رياح شريرة من الانقسام السياسي تهب في واشنطن

فاجأنا الرئيس ترامب الأسبوع الماضي حين أعلن أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة ليس لها سبب للبقاء في الشرق الأوسط ـ كونها لم تعد بحاجة للنفط العربي ـ فإنها قررت إبقاء قواتها في المنطقة، بسبب التزامها تجاه إسرائيل. وقد جاء هذا التصريح بعد نحو أسبوع من شرحه بأنه يؤيد ولي العهد السعودي رغم تورطه في قضية قتل الصحافي خاشقجي، وبأن «إسرائيل ستكون في مشاكل عويصة بدون السعودية».
تبين لها مرة أخرى بأن صديقاً حقيقياً لإسرائيل يجلس في البيت الأبيض وملتزماً بعمق بأمنها. ولكن على هذه التصريحات أن تشعل ضوءاً أحمر في القدس، وإن كان لا بد ان هذه لم تكن نية الرئيس.

منذ أصبحت الولايات المتحدة صديقة قريبة بل وحليفة لإسرائيل (كان هذا فقط في منتصف الستينيات)، حرصت القدس على التشديد على أنها لن تطلب أبداً أن يقاتل جنود أمريكيون عنها ويدافعون عن أمنها. كان هذا المبدأ مقبولاً أيضاً من الإدارات الأمريكية، الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، التي كانت مستعدة لأن تمنح المساعدات بالمال وبالعتاد لإسرائيل بأفضل السلاح والتكنولوجيا الأمريكية من أجل الحفاظ على تفوقها النوعي على أعدائها.

كان الرئيس ترومان أول من اعترف بإسرائيل حين تأسست في 1948 رغم المعارضة الشديدة في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع في واشنطن. فوزير الدفاع جيمس فورستل قدر بأن الليكود سيخسرون في المعركة، وتخوف من أن تضطر الولايات المتحدة إلى إرسال القوات لإنقاذهم، مثلما فعلت في الحرب العالمية الثانية. بل وادعى بأن قيام إسرائيل سيحطم علاقات أمريكا في العالم العربي. ولكن مع مرور السنين أثبتت إسرائيل أن بوسعها أن تدافع عن نفسها وأنها تشكل حليفاً، ذخراً أمنياً حقيقياً، للولايات المتحدة. كما أن العلاقات مع الدول العربية لم تتأثر سلباً. غير أن رياحاً شريرة من الانقسام السياسي تهب اليوم في واشنطن.

مشرعون ديمقراطيون يهاجمون السعودية، الصديقة والحليفة القديمة لواشنطن، وذلك بسبب رغبتهم في مناكفة الرئيس ترامب. محافل محافظة في الحزب الجمهوري، من جانبها، تكرر المطالبة بأن تتبنى الولايات المتحدة سياسة انهزامية تركز على الشؤون الداخلية.

على خلفية هذه الهجمات، اختار الرئيس استخدام «سلاح يوم الدين» وشرح بأن سياسته الخارجية تستهدف الدفاع عن إسرائيل. غير أن هذا القول من شأنه أن يوجه النار نحو إسرائيل، التي ستتهم من الآن فصاعداً بالمسؤولية عن تبذير أموال دافع الضرائب الأمريكي خلف البحار، والأخطر من ذلك ـ بالمسؤولية عن كل قتيل أمريكي في ميادين المواجهات في الشرق الأوسط.

التصريح إشكالي أيضاً، لأن الأقوال ليست دقيقة. فالولايات المتحدة لا تحتفظ بالشرق الأوسط بتواجد عسكري بسبب إسرائيل، بل كوسيلة دفاع عن أمنها القومي. عندما اختارت واشنطن تجاهل تثبيت وجود منظمة القاعدة في أفغانستان، هاجمتها هذه في أيلول/سبتمبر 2001.
من هنا فإن الانسحاب إلى داخل حدود الولايات المتحدة لا يضمن الحصانة من تهديدات الإرهاب والإسلام الراديكالي. فضلاً عن ذلك، إذا كانت أمريكا ترى نفسها قوة عظمى عالمية رائدة، فإنها ملزمة بأن تبدي تدخلاً في ما يجري خلف البحار.

وبالتالي، يجدر بالرئيس ترامب أن يشدد بأنه «بخلاف الحلفاء الآخرين، وعلى رأسهم الدول الأوروبية، اليابان وكوريا الشمالية، فإن إسرائيل لا تحتاج إلى حماية الجنود الأمريكيين. بوسعها أن تدافع عن نفسها، بل وأن تساعد في تحقيق مصالح أمريكا في المنطقة وفي العالم. لقد كانت هذه هي الميزة الخاصة بإسرائيل ويجدر بها أن تبرز في الجدال الداخلي الحماسة في واشنطن بالنسبة للسياسة الخارجية ودور الولايات المتحدة في العالم.

ايال زيسر
إسرائيل اليوم 3/12/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *