عيد الإستقلال و مناخات التازم …. بقلم المنصف السليطي

يحتفل التونسيون يوم الأربعاء 20 مارس 2019، بذكرى 63 لعيد الاستقلال إحدى المحطات المضيئة في تاريخنا لما جسدته من انتصار للشعب في معركة نضال طويلة امتدت من سنة 1881 إلى عام 1956، من أجل الحرية والكرامة وبناء الدولة الوطنية المستقلة ورد الإعتبار لهوية البلد وحضارته. لذلك يعتبر عيد الاستقلال من أهم المناسبات التي يستحضر فيها التونسيون نضالات أبناء وبنات الشعب التونسي وشهداء تونس في مواجهة قوى الاستعمار لاستعادة الوطن من الوصاية الخارجية. وهو تذكير للأجيال الناشئة بمدى معاناة الآباء من أجل الحصول على حقهم في تقرير مصيرهم وفرصة لإحياء مشاعر روح المواطنة وحب الوطن في قلوبهم. وسيحتفل الشعب التونسي هذه السنة بعيد الاستقلال ، أي نعم بعد أن كللت ثورتهم بدستور ديمقراطي جديد و وبتركيز أغلب مؤسسات الدولة القانونية والدستورية وقطعنا خطوات إيجابية في تجسيد وتثبيت المسار الديمقراطي للبلاد ولكن ومما لا جدال فيه كذلك في ظل أوضاع اقتصادية و اجتماعية صعبة وفي ظل إهتراء منظومة الحكم والمعارضة وتعدد مظاهر الخلل ونقاط الضعف في منظومة الثورة وعودة مخازنية العهد السابق للإمساك بخيوط اللعبة السياسية بتونس.
وقد جاء الاستحواذ الاستعماري على “أيالة” تونس ضمن سياقات تاريخية عامة ميّزت العالم خلال القرن التاسع عشر وهي التوسع الأوروبي لاقتسام العالم والهيمنة عليه، وقد انجرّ عن الأطماع والضغوطات الخارجية، إثر التسرّب التجاري والمالي الأوروبي، تدهور أوضاع البلاد إلى درجة الأزمة السياسية وتعرّض جلّ محاولات التقدّم والإصلاح إلى صعوبات وفشل. وحولت فرنسا السيطرة المالية إلى هيمنة كاملة بعد الاحتلال العسكري ومنها إلى احتلال شامل وكامل بعد إمضاء معاهدة المرسى في 8 جوان 1883، واليوم محدقة بنا العديد من المخاطر جراء ضعف التوازنات المالية والتدهور المفزع لقيمة الدينار أمام العملات القوية وتفاقم العجز التجاري وتصاعد المديونية بشكل صاروخي وهيمنة القوى المالية العالمية وفرض سياساتها المالية علينا ،وكل هذا يذكرنا بأن بلادنا قد استعمرت عبر البوابة المالية اولا فلا تستهينوا بالموافقة على مشاريع مثل “أليكا ” التى تسمح للرأس المال المعولم بتطويع كافة المجالات والأنشطة الإنتاجية الصناعية والخدمية والتجارية التونسية إلى الأهداف التى رسمتها وهي في النهاية معارضة لمصالح تونس العليا.
ومما يحز في القلب أن عيد الاستقلال تحول إلى إجازة رسمية وأقتصر على مناسبة احتفالية يتيمة تقام بالقصر الجمهوري يدع لها “سادة “القوم بينما لا تكاد تجد أثرا لمظاهر الزينة والاحتفاء بهذه المناسبة لدى الشعب التونسي على غرار شعوب البلدان الديمقراطية التي تهتم بأعيادها الوطنية وتجعل منها مناسبة يستعيد فيها الضمير الجمعي حيويته والوجدان الشعبي عافيته ويحي ذكرى العيد ويصبح عامل التقاء ووحدة وانسجام ونقطة ضوء للانطلاق نحو المستقبل .وفي تونس على الرغم من السماح لكافة المنظمات والتيارات بتنظيم التظاهرات التي تريدها للاحتفال ، إلا أن أغلبهم يكتفي بعقد أو حضور بعض الفعاليات الهزيلة التي لا تليق بهذه المناسبة. وكأن الشعب التونسي وهو الذي يعاني ما يعاني من تعدد الكوارث وتدهور المفزع لمنظوماتنا التعليمة والصحية و الاجتماعية ليس في حاجة لتغيير الأحوال والاحتفال والابتهاج ، فلنجعل من هذه الذكرى مناسبة لاستعادة روح الوحدة الوطنية وفرصة ليغزو فيها الفرح والسرور عيون الأطفال وتخليدا لشهدائنا الأبطال الذين ضحوا بدمائهم الزكية من أجل نيل السيادة الوطنية و لتأسيس دولة حرة و مستقلة.بعيدا عن مناخات التأزم و العدم والرداءة و الانهزام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *