدرك المبعوث الأممي أهمية دور القوى الإقليمية الأفريقية في دعم خطته الطموحة “خطة العمل من أجل ليبيا” التي وضع لها سقفا زمنيا حتى سبتمبر 2018، للوصول إلى نهاية المرحلة الانتقالية، بانتخاب رئيس و برلمان تحت إشراف الأمم المتحدة في بلدٍ مزقته الحروب الداخلية. و يعاني منه المواطن من ظروفٍ اقتصادية غاية في الصعوبة، لاسيما أن الاتفاق السياسي الليبي، بعد عامين على توقيعه في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر  2015، لم يؤدّ إلى حل الصراع السياسي والعسكري في ليبيا، أو إلى تقدم في مسار العملية السياسية. و ما زالت ليبيا تئن تحت وطأة أزمات معقدة (سياسية، أمنية، اقتصادية وقبلية) قد تدخل البلاد في مزيد من الفوضى، يدفع ثمنها المواطن الليبي. لذا ارتكز غسان سلامة، في تحركاته الدبلوماسية، على قراءتين:

الأولى، قراءة المشهد السياسي و العسكري الداخلي: منذ اختيار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، له مبعوثا جديدا له إلى ليبيا، بدأ وزير الثقافة اللبناني السابق، غسّان سلامة، عمله منذ نهاية جويلية 2017 بعقد سلسلة من اللقاءات مع كل القوى السياسية فقد اجتمع برئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، و بالعقيد خليفة حفتر، و برئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، و أجرى حوارات معمّقة مع كل القوى السياسية والمدنية في مدينة مصراته و طرابلس و بنغازي.

و على خلاف المبعوث السابق، مارتن كوبلر، ابتعد سلامة عن الإعلام و التصريحات و عمل مع فريقه بهدوء على صياغة خطته التي تبنّاها مجلس الأمن التي تقضي، بعد القيام بسلسلة من الإجراءات التشريعية والسياسية والأمنية، بإجراء انتخابات في سبتمبر 2018. و تمس التعديلات، على المستوى التشريعي، تعديل مواد في الاتفاق السياسي الليبي (الصخيرات) و تركيبة المجلس الرئاسي ووضع الجيش الليبي، وطرح مشروع الدستور على البرلمان الليبي للتصديق عليه. أما المستوى السياسي فيتضمن عقد مؤتمر وطني برعاية أممية، يشمل مجلسي النواب والرئاسي، ومن همشوا واستبعدوا، بالتزامن مع إطلاق مصالحات محلية، مع التركيز على الكتائب المسلحة لدمجها بالمؤسسة العسكرية.

الثانية، قراءة خريطة التحالفات الإقليمية و تأثيرها على المشهد السياسي الداخلي الليبي: يسعى غسّان سلامة، من خلال الحراك الدبلوماسي، إلى الحصول على مزيد من الدعم لخطته، و التقليل من تأثير القوى الإقليمية في مسار الأزمة الليبية، أو على أقل تقدير جعله إيجابيا يخدم العملية السياسية، بدلا من أن يكون عاملًا معيقًا و معقدًا لها. و في النهاية، إيجاد حالة من التوافق الإقليمي في دعم خطته إدراكًا منه أن النزاع الدائر في ليبيا لا يمكن فهمه وتوصيفه من دون التطرق إلى أدوار القوى الإقليمية، و في مقدمتها الدول التي ترتبط جغرافيا فيها (مصر، الجزائر، تونس، تشاد) التي تملك شبكة من المصالح الاقتصادية و الأمنية المعقدة في ليبيا، و قدرة على التأثير في مواقف القوى السياسية و العسكرية في ليبيا. و تسعى جاهدة أيضًا، في الوقت نفسه، إلى تعظيم دورها الإقليمي من البوابة الليبية. و هذا يستدعي، بالطبع، جهدًا مضاعفًا منه، و رغبة حقيقة من القوى المحلية ( العسكرية و السياسية الليبية)، و القوى الإقليمية في التوصل إلى خريطة طريق، تقود، في نهاية المطاف، إلى الاستقرار في ليبيا.
أحمد قاسم حسين
كاتب وباحث فلسطيني في مركز الأبحاث ودراسة السياسات، مقيم في الدوحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *