عن حاكم كره الغرب سقوطه .. بقلم فيصل جلول

كتبت هذا المقال عن الرئيس بن علي في مثل هذا اليوم بعيد سقوطه
فيصل جلول


تفيد أحدى “النكات” المنقولة عن مقربين من الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي أنه كان مرة يصطاد الطيور رفقة الرئيسين الفرنسي والأمريكي وان كلا منهما أصاب طريدته بخلاف بن علي الذي اخطأ الهدف ومن ثم التفت ليرى رد فعل المحيطين به فإذا بأحد المنافقين يقول ” شكرا سيدي لعفوك عن هذا الطائر المسكين فقد علمت بقوة فراستك أنه أنثى ترعى صغارها وأبى حسك البيئي الرفيع أن تقتلها” .
وبعيدا عن روح الدعابة فقد بادر مقربون من قصر قرطاج إلى تأليف كتب عن الرئيس بن علي ذكروا فيها أوصافه “الأفلاطونية” و”الخلدونية ” و”الكانطية” ما يذكر بالمنهج الستاليني في عبادة الشخصية بيد أن هذه الأوصاف لم تزد بن علي مناعة في “وقت الحشرة” بل كانت من بين الأسلحة التي استخدمت لتهشيم صورته .
ومع ذلك لم يكن النظام التونسي معرضا للسقوط أكثر من غيره في العالم العربي. فقد كان مضمونا تماما من الدول الغربية ومحميا من انتقادات وسائل إعلامها ” لأنه يشكل جدارا عازلا للأصوليين ” ولأنه حول بلاده إلى منتجع جذاب لغربيين يبحثون عن تمضية عطل نهاية الأسبوع و تمكن من جذب العديد من الشركات العالمية للعمل في بلاده بشروط ميسرة و أدت سياسته الاقتصادية إلى خلق طبقة وسطى مهمة والى انتشار واسع للتعليم والى مكاسب مهمة للمرأة فضلا عن شراكته الواسعة في الحملة الدولية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب… الخ.
وتفيد ردود الفعل الإسرائيلية الممتعضة لسقوط بن علي انه كان من بين أفضل الأنظمة العربية تعاونا مع الصهاينة خلف الستار وهذا ما تعكسه أيضا الأصوات اليهودية المحبطة داخل وخارج تونس ناهيك عن ردود الفعل السلبية غير المسبوقة التي صدرت في فرنسا والتي توحي وكأن سقوط بن علي هو ضربة موجهة لمحافظ “فرنسي” خلف البحار.
والراجح أن سياسة الحماية الغربية المطلقة للرئيس التونسي السابق و بالتالي حجب الانتهاكات التي كانت تحدث في بلاده عن الأضواء لم تساهم في تدعيم أركان حكمه بل ربما ألحقت ضررا فادحا به لم يتمكن من الوقوف على حجمه ألا بعد فوات الأوان.
وهنا نشير إلى واحد من الأمثلة السيئة التي ساهمت إلى حد كبير في تعاظم الاحتقان الداخلي في هذا البلد الذي ارتكبت فيه العائلة الحاكمة انتهاكات مروعة من ضمنها قضية ثانوية “باستور” المعروفة باستقبال أبناء البرجوازية التونسية والتي يديرها منذ أكثر من أربعين عاما الزوجان بوعبداللي. وتفيد مرويات هذه القضية انه في العام 2007 سقطت في امتحان الثانوية ابنة محام هو وكيل السيدة ليلى طرابلسي زوجة الرئيس بن علي فاستدعي السيد محمد بوعبداللي إلى وزارة التربية وطلب منه تسجيل الفتاة تحت طائلة إغلاق الثانوية بيد أن الرجل المحترم في تونس بأسرها رفض الرضوخ لهذا الابتزاز فما كان من زوجة الرئيس ألا أن أقفلت الثانوية وافتتحت هي نفسها ثانوية خاصة باسم ثانوية قرطاج . حاول السد بوعبداللي الدفاع عن نفسه واتصل بالسفارة الفرنسية لكن أحدا لم يصغ اليه واسدل الستار على ثانويته.
ما من شك أن هذا النوع من الاستبداد الذي يذكر ب “العهد المملوكي” في عصر مختلف وظروف مختلفة وثقافة مختلفة كان موضع تداول يومي في الشارع التونسي وبما انه كان يشمل الطبقة البرجوازية كما في مثال ثانوية باستور والطبقة الوسطى في أمثلة أخرى والفئات الدنيا من المجتمع كما في حال البوعزيزي وبما أن النظام قد خلف خلال الأعوام العشرين الماضية كما هائلا من الضحايا المعارضين من كل التيارات السياسية فقد استطاع هؤلاء مع أوساطهم في الداخل أن يراكموا الاحتقان والتعبئة الصامتة ضد النظام إلى أن طرأت الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى تحطيم الواجهة الاقتصادية التونسية البلورية وكشفت في زمن قصير عن حالة الاختناق الاقتصادي التي تعاني منها تونس معطوفة على اختناق في مجال الحريات لشعب يضم من الجامعيين أكثر من المغرب والجزائر وموريتانيا معا ناهيك عن انخفاض أسعار الفوسفات (تونس هي ثاني اكبر مصدر لهذه المادة) كل ذلك تم في وقت انعدمت فيه ادوار النظام العربية وطردت منه السيدة سهى ياسر عرفات وانتزعت منها الجنسية لتونسية .. في هذا الوقت حرق البوعزيزي نفسه فكان بمثابة الصاعق الذي أطاح خلال أسابيع بنظام كان جميع حماته يعتقدون انه باق إلى أجل غير مسمى.
كان الرئيس السابق الحبيب بورقيبة يروج في سيرته الذاتية أساطير تقليدية تقول إحداها بالعامية التونسية” يخرج من المونستير(مسقط رأسه) دنفير الناس فيه تحير” وكان الشعب يتفاعل مع هذا النوع من الأقوال المرتبطة بصورة “المجاهد الأكبر” الذي كان يتمتع بشرعية تاريخية ناجمة عن كونه بطل الاستقلال التونسي.وعندما انقلب بن علي على بورقيبة وعد مواطنيه بما كانوا يفتقرون إليه في العهد السابق أي الديموقراطية والبحبوحة الاقتصادية فكان أن أهمل شرعية انقلابه واستمد حمايته من الغرب الذي ما عاد كلي القدرة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وما عاد بوسعه أن يرمي طوق النجاة لحاكم يردد شعبه كل صباح” إذا الشعب يوما أراد الحياة… فلا بد أن يستجيب القدر”
انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *