عودة على صندوق قطر للتنمية .. التعاطي مع الاستثمار الأجنبي لا يحتمل سياسة المكيالين .. بقلم جنات بن عبد الله

جاءت مصادقة مجلس نواب الشعب في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء 30 جوان 2021، على مشروع قانون أساسي يتعلّق بالموافقة على اتفاقية مقر بين حكومة الجمهورية التونسية وصندوق قطر للتنمية حول فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس، بموافقة 122 نائب، وسط جو مشحون إثر احتجاج كتلة حزب الدستوري الحر ومطالبته بعدم المصادقة على خلفية ضربه للسيادة الوطنية.

وقد تبنى عدد من النواب، الى جانب نواب الدستوري الحر، هذا الموقف ونددوا ببنود الاتفاقية التي اعتبروها خطيرة وتمس من السيادة الوطنية.

في المقابل اعتبرت الأطراف التي صادقت على مشروع اتفاقية المقر أنه من شأن هذه الاتفاقية إعطاء جرعة أكسجين، البلاد بحاجة اليها، في ظرف اقتصادي واجتماعي ووبائي دقيق.

نقاط عديدة انتقدتها الأطراف الرافضة لهذه الاتفاقية من بينها الإعفاءات الجبائية التي تتمتع بها أنشطة الصندوق، وحقه في التعاقد واكتساب الأموال المنقولة وغير المنقولة بما يمكنه من بعث شركات أو صناديق استثمار، وحقه في شراء المؤسسات والمنشئات على الأراضي التونسية دولية كانت أو فلاحية، وحقه في انتداب العمالة الأجنبية مهما كانت جنسياتها…

وبعيدا عن التجاذبات السياسية والأيديولوجية، والشعارات الشعبوية، يفترض تقييم أي اتفاقية مع جهات أجنبية سواء كان شخصا معنويا أو طبيعيا ومهما كانت الجنسية الى الاطار القانوني الذي تخضع له هذه الاتفاقية، بما يفترض أيضا، اذا كانت هناك مؤاخذات، توجيه الانتقادات الى هذا الاطار القانون الذي على أساسه تمت صياغة بنود الاتفاقية باعتبار أن دخول الأجنبي الى تونس، وهو ما يجري به العمل عالميا، يفترض أيضا وجود قوانين مصادق عليها ومثبتة، بما يعني غياب أي احتمال لتغييرها بعد عملية التوقيع، تحمي حقوقه وتؤمن له الية لتسوية النزاع مع الدولة التونسية حسب مقتضيات أحكام الاتفاقية التي أنشأت المنظمة العالمية للتجارة والتي أمضتها تونس يوم 15 أفريل 1994 بمراكش والتي أقرت، بملحق لها، الية لفض النزاعات التي قد تحدث بين الدول والمستثمر الأجنبي تعتمد على مبدأ المصالحة الدولية كآلية أساسية ينبغي اللجوء اليها أولا وقبل كل شيء ولا يتم اللجوء الى التحكيم الا بعد اخفاق المشاورات.

وبمقتضى ذلك نصت الفصول 23 و24 و25 من القانون عدد 71 لسنة 2016 مؤرخ في 30 سبتمبر 2016 يتعلق بقانون الاستثمار، وتحت العنوان السادس، على نظام تسوية النزاعات التي تطرأ بين الدولة التونسية والمستثمر الأجنبي (الفصل 24) والذي نص على:” عند تعذر تسوية النزاع الناشئ بين الدولة التونسية والمستثمر الأجنبي بالمصالحة يمكن اللجوء الى التحكيم بمقتضى اتفاقية خصوصية بين الطرفين”.

ونذكر في هذا السياق بالجدل الذي أثارته فصول تسوية النزاعات عند مناقشة مشروع قانون الاستثمار لسنة 2016 في الجلسة العامة لمجلس النواب حيث تقدم أحد نواب المعارضة أنذاك بمقترح تعديل الفصل 23 الذي دعا الى تسوية كل نزاع يطرأ بين الدولة التونسية والمستثمر وفق إجراءات المصالحة ويعطي للأطراف حرية الاتفاق على الإجراءات والقواعد التي تحكم المصالحة، وفي غياب ذلك يطبق نظام المصالحة للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي.

وجاء مقترح التعديل من المعارضة على أساس رفض اخضاع بلادنا لنظام المصالحة للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي التي أسالت الكثير من الحبر لما أذاقته للعديد من الدول، حسب موقفها، محذرة مما قد تسببه لنا هذه اللجنة من ويلات.

هذا المقترح قوبل بالرفض الشديد من قبل وزير التنمية أنذاك فاضل عبد الكافي الذي أعلن وبالصوت العالي عن تمسك الحكومة بهذا الفصل.

في باب تسوية النزاعات لا بد من الإشارة الى أن ما جاء في اتفاقية المقر لا يعتبر سابقة، لنذكر بما جاء بعقد لزمة مشروع “سما دبي” حيث نص البند 28 من العقد على الخضوع للتحكيم الدولي، وما جاء

بعقد اللزمة مع مجموعة بو خاطر حيث نص البند 26 على الخضوع للتحكيم في باريس، أي الى قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية.

ولئن جاء قبول الدولة التونسية بهذا النظام في تسوية النزاعات على أساس توقيعها على اتفاقية انشاء المنظمة العالمية للتجارة التي تلزم الدول الأعضاء باحترام الية التحكيم، فقد سوق النظام أنذاك لذلك على أساس حرص الدولة التونسية على تشجيع الاستثمار الأجنبي في تونس.

وفي باب الانتدابات وتشغيل الأجانب، جاءت الانتقادات على أساس أن الاتفاقية سمحت بجلب العمالة من الإطارات وغير الاطارات بالكامل من الخارج، في حين أن الفقرة 6 من الفصل 7 من الاتفاقية نصت على:” أنه يسمح لمكتب صندوق قطر للتنمية باستخدام الموظفين والمستشارين والتابعين ذوي الجنسية الأجنبية وتسند لهم تراخيص عمل عند الاقتضاء”، وهو ما لا يتضارب مع ما جاء بقانون الاستثمار لسنة 2016 في هذه المسألة حيث نص الفصل 6 من القانون على أنه:” يمكن لكل مؤسسة انتداب إطارات

من ذوي الجنسية الأجنبية في حدود 30 بالمائة من العدد الجملي للإطارات بالمؤسسة وذلك الى نهاية السنة الثالثة من تاريخ التكوين القانوني للمؤسسة. وتخفض هذه النسبة وجوبا الى 10 بالمائة من السنة الرابعة من هذا التاريخ. وفي كل الحالات يمكن للمؤسسة انتداب أربعة إطارات من ذوي الجنسية الأجنبية وفي صورة التجاوز يخضع الانتداب الى ترخيص من قبل الوزارة المكلفة بالتشغيل”، وهو ما تم التنصيص عليه في الفقرة 6 من الفصل 7 من الاتفاقية صراحة وبكل وضوح بخصوص اسناد تراخيص عمل عند الاقتضاء أي عند تجاوز أربعة انتدابات حسب حاجيات المكتب.

الانتقادات شملت أيضا الامتيازات التي يتمتع بها الصندوق والتي جاءت بمقتضى القانون عدد 47 لسنة 2019 مؤرخ في 29 ماي 2019 يتعلق بتحسين مناخ الاستثمار وهو القانون الذي سوق له يوسف الشاهد واعتبره تاريخيا حيث ألغى ما اعتبرته الحكومة معوقات تعترض المستثمر الأجنبي، ضاربا بذلك كل الاجراءات التي من شأنها حماية المستثمر التونسي ونسيجنا الاقتصادي وحقوق الدولة التونسية في تطبيق خياراتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية والتي أعيد فيها النظر على مقاس مصالح رأس المال العالمي والشركات الأجنبية بمقتضى هذا القانون الذي حرر الاستثمار وكل الخدمات بما في ذلك الخدمات المالية وذلك في اطار منوال تنمية يقوم على إعطاء الأولوية للسوق الخارجية على حساب السوق المحلية.

فقد نص الفصل 19 من قانون تحسين مناخ الاستثمار لسنة 2019 على:” تضاف الى الفقرة الأولى من الفصل 20 من القانون مطتان رابعة وخامسة تتمثل في:

– تكفل الدولة (كتشجيع للمستثمر الأجنبي) بمساهمة الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي بعنوان الأجور المدفوعة للأعوان التونسيين على فترة لا تتجاوز العشر سنوات الأولى من ابتداء تاريخ الدخول طور النشاط الفعلي.

– اسناد الأراضي الدولية غير الفلاحية (للمستثمر الأجنبي) في صيغة كراء طويل الأمد أو بالدينار الرمزي ويسقط حق المستثمر على الأرض المسندة وتسترجعها الدولة في حالة توقفه عن النشاط نهائيا”.

من الانتقادات التي وجهت الى اتفاقية المقر تلك المتعلقة بأهلية الصندوق في المشاركة أو بعث صناديق استثمارية تابعة له وفقا للتشريع التونسي. وقد اعتبرت الجهات الرافضة للاتفاقية، وهي جهات برلمانية، أن ذلك يسمح للصندوق بتملك العقارات الفلاحية دون رخصة، لنتساءل عن مدى اطلاع هذه الجهات على القوانين الجديدة وعلى توجهات الحكومة في باب تحرير الاستثمار في اتجاه الغاء التراخيص، واخرها البلاغ الصادر بتاريخ 20 جوان 2021 عن رئاسة الحكومة الذي تم الإعلان فيه عن الغاء

التراخيص بالنسبة ل 72 نشاط اقتصادي. وقد شمل القرار تحرير الاستثمار في المحافظ المالية وتحديدا حذف التراخيص المتعلقة بتكوين صناديق الاستثمار وتعويضها بكراس شروط.

ويتمثل نشاط شركات التصرف في المحافظ المالية وصناديق الاستثمار، وهي شركات خفية الاسم، في استثمار الأموال المجمعة لديها لاقتناء أسهم أو سندات دين أو رقاع تصدرها الدولة أو شركات لفائدة الغير.

وقد عرف قانون تحسين مناخ الاستثمار لسنة 2019 صناديق الاستثمار بالفصل 22 تاسع عشر كالتالي: “تعتبر صناديق الاستثمار المتخصصة صناديق مشتركة للتوظيف في الأوراق المالية (أسهم وسندات دين ورقاع خزينة) تقوم بإنجاز استثماراتها لمصلحة مستثمرين حذرين وفقا لسياسة استثمارية يتم ضبطها في نظامها الداخلي. وتكون الموجودات المكتتبة بواسطة عملة أجنبية على ملك مستثمرين غير مقيمين تونسيين أو أجانب على معنى القانون المتعلق بالصرف أو مستثمرين مقيمين”.

وبالرجوع الى الفصل 15 من القانون عدد 47 لسنة 2019 مؤرخ في 29 ماي 2019 يتعلق بتحسين مناخ الاستثمار الذي سمح لشركات الاستثمار باقتناء أو اكتتاب أسهم أو حصص في رأس مال مؤسسة تتم احالتها بصفة اختيارية بسبب إعادة هيكلتها، والذي يعرف عملية إعادة الهيكلة كل ترفيع في رأس مال المؤسسة موضوع الاستثمار في إطار برنامج إعادة هيكلة، فإننا نفهم توجه الحكومة الرامي الى تفريط الدولة في المؤسسات العمومية بعنوان إعادة الهيكلة والتي تسوق لها كعبء على ميزانية الدولة، وأن اتفاقية المقر تستجيب لتوجهات الحكومة بل أن هذه الاتفاقية هي نموذجا لما ينتظر البلاد من تفريط في المؤسسات العمومية لفائدة صناديق الاستثمار وشركات التوظيف في الأوراق المالية.

لقد أسست جميع الحكومات ما بعد الثورة لسيناريو التفريط في المؤسسات العمومية بعنوان إعادة الهيكلة، والأراضي الفلاحية بعنوان حق الكراء على المدى الطويل، 90 سنة قابلة للتمديد، لنتساءل عن مدى جدية الاعتراض على هكذا اتفاقيات لا تتعارض مع الترسانة القانونية التي تم ارساؤها بعد الثورة في إطار برنامج “الإصلاحات الهيكلية” لصندوق النقد الدولي ومشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي.

لقد كشفت اتفاقية مقر صندوق قطر للتنمية خطورة الترسانة القانونية التي صادقت عليها السلطة التشريعية بعد ترجمتها اليوم في اتفاقيات لنتساءل عن أسباب تمريرها بعد ثورة الحرية والكرامة رغم المعارضة الشديدة التي واجهتها عند مناقشتها في الجلسات العامة لمجلس النواب ومعارضة عديد الخبراء الاقتصاديين وفي مجال التجارة الدولية.

وجه اخر لهذه الترسانة القانونية ترجمتها الشراكة بين تونس والولايات المتحدة الامريكية بعد موافقة مجلس إدارة مؤسسة تحدي الألفية بتاريخ 1 جويلية 2021 على اتفاقية هبة بقيمة 500 مليون دولار وذلك بعد مراجعة وتعديل السلط التونسية 104 فصول قانونية تتعلق بالقطاع التجاري و133 فصل قانوني يتعلق بقطاع النقل والتبادل التجاري. وقد جاء هذا التعديل كشرط أساسي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة شراكة وإرساء تبادل حر مع تونس.

ويبدو أن هذه الهبة تندرج في إطار مكافئة السلط التونسية على قبولها بتعديل 288 فصل قانوني لا توجد دراسات تونسية تكشف عن اثاره على سيادتنا الوطنية واستقلالية قرارنا الوطني، لنؤكد أن التعاطي مع الاستثمار الأجنبي لا يحتمل سياسة المكيالين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı