عن حسين آيت أحمد الذي غادر دون أن يرحل بقلم ضيف حمزة ضيف

ليس ثمة ما يدعوإلى الدعة والسرور في ما خصّ رحيل رجل بحجم حسين آيت أحمد، فالموت كسنّة كونيّة أصيلة في سير الحياة، وليست بذاك الداعي المستعجل أوالظافر الطارئ بمن عاشوا على ظهر هذه الدنيا، لكن موت الشهداء ورفاق التاريخ من حيث كونهم أقدامه الأمينة التي تسعى على الحقائق، فتدمغ بعض التلفيق وتصيّر ما دُلس إلى سويّة ناضجة وخاليّة من ملحقاته الكثيرة، من أمرّ الأشياء وأثقل الأمور قاطبةً .
يأتي رحيل مُر تلورحيل، وتتغيّر صروف الحياة وأوجاعها، وتستأنف حركتها رغم ذلك، ويبقى الموت هوالذريعة الكبرى لتفنيد ما يُعتقد زوراً بحمل الدهر على محمل الألفة والاعتياد، ذاك أن التاريخ إذّ يغزوويحبوويذوي ويتكوّر ثم يتحلّق مرةً أخرى، لا يأذن قطعاً بأي مرور عاجل على مياسمه دون وقفة تساجله، عزاها أنطوان سعادة إلى ” وقفة العزّ” تلك، التي لا تستأنس بأي مراءٍ أوجدل لقاء تحديث التاريخ مرةً أخرى، بأشخاصه وصنّاعه، وكذا بمناصريه ومجايليه أيضاً .
رحيل الأخير، لا يعني قطعاً رحيل المنجز والحِمل، بقدر ما يؤسس إلى تلاقٍ جميل معه مرةً أخرى، لا سيما أن الأجيال الجديدة إذّ تترى وتتوالى، تستيقظ على أنباء كهذه، فتعاود النّظر والمتابعة وتشنّف أسماعها لما مرّ وفات ولم ينقضِ البتة .
رحيل الأخير، هونقطة البدء العزيزة التي تعيدنا إلى جانب غفوتنا المديدة إزاء الماضي، كيما نحقق شيئاً من التؤدة والتأنّي، ونكفكف رغبة النفس في الإمّحاء في الحاضر والانخراط في التلاشي، فنحن لا نشرع في اقتفاء التاريخ إلا بخطى يعوزها الإصرار، لكننا رغم ذلك ندرك جيداً أن المشكاة الإنسانيّة كافيّة لإدراجنا ضمن تضاعيفه، فنقبّل جبين هذا، ونعقد جديلة منسرحة لابنة شهيد أومقاتل يرسوإلى جبهة ضئيلة الحجم، وقد نربّت على كتف ذلك، ونمسك بأيدي هؤلاء، وربما نتحسّس بطون الجوعى وهم يتمترسون على الجبال في انتظار الجزاء الأوفى لمن عاث فساداً في أرض غيره .
قيل الكثير في تاريخ حسين آيت أحمد، وخيّضت ألوان من الجدل وأنساق من الأحاديث حول مسيرته من رفاق السلاح أنفسهم، ولم يعد هنالك من جديد يدلقه أحدنا، حتى يضيف لأغياره من محطات وعِبر ومواقف شتى، ولكن في الغالب الأعمّ ما يفضي موت الشهيد المحتمل، والذي عاش ردحاً من الزمن، بعد سقوط رفاقه ممّن كان رقماً ضخماً بينهم، يصيّر الإفتئات بحدث وعبارة، إلى سيل لا يرتوي من المثول المسالم مرةً أخرى على جادة النهر، فالراحل متى كان بثقل آيت أحمد لا يسعف القريحة حتى تتمدد وتصهّر من عدة اللغة ما يكفي للإطناب والكتابة والتعبير .
التاريخ ليس كائناً يرقد خلف نفسه، ولا يبارح مكانه حتى يستوي على ما بعده، وإنما هولحاف مركب وجمل مستغرقة لما يليّ، وفواصل كريمة لما سبق، وكل ما ينضوي بينهما من مسافة، هي الحصيلة التي تفتقر إلى بداية أونهاية، تربط الجسر بعنقيّ المنبع والمصبّ .
وعندما يرحل الواصل والمِعطاء، يغدورأس التاريخ ملتحماً بآلام غزيرة، يُسمع صداها في الكتب والحواشي، وحتى في الإطارات المربعة على جدر البيوت الفقيرة ، وبين نصال المقابر المذهْبة في أقصى طرف من أي مدينة قصيّة مأهولة بأناس طيبين .
التاريخ حر ولزج في الآن نفسه، وإن قيّضته أقلام المؤرخين بالمعتقل، وشرهٌ معتداً بذاته متى انطلق الموت بأخذ ودائعه، وفيه من النهم ما يستعجل مثوله كلما سُجيت النعوش واصطفّت المناكب، ونزقٌ يقبض على سكونه، وهادئ معتصماً بوقوفه الدائم على باب الحاضر ..
المناضل حسين آيت أحمد لم يرحل، هوغاب ليبدأ، ونام ليستيقظ، وأغمض جفنيه ليحلم، واستوطن الغيمة الأخيرة، ولوأنشبت دموع الأرضيين أظفارها في أحشاء لحظتها المستكيّنة إلى صمت وجلال وابتهال .
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı