سوريا بعد الانتخابات الأمريكية

أفرز فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في الكونغرس الأمريكي وفوز مرشحهم دونالد ترامب في الرئاسيات قراءات متباينة لمستقبل الولايات المتحدة والعالم، بما في ذلك فيما يتعلق بسيناريوهات تعامل الإدارة الأمريكية القادمة مع إسرائيل وروسيا والصين وإيران ومع ملفات «التغيير» و»الثورات العربية» و»الانتقال الديمقراطي» وحروب الاستنزاف المدمرة التي تشهدها دول شقيقة مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق..

وبصرف النظر عن مزايدات الحملات الانتخابية يبدو أن الأغلبية التي هيمنت على الكونغرس بغرفتيه وعلى البيت الأبيض مرشحة لأن تعيد النظر في بعض أولوياتها عالميا ومن بينها علاقاتها ببيكين وموسكو والعواصم الأوروبية والدول العربية والإسلامية.

ولا شك أن ملف حرب سوريا وما تسبب فيه من تهجير لملايين المدنيين وتقتيل لأكثر من 300 ألف مواطن يمكن أن يكون على رأس أولويات حكام أمريكا «الجدد»، لا سيما إذا تأكد ما تردد عن مؤشرات التقارب المرتقب بين بوتين وترامب حول الملف السوري.

لقد انطلقت الاحتجاجات الشعبية في سوريا سلمية وتطورت بسرعة إلى مواجهات مسلحة تداخلت فيها الأجندات المحلية والإقليمية والدولية. وكانت الحصيلة «حربا عالمية بالوكالة» في كامل سوريا ثم في كامل المنطقة.

وتعقدت الملفات الإنسانية والأمنية السورية وأصبحت «قضية وطنية» في جل الدول المجاورة لها وعلى رأسها تركيا ولبنان والأردن والعراق.. قبل أن تشمل «العدوى» الدول الأوروبية والمغاربية بسبب «زحف» ملايين الفارين من الموت إليها.

وإذا كان الهدف من كل الحروب إبرام اتفاقيات سياسية جديدة فإن 6 أعوام من الحرب في سوريا ودول «الربيع» العربي كانت كافية لإقناع كل الأطراف بكون «الحسم العسكري» لن ينجح وأن المطلوب إبرام «تسوية سياسية» تضمن وحدة دولتي سوريا والعراق وانتقالا سلميا للسلطات السياسية بعد إبرام «مصالحة وطنية شاملة».

وإذا كانت سوريا البلد العربي الوحيد الذي لا يزال يضم قاعدة عسكرية روسية فإن الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا، يمكن أن تبرم اتفاقا مع القيادات السورية وموسكو وبقية القوى الفاعلة في المنطقة يضمن حقن دماء الشعب السوري ووحدته الوطنية مع بدء فوري لمسار إعادة بناء البلاد وإدخال إصلاحات على نظام الحكم فيها.

لقد فشلت مخططات: التغيير التي رسمها فريقا الرئيسين الفرنسي والأمريكي في 2011 بمشاركة حلفائهم.. وبلغ الفشل أقصاه في بلدان مثل سوريا وليبيا حيث تسببت إستراتيجية «الفوضى الخلاقة» في نشر العنف والفوضى والإرهاب في العالم أجمع من الخليج إلى المحيط الأطلسي ومن بلدان الساحل والصحراء الإفريقية إلى دول قارتي أمريكا وأوروبا.

لا بديل إذن عن توافقات سياسية إقليمية ودولية جديدة تبدأ بتوافقتركي-إيراني من جهة وروسي- أمريكي أوروبي من جهة ثانية حول تسوية سياسية شاملة وفورية للملف السوري بأبعاده الإنسانية والسياسية والأمنية.

إذا تحققت هذه الخطوة ستنتشر عدوى «التسويات السياسية» السلمية إلى بقية دول المنطقة التي تعاني منذ عقود عواقب حروب استنزاف دمرت ثرواتها وأدت إلى مقتل ملايين الأبرياء أو إصابتهم بإعاقات مزمنة.. فضلا عن تسببها في انتشار جديد للأمية والجهل والفقر ثم للعنف والجريمة المنظمة والرشوة والتهريب الإرهاب.

والحل يبدأ من سوريا.

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *