شعب مريض ..ودولة ضعيفة

تكشف الإحصائيات والدراسات الطبية أن نسبة المرضى النفسانيين في تونس تضاعفت مرارا في تونس خلال الأعوام الخمسة الماضية ..وأن عدد العيادات في أقسام الأعصاب والامراض النفسية تطور من أقل من 150 ألفا الى حوالي 400 ألفا في المستشفيات العمومية وحدها ، وعلى ٍرأسها مستشفى الرازي بمنوبة .

وتؤكد نفس التقارير الطبية أن العدد الحقيقي لمرضى الأعصاب والامراض النفسية أكبر من هذا العدد بكثير أذا أخذنا بعين الاعتبار عاملين أولهما تضاعف زوار العيادات الخاصة والمستشفيات الجامعية والجهوية ، وثانيهما أن غالبية التونسيين والتونسيات لا يزورون اطباء الاعصاب والامراض النفسية بسبب الخلط السائد في المجتمع بين المرض النفساني و” الجنون “؟؟.

من جهة أخرى تكشف دراسات المرصد الوطني للشباب ومنظمات عديدة معنية بامراض الادمان على المخدرات والكحول والامراض الجنسية أن حوالي نصف مليون تونسي وتونسية ـ غالبيتهم من الشباب والتلاميذ والطلبة ـ سقطوا في هذه العائلة من الامراض والاصابات الخطيرة و”المعدية اجتماعيا .”

وبالرغم من انشغال السياسيين وكبار المسؤولين في الدولة والأحزاب بمعضلات انخفاض قيمة الدينار واستفحال عجز الميزانية والميزان التجاري وتراجع الادخار والاستثمار وتعقد معضلات التهريب والتهرب الضريبي ، قد يكون أخطر ملف يهدد المجتمع والبلاد ” التدمير المنظم ” الذي أصاب جيلا كاملا من أبناء البلاد وبناتها …وخاصة الاطفال والمراهقين والشباب ..

وتؤكد كل التقارير الامنية والعسكرية المختصة أن مثل هذا الاستنزاف لطاقات الشباب والاطفال مرشح لمزيد من التعقيدات بسبب مؤامرات اضعاف الدولة ومؤسساتها الامنية والقمرقية .

ولا تخفى العلقاة بين هذه المؤامرات ومخططات المهربين لأنواع ” ثقيلة ” من المخدرات بينها كميات هائلة أصبحت تجلب من تونس من ليبيا وبلدان ” الربيع ” العربي التي انهارت فيها السلطة المركزية ومؤسسات الرقابة الامنية والقضائية.

إن شعبنا مهدد بأن يصبح في غالبيته ” شعبا مريضا ” بعاهات خطيرة من بينها ” ازدواجية الشخصية ” و” الاضطرابات العصبية ” و” الادمان ” مع ما يعنيه ذلك من مخاطر انتشار الجريمة المنظمة وغير المنظمة والعنف والتطرف والارهاب ..فضلا عن تسببه في مزيد انتشار الرشوة والفساد والتهريب .

إن البلاد تعاني منذ 6 أعوام من حالة عدم استقرار أمني وسياسي ومن اضعاف مقصود لمؤسسات الحكم وللسلطات التنفيذية والقضائية ، مقابل تضخيم دور أشباه ” الخبراء ” الذين أساؤوا تقدير أولويات الوطن والمجتمع والعائلة والفرد .

في مثل هذا المناخ لا بد من تحميل الحكومة الجديدة مسؤوليات اضافية على رأسها إعادة الاعتبار لهيبة الدولة ولمؤسساتها العسكرية والامنية والقمرقية والقضائية ، إلى جانب تشجيع المجتمع المدني قولا وفعلا على أن يبدأ فورا تنفيذ برامج لعلاج مئات الالاف من الشباب المدمن ومرضى الاعصاب بالتعاون مع مؤسسات وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والتشغيل والداخلية والعدل ..حتى لا يتفطن من تبقى من ” عقلاء ” في البلد قريبا أن الشعب كله أصبح مريضا ، وأن الدولة أصبحت بالفعل ضعيفة جدا ..وربما عاجزة ..

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *