عشرة فصول اخطرها «الفصل 61» قد تطيح بقانون المالية في صورة قبول الطعن فيه

مصداقية السلطة في الميزان!

بقلم جنات بن عبد الله
قدمت كتلة الجبهة الشعبية وبقية نواب المعارضة الذين انسحبوا من جلسة المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2016 المنعقدة يوم 10 ديسمبر 2015 عريضة الطعن في عشرة فصول الى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وذلك مساء الثلاثاء الماضي الموافق لـ15 ديسمبر 2015.
ويعتبر الفصل 61 المتعلق بالعفو عن مخالفات الصرف والجباية من أهم الفصول التي كانت محور جدل بين نواب الأغلبية ونواب المعارضة.
الظروف التي حفت بإقحام نواب الأغلبية في لجنة المالية هذا الفصل في مشروع قانون المالية الذي لم تتضمن نسخته الأصلية التي أعدتها وزارة المالية أي أحكام من هذا القبيل ، تستوجب التوقف عند دلالات هذه الممارسات وأبعادها وتداعياتها على عمل السلطة التشريعية ومدى احترامها للدستور ولالتزاماتها تجاه الشعب التونسي.
الفصل 61 من قانون المالية لسنة 2016 تضمن إقرار عفو عن مخالفات الصرف التي ارتكبها الأشخاص من ذوي الجنسية التونسية قبل غرة جانفي 2016 كما أقر عفوا عن المخالفات الجبائية المتعلقة بعدم التصريح بالمداخيل والأرباح الخاصة بالمكاسب الموجودة بالخارج والمداخيل المتأتية منها طبق شروط محددة من ضمنها التصريح بالمكاسب والمداخيل ودفع مبلغ مالي قدره 5 بالمائة من قيمتها مع التنصيص على أن هذا المبلغ يحرر المنتفعين بالعفو من دفع الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات ومن أي تتبع قضائي في مادة الصرف موضوع العفو.
هذه الاحكام نجدها في الفصل 7 من مبادرة رئيس الجمهورية المتعلقة بالمصالحة الاقتصادية والمالية والتي وجدت رفضا قويا من قبل عدد من الأحزاب ومكونات المجتمع المدني والخبراء الاقتصاديين والماليين الى جانب هيئة الحقيقة والكرامة التي بادرت برفع هذه المبادرة الى لجنة البندقية واستشارتها في مدى دستوريتها. ونشير في هذا المستوى الى أن هذه الاستشارة أقرت بأن مشروع قانون المصالحة لا ينسجم مع الفصل 148 من الدستور ولا يضمن كشف الحقيقة ولا اصلاح المؤسسات في مجال قضايا الفساد والرشوة. كما لاحظت لجنة البندقية أن شروط العدالة الانتقالية غائبة عن مشروع قانون المصالحة ولا يحمل في طياته ضمانات الاستقلالية وكشف الحقيقة.
ما أقدم عليه نواب الأغلبية في مجلس نواب الشعب من خلال اقحام أحكام الفصل 61 وبهذه الطريقة فيه ضرب للسلطة التشريعية ومحاولة لمغالطة الرأي العام التونسي حيث تم استغلال ظروف مناقشة مشروع قانون المالية لتمرير هذه الاحكام التي تشكل النقطة المركزية في مبادرة رئيس الجمهورية، وبالمصادقة على مشروع قانون المالية، وفي صورة عدم قبول الطعن، تكون هذه المبادرة قد تم فرضها على الشعب التونسي من خلال سلطة تشريعية انتخبها الشعب على أساس حماية حقوقه وضمان حسن التصرف في المال العمومي ومنع الفساد ومقاومة الغش والتهرب الجبائي حسب الفصل 10 من الدستور.
اننا نتساءل اليوم وفي ظل هذه الممارسات عن مصداقية هذه السلطة التي ضربت نفسها وتحولت الى حامية للفاسدين ورافعة للواء الفساد.
لقد أكد نواب الأغلبية من خلال هذه الممارسة أن مبادئ الديمقراطية ممنوعة في تونس وطرائق الالتواء عليها متعددة ويمكن تكريسها تحت قبة البرلمان وعلى أنظار العالم. وبعد أن كان الشعب التونسي في وقت قريب نموذجا لشعب أطاح بنظام دكتاتوري وانتصر على الفساد والمفسدين …جاء ممثلوه في مجلس نواب الشعب ليمسحوا من الذاكرة الجماعية هذه المكانة التي احتلها الشعب في العالم وينزلوا به الى مستويات لا تشرف هذا البلد.
لقد كان حريا بنواب الأغلبية وأحزابهم مواصلة معركة إقرار المبادرة الرئاسية في مسارها الأصلي وتجنيب السلطة التشريعية الدخول في حسابات حزبية ضيقة من شأنها ضرب مصداقية هذه السلطة التي يفتخر بها كل تونسي وانتخبها من أجل صيانة سيادته وحماية حقوقه دون تمييز بين المواطنين وتفضيل لفئة دون أخرى.
اننا نرفض أن تكون ذاكرة الشعب التونسي قصيرة لذلك فهو مدعو من خلال مكونات المجتمع المدني وبعض المنظمات المهنية والنقابية وبعض الأحزاب أن يوقف نزيف استغلال السلطة لتمرير أحكام غير دستورية، وأن يتحرك لإيجاد الاليات الكفيلة بضمان احترام الدستور، وأي انزلاق في الاتجاه المعاكس هو تشريع لعودة الدكتاتورية وفتح للطريق أمام تفشي الفساد وخرق السيادة الوطنية.
الفصول موضوع الطعن
قام نواب المعارضة بمجلس نواب الشعب بإيداع عريضة الطعن في دستورية بعض فصول قانون المالية لسنة 2016 و ذلك لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين طبقا لمقتضيات الفصل 66 من الدستور
وقد أمضى عريضة الطعن 31 عضوا من مجلس نواب الشعب وفي ما يلي ‏الفصول موضوع الطعن:
– الفصل 46 المتعلق بسحب ترخيص فتح مكاتب الصرف على الأشخاص المعنويين وذلك لمخالفته مقتضيات الفصل 66 من الدستور.
ـ الفصل 47 المتعلق بإرساء نظام جبائي تفاضلي وذلك لمخالفته مقتضيات الفصول 10و15 و21 من الدستور.
ـ الفصل 59 المتعلق باستبعاد المحاسبة في إطار عمليات المراقبة الجبائية المعمقة وذلك لمخالفته مقتضيات الفصول 10و15و21 من الدستور.
ـ الفصل 60 المتعلق بدعم المصالحة بين المطالب بالأداء و الجباية وذلك لمخالفته مقتضيات الفصلين 15و 65 من الدستور .
ـ الفصل 61 المتعلق بتوقيف تنفيذ قرارات التوظيف الإجباري وذلك لمخالفته مقتضيات الفصلين 10 و 21 من الدستور.
ـ الفصل 64 المتعلق بالعفو عن مخالفات الصرف و الجباية وذلك لمخالفته للفصول 66 و 65 من الدستور و لخرقه للنظام العام الدستوري و لمبدإ النظام الجمهوري التشاركي و لمبدإ القطع مع الفساد المنصوص عليها بتوطئة الدستور.
ـ الفصل 74 المتعلق المتعلق بدعم الشراكة بين إدارة الديوانة و المتعاملين الاقتصاديين وذلك لمخالفته لمقتضيات الفصلين 10 و 21 من الدستور.
ـ الفصل 75 المتعلق بملاءمة التشريع الجاري به العمل مع احكام الدستور وذلك لمخالفته أحكام الفصل 65 من الدستور.
ـ الفصل 82 المتعلق بسحب إمتياز التسجيل بالمعلوم القار لإقتناءات المساكن بالعملة الأجنبية على التونسيين غير المقيمين وذلك لمخالفته لمقتضيات الفصلين 19 و 21 من الدستور.
ـ الفصل 85 المتعلق بسحب إعفاء توظيف الرهون العقارية من الترخيص المسبق على مؤسسات التمويل الصغير وذلك لمخالفته لمقتضيات الفصل 66 من الدستور.
هذا وتتولى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين البتّ في أجل لا يتجاوز الأيام الخمسة الموالية للطعن ( الفصل 66 من الدستور ).
نشر بجريدة الصحافة ليوم 17 ديسمبر 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *