صراع ‘الوفاق’ و’المؤقتة’ ينذر باستنساخ أزمة الشرعية في ليبيا

عادت تصريحات وزير العدل بالحكومة الليبية المؤقتة مبروك قريرة التي أكد فيها قيام وزارته برفع قضايا ضد المجلس الرئاسي أمام محكمة استئناف البيضاء، إلى الأذهان بداية أزمة الشرعية التي وقعت فيها ليبيا منذ يوليو 2014 بعد أن رفضت أطراف محسوبة على تيار الإسلام السياسي بالمؤتمر الوطني العام تسليم السلطة في مدينة طبرق بتعلة أن عملية الاستلام والتسلم يجب أن تكون في بنغازي. وقامت حينها مجموعة من المحامين والنواب المقاطعين لجلسات مجلس النواب برفع قضية ضد المجلس بتعلة أن مراسم الاستلام والتسلم لم تتم وفقا للإعلان الدستوري المعدل الذي يقر بأن تكون مراسم الاستلام والتسلم في بنغازي، لينتهي الأمر بإقرار المحكمة العليا في ليبيا حل مجلس النواب، وهو قرار وصفه المجلس حينها بأنه جاء تحت تهديد السلاح.

وبقيت الأمور على حالها إلى أن تم تنظيم حوار وطني برعاية أممية، دام حوالي سنة وانتهى بإعلان تشكيل مجلس رئاسي، دخل العاصمة طرابلس أواخر مايو الماضي. ولئن يعتبر المجلس الرئاسي شرعيا باعتبار أن مجلس النواب قام بتزكيته يناير الماضي، إلا أن الحكومة المنبثقة عنه مازالت لم تحظ بثقة مجلس النواب بعد، الأمر الذي يتناقض مع تمثيل وزراء حكومة الوفاق للدولة الليبية.

لكن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج تمكن السبت الماضي من افتكاك اعتراف عربي بحكومته على إثر اجتماع عقدته الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية. ووصف مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج، بأنها “الحكومة الشرعية الوحيدة لليبيا”، رغم أنها لم تحصل بعد على ثقة مجلس النواب (البرلمان) الليبي المعترف به دوليا. وكانت الدول الغربية قد سبقت الدول العربية بهذا الاعتراف مرحبة بقرار المجلس الرئاسي بتفويض وزراء حكومة الوفاق ببدء عملها إلى حين اعتمادها من قبل مجلس النواب وأداء القسم القانوني.

ويثير موقف الغرب المتناقض الكثير من التساؤل، ففي الوقت الذي يعترف فيه بشرعية حكومة السراج لا يزال في نفس الوقت لم يسحب الشرعية عن مجلس النواب الذي تنبثق عنه حكومة الثني الموجودة شرق البلاد. ويتهم الكثير من الليبيين الغرب والأمم المتحدة بالفشل في معالجة الأزمة في بلادهم التي يقومون بإدارتها بما يتناسب ومصالحهم عوض إيجاد حل لها. ويرى مراقبون أن الأمم المتحدة عجزت عن إيجاد حل للانقسام العاصف بليبيا، حيث يذهب الكثير منهم إلى اعتبار أن الأمم المتحدة أعادت فرض نفس المشهد الذي كانت تعاني منه ليبيا طيلة سنتين لكن بصيغة جديدة، موقف يزداد تدعما خاصة في ظل انسحاب عضوي المجلس الرئاسي الممثلين للسلطات في الشرق علي القطراني وعمر الأسود.

وفي حين تكافح الحكومة المؤقتة لإثبات فعاليتها والحفاظ على وجودها من خلال محاولتها توفير السيولة والمواد الغذائية للمواطنين، يرى مراقبون أن سحب الدول العربية ولا سيما حليفتاها مصر والسعودية البساط منها ينذر بقرب نهايتها. وفي هذا السياق اعتبر المحلل السياسي عزالدين عقيل في تصريح لـ”العرب” أن حكومة الثني انتهت طالما قبل حلفاؤها بالتعامل مع حكومة السراج. وأضاف عقيل أنه لم تعد هناك أي قيمة لا لحكومة الثني ولا لمجلس النواب المنبثق عنه، مؤكدا في المقابل أن المجتمع الدولي يولي الآن الاهتمام للقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر باعتباره يمتلك قوة مستمدة من الجيش الليبي.

وتوقع عقيل اقتراب انتهاء الأزمة وتوحيد الليبيين تحت سلطة حكومة الوفاق بناء على التطورات الدولية الحاصلة بخصوص تغير الموقف الدولي من بقاء الفريق أول خليفة حفتر على رأس المؤسسة العسكرية. واستند عقيل في تحليله إلى تغير الموقف الإيطالي الذي بات يدعم بقاء حفتر في المشهد المقبل ويضغط في هذا الاتجاه على الدول الغربية وخاصة منها بريطانيا التي تسيطر على المشهد في ليبيا وترفض حفتر وتتخوف منه لاعتباره امتدادا لحركة الضباط الأحرار، وفي المقابل تدعم الولايات المتحدة الأميركية الموقف الإيطالي. وكان وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني قد دعا في تصريحات إعلامية إلى ضرورة إيجاد مكان للفريق خليفة حفتر خلال المرحلة المقبلة.

وفي الأثناء يواصل مجلس النواب رفضه عقد جلسة للتصويت على حكومة الوفاق، مطالبا بضرورة تعديل الاتفاق السياسي الموقع في 17 من ديسمبر الماضي في مدينة الصخيرات المغربية. ويرى الأعضاء الرافضون للاتفاق السياسي، أن لجنة الحوار التابعة للبرلمان قامت بالتوقيع على الاتفاق دون العودة إلى مجلس النواب. وتعتبر المادة الثامنة من الاتفاق السياسي نقطة الخلاف الرئيسية. وتنص المادة على انتقال كل المناصب السيادية في البلاد إلى المجلس الرئاسي الذي سيقوم في ما بعد بإعادة تسمية شخصيات تتولى هذه المناصب، بما فيها منصب القائد العام للجيش الليبي الذي يتولاه الفريق أول خليفة حفتر الآن ويرى مؤيدوه أن هذه المادة تهدف بالأساس إلى استبعاده من المشهد.

 

المصدر: العرب اللندنيَة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *