على هامش العودة المدرسية :كَيْفَ أُعِلِّمُهُ، وَهْوَ لا يُحِبُّني ؟ … بقلم عبد القادر عبار

كلمة مازالت ترنّ في أذني منذ 50 سنة تقريبا، فجّرها أمامنا أستاذ “العربية “بوبكر الذكّار رحمه الله تعالى “في أول مصافحة لنا معه نحن تلاميذ “الشعبة العامة” بإعدادية قابس سنة 1966..

لكأنني أراه الآن على المباشر، وقد وضع المحفظة على مكتبه، وانحدر يمشي الهُوَيْنَى بين الصفوف وهو يقول، وكأنه يرسم لنا دستور العلاقة بيننا وبينه : اسمعوا يا أبنائي.. قال سقراط : “ماذا تريدونني أن أعلّمَه ؟ إنه لا يُحبّني… كيف أعلّمُه وهو لا يحبّني”..
وكنا و نحن في تلك الفترة العمرية على أبواب المراهقة لا نؤوّل كلمة “يحبني” وأخواتها، إلا بمفهومها الشهواني.

كنت وفيًّا فيما بعد، لنصيحة الأستاذ المرحوم، في ممارسي للتعليم على مدى 38 سنة إذ كنت أحاول جهدي أن ترسو العلاقة دائما بيني و بين التلاميذ على أساس “أحبهم ويحبونني” وقد رأيت من أثارها ما جعلني أحدث بها، وأنصح بها زملائي.

ونحن على موعد الفتح المدرسي الجديد، كم نحن بحاجة، إطارات تربوية وتلاميذ، إلى مقولة “سقراط” التي تمثل منهجا تربويا بيداغوجيا فعالا يختصر لنا الكثير من المتاعب التعاملية ويرمم الكثير من التصدعات المزروعة في علاقة المربي بالمتعلم، والتي كانت لها آثارها الدراماتيكية في السلوكيات والأخلاق والنتائج.
.
في العملية التربوية والتعليمية. الحُبُّ أوّلاً. فالتربية والتعليم ليسا فقط علم، ومهنة ووظيفة، بل هي أيضا فنّ وحبّ، ولهذا لا يكفي أن نكون معلمين ومربين فقط. بل على المربي، معلما كان أو أستاذا، أن يكون قادرا على تحويل جهد التعليم والتربية الى “متعة وتشاركيّة” وذلك عن طريق التربية بالحُبّ، والمحبة، بالتواد، وبالمودة، بالرحمة والتراحم، بالصبر، والمصابرة.. وهنا يكمن سرّ نجاح بعض المربين وفشل آخرين.. اذ التكوين والشهائد والمؤهلات المهنية هي نفسها عند الفريقين، ولكن الأسلوب واللمسات الذوقية، هو الذي رجّح فريقا على آخر.
.
مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية تشكو جفافا عاطفيا وسّع من مساحة التنافر بين المربي والمتعلم، عندما اقتنع المربون في الفعل التربوي، بمجرد أدائه كوظيفة فقط، ينتظر آخر الشهر لقبض ثمنها.. هذا الجفاف المدرسي التربوي التعليمي ليس له علاج ولا شفاء إلا تبادل الحب بين المربي والمتلقّي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *