رفيق عبد السلام:واهـــم من يراهــن على انشقــــاق النهضة

كيف يقرأ مسار التسويات والتوافق الوطني والتحالف مع نداء تونس والجدل السياسي الدائر في البلاد؟ وكيف يُجيب عن أحاديث الانقسامات داخل النهضة واتهام رئيسها الاستاذ راشد الغنوشي بالتغوّل والهيمنة؟، وكيف يقيّم أداء النخبة السياسية التونسية ما بعد الثورة؟… عن هذه الاسئلة وغيرها يجيبنا الدكتور رفيق عبد السلام القيادي في حركة النهضة.

الخط الغالب في النهضة مع التعايش والتوافق وضد ثقافة الثأر والانتقام والتشفّي 
بعض الأطراف تستثمر في لعبة الصراع والتنافس وتبحث عن القطيعة بين السبسي والغنوشي 
خط التسويات والتوافق خيار واع ومتبصّر وليس خيار الغافلين أو المغرّر بهم
التوازن داخل النهضة بين المؤسّسات وليس داخلها والجهاز التنفيذي مراقب من قبل مجلس الشورى

الزج بالبلاد في معارك سياسويّة جديدة لا يخدم الا أجندة الإرهاب والفوضى وعودة الاستبداد 
المواطن في طريقه الى فقدان الثقة في السياسيين بسبب كثرة الصراعات الجانبية وتصفية الحسابات الصغيرة
كل من يشذ عن قاعدة التوافق سيخرج في النهاية بخفي حنين 
لا مصلحة لأحد في الاساءة لعلاقة الاحترام والثقة بين رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة

تونس «الشروق»:
اختار الابتعاد عن المواقع التنفيذية داخل حركته ولكنه يبقى أحد الوجوه النهضويّة البارزة والتي تتمتّع بحس سياسي واسع وقراءة عقلانية لتطورات الاوضاع خاصة وأنّه من الدائرة المقربة لرئيس الحركة كمستشار له للعلاقات الخارجية… في ما يلي نص الحديث مع رفيق عبد السلام القيادي في حركة النهضة..
يتساءل كثيرون عن موقعكم في حركة النهضة بعد مغادرة المكتب التنفيذي؟
أنا عضو مجلس شورى وعضو في المكتب السياسي ومستشار رئيس الحركة للعلاقات الخارجية، اضافة الى مهامي على راس مركز للدراسات، في انتظار إطلاق مشروع ثقافي فكري، المؤتمر العاشر وما شهده من سجالات ونقاش جعلني أقرر التخفيف بعض الشيء من المسؤولية ذات الطابع التنفيذي للتفرغ لمهام أخرى ذات طابع استراتيجي. نحن نحتاج رؤية أعمق للمرحلة وتواصلا اكثر مع النخب والشعب وأبناء الحركة، لأَنِّي مقتنع بأنّنا في أمس الحاجة الى جهد فكري واستشرافي يتجه الى المستقبل ويرسّخ مرحلة الحزب الوطني المنفتح الذي يعمل على جمع طاقات التونسيين على البناء والتنمية.
ـ لكن ثمة من يقول أنّ المؤتمر كان مناسبة لفرض قبضة الغنوشي على النهضة؟
الرأي الذي دافعت عنه شخصيا في المؤتمر وقبله هو أنّ التوازن يكون بين المؤسسات وليس داخل المؤسّسات. ان من أهم الإضافات التي قدمها الفكر السياسي الحديث هي فكرة ضبط السلطات والتوازن فيما بينها، بحيث يكون الأعلى منها رقيبا على ما دونها في إطار صلاحيات واضحة ومقيّدة، اي ان رئيس الحركة سواء كان الشيخ راشد او غيره له الحق في اختيار فريق قيادي تنفيذي متجانس تتم تزكيته او رفضه من المؤسسة الشورية كما جرت العادة، ويحاسب من طرف مؤسّستي الشورى والمؤتمر. كيف يمكن لرئيس حركة أن ينفذ برنامجه بفريق مفروض عليه او غير متجانس؟، المسألة حسمت لصالح المزيد من النجاعة والعصرية والديمقراطية وليس لفرض الهيمنة على النهضة، وهذا الرأي سأظل أدافع عنه بغض النظر عمن يكون رئيس الحركة سواء الشيخ راشد الغنوشي او غيره، اذ ان أسوأ ما يكون في السياسة هو ان تبنى المواقف على الأمور الظرفية العابرة أو الاعتبارات الشخصية والحسابات الآنية.
ـ لكن عبّر عن هذا الموقف قياديون من الوزن الثقيل؟.
هذا دليل على أنّ تجانس القيادة لا يعني الاستبداد او الاقصاء. من يرى نفسه اقليا هذه المرة يُمكن ان يصبح أغلبيا في المرة القادمة بحكم الديمقراطية. وتقديري ان النهضة ليست حزبا ستالينيا مغلقا بل هي مدرسة فكرية وسياسية كبيرة تتيح لمنتسبيها التعبير عن مواقفهم داخل المؤسسات بكل حرية، ولكن مع الالتزام بالقرارات والمواقف التي يتمّ التصويت عليها.
ـ ألا تخشون انقسام النهضة الى قسمين؟
لا يوجد اي مبرر للانقسام لأنّ مؤسسات النهضة تدار بطريقة ديمقراطية واغلب النسيج القيادي مدرك لسقف الاختلاف حريص على عدم تجاوزه. هذه خصوصية حزبنا الذي صمد امام محاولات الاستهداف. لدينا تقاليد ديمقراطية ومؤسسات قوية قادرة على إدارة الاختلاف الداخلي ومن يراهن على الانقسام لن يجني غير السراب.
طبعا ثمة اختلافات واضحة في الخط السياسي وفي النظرة للديمقراطية الداخلية ولكن المؤتمر تبنّى خط قيادة الحركة، وهي مطالبة بالبرهنة على سلامة خيارها. والنهضة ليست كتلة صماء قائمة على الولاء الأعمى كما يتصوَّر البعض بل هي حزب كبير متنوع ولكنه منظم ايضا بمؤسساته القويّة.
ـ لاحقتكم كثيرا من الشائعات، كيف تقيمون نشاطكم السياسي بعد الثورة؟ وما هي مشاريعكم للمستقبل؟
للأسف العمل السياسي لا يخلو من المكائد ومن «الضرب تحت الحزام» من الخصوم وحتى من الأصدقاء احيانا. والحمد لله رغم كل حملات التضليل والتشويه، فقد أنصفنا القضاء في نهاية المطاف، بعدما تبين على سبيل القطع ان الهبة الصينية موجودة في خزينة الدولة باسم الحساب الخاص لوزارة الخارجية وليس باسم الحساب الشخصي لرفيق عبد السلام كما اشيع، وقد عادت القضية الى طورها الأصلي باعتباري متضررا والطرف الاخر هو الملاحق بتهم، وفق اخر ما صدر عن محكمة التعقيب.
طبعا لا اخفي اني تأثرت احيانا بالحملات مثل اي إنسان، ولكن ذلك لم يؤثر على ولائي لوطني وانخراطي في مسار الإصلاح الوطني، بقطع النظر عن الموقع الذي أكون فيه. انا أعيش بين التونسيّين وأقضي وقتا في مخالطتهم اليومية، والحمد لله لم أَجد من التونسيين والتونسيات الا الاحترام رغم حجم التشويه الذي تعرّضت له، ولكني انبه السياسيين الى أنّ المواطن قد يكون في طريقه الى فقدان الثقة في السياسيين بسبب كثرة الصراعات الجانبية وتصفية الحسابات الصغيرة.
لماذا في تقديركم؟
الشعب انتظر أن تراجع النخبة مواقفها بعد ازمة 2013 باتجاه الوعي بالأولويات الوطنية وحاجات الناس العملية، ولكن للأسف مازال”صراع الديكة” في البرامج الحوارية هو السمة الغالبة، إنّ الزج بالبلاد في معارك سياسويّة لا يخدم الا أجندة الإرهاب والفوضى والأطراف التي قد تكون تحلم بعودة الاستبداد، ولكن الشعب التونسي ذكي ومنفتح وهو يريد في تقديري نظاما مستقرا متوازنا يقوم على التوافق وكل من يشذ عن القاعدة سيخرج في النهاية بخفي حنين، التوانسة لا يريدون مشعلي الحرائق والفتن وإنما يبحثون عن الهدوء والتوافق، وما اتمنّاه هو ان يستوعب كل الفاعلين الدرس جيدا حتى لا يعيدوا نفس الأخطاء ويستهلكوا مزيدا من الجهد والوقت في غير محلهما.
ـ لكن النهضة ايضا كانت لها مواقف بعيدة عن التوافق، وما زالت فيها أصوات تدعو الى فك الارتباط مع النداء؟.
النهضة اكثر حزب عانى الاضطهاد السياسي والامني طيلة 40سنة، ولكن تعالت على نفسها وبرهنت بعد الثورة على انها صمام أمان ضد ثقافة الثأر والانتقام والتشفي. قد تختلف قراءاتنا لمفهوم التوافق، ولكن الخط الغالب في حركتنا واضح ويدرك أهمية طَي صفحة الماضي والتعايش بين التونسيين في كنف الدستور. اذكر كثيرين، كانوا يقولون ان النهضة لن تسلّم الحكم الا بالدماء وبضمانات بعدم ملاحقة قادتها وغير ذلك من الترّهات. النهضة تخلت عن الحكومة بشروط وطنية وهي استكمال الدستور وهيئة الانتخابات وكانت مغادرة علي لعريض للقصبة درسا بأنّ الوطن أهم من السلطة.
ومشاركة النهضة في حكومة الصيد بوزير واحد تأكيد لحرصها على نجاح المسار والنموذج، بشكل يتجاوز اي نظرة حزبية ضيقة، إنّ التوافق الصحيح هو الذي ينبني على التوازن والرغبة في العيش المشترك، ولعله من المفيد هنا لفت الانتباه الى طبيعة المعادلة السياسية في الداخل وحتى في الإقليم لا تسمح لأي طرف بالاستئثار بالمشهد والغاء الآخرين، ومن يفكر بخلاف ذلك يضع نفسه في الموقع الخطا.
نحن لم ننتهج خط التسويات والتوافق لانه مطلوب من الناحية الاخلاقية فقط بل لانه مجد ايضا من الناحية السياسية بحكم ما يجلبه هذا الخيار من أمان واستقرار وتقليل من حجم المخاطر في البلاد، وهذا خيار واع ومتبصّر وليس خيار الغافلين او المغرّر بهم.
ـ تتالت التحذيرات مؤخرا من انتهاء «شهر العسل» بين الشيخين؟.
تونس استفادت من «لقاء باريس» ولا مصلحة لأحد في الاساءة لعلاقة الاحترام والثقة بين رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة. للأسف ثمّة أطراف تريد خلق بؤر توتر بإثارة مواضيع بطريقة خبيثة مثل زيارات الغنوشي للخارج مثلا، بزعم انها ديبلوماسية موازية للدولة، وهي في الحقيقة طبيعيّة وتدخل في باب الديبلوماسية الشعبية المعتادة في كلّ الدول والتجارب الديمقراطيّة. ثمة أطراف تعتبر انقطاع هذه العلاقة شيئا مفيدا لأجندتها ضيقة الأفق، وهي تريد أن تستثمر في لعبة الصراع والتنافي، كما تعمل على اثارة المخاوف والهواجس من النهضة مجدّدا وكأنه لم يكف تونس ما بددته من جهود وطاقات في سياسات ثبت ضررها للجميع، وهذه حقيقة يجب فضحها والتشهير بأصحابها.
ـ لكن في النهضة قلق حقيقي من موضوع التعيينات وتحول حزبكم إلى تابع للنداء وهناك تحميل مسؤوليّة للشيخ راشد الغنوشي الذي لا يرفض في نظرهم طلبا لسي الباجي؟.
أولا الشيخ راشد زعيم يفكر بمنطق وطني وهو معني بالحفاظ على تجربة التوافق التي بناها مع رئيس الجمهورية، وليس سياسيا عاديا يبحث عن منصب او موقع له او لحزبه. حين أمضى على خارطة الطريق رأى البعض في ذلك انتحارا سياسيا ولكن الأيام اثبتت العكس. الغنوشي لا يفصلُ مصلحة النهضة عن مصلحة تونس، وكما قال مرارا لا معنى للبحث عن مقعد وثير في سفينة غارقة، لكن هذا لا ينفي تنبيه شركائنا الى خطر عقلية الغنيمة في التعاطي مع الدولة،.
ـ هذا يعني انّ الأجواء في مونبليزير جيّدة وأنّ الأمور عال العال بينكم وبين النداء؟.
الحقيقة ثمة استياء في صفوف الشباب وعدد من القيادات المركزية والجهويّة والمحلية مما يَرَوْنه»فهمًا خاطئا لجدية النهضة في التوافق»، وربما محاولة لإغراق الادارة بالتعيينات للسيطرة على البلاد بواسطة الاطارات الوسطى للتجمع المنحل. نحن ابلغنا هذا القلق لشركائنا مباشرة أو بواسطة الأصدقاء المشتركين، ونتلقى ردودا واضحة بانه لا توجد اي نية للانقلاب على سياسة التوافق. طبعا قيادة النهضة تدرس الواقع ورئيسها قال بوضوح بانه لم يمنح صكا على بياض للحكومة، وان تقييم ادائها في مختلف المجالات سيراعي عديد الاعتبارات، منها تمسكها بخيار التوافق قولا وفعلا. في تقديري ان خيار التوافق فيه مصلحة للجميع وليس للنهضة فقط وان طبيعة المعادلة السياسية لا تسمح لأي طرف بالهيمنة، وعلى الجميع حسن قراءة الواقع جيدا حتى لا يقع في اخطاء مضرة لنفسه قبل غيره.
ـ ألا تعتقدون ان وصول النداء لرئاسة الحكومة قد يعني لقياداته انه لم يعد في حاجة الى التوافق مع النهضة؟
النداء حصل على رئاسة الحكومة ليس لانه فاز في الانتخابات فقط بل لان النهضة لم تمانع في ذلك، وراهنت على بناء ثقة متبادلة، التعويل على التعيينات لتغيير المشهد السياسي سيؤدي الى هز الثقة ولن يحقق اي مكسب للنداء او لغيره. النظام السابق احتكر الدولة منذ الاستقلال والنتيجة معروفة. لا احد يقبل اليوم الاستبداد او تزوير الانتخابات، ولا احد يمكنه التكهن بنتائج الانتخابات مستقبلا، وأي حكومة جديدة كفيلة بإلغاء التعيينات المسقطة او «سيئة النية» اذا تبين ذلك. اعتقد أنّ زملاءنا في النداء جادون في التوافق وان حصل العكس فلكل حادث حديث. والمهم أنّ النداء غير قادر على ابتلاع النهضة، كما ان النهضة حريصة على وجود حزب مثل نداء تونس لإحداث توازن في البلاد.
ـ لكن أحد قادة النهضة قال عن علاقة النهضة بالنداء بأنها صفقة مغفلين؟.
تونس تعيش منذ النصف الثاني ل2013 على إيقاع التوافق بين النهضة والنداء، بل ان إحدى المؤسسات الاممية الاقتصادية طلبت التزاما من الحزبين بعد الانتخابات حتى تواصل دعم تونس. النموذج التونسي هو في جوهره نتيجة هذا التوافق الذي جنب البلاد كثيرا من المخاطر. والذي لم يكن يوما صفقة تحت الطاولة ولا صفقة مغفلين بالطبع. فن التسويات والتوافق وتجنب الاستقطاب ما أمكن، هو عين الروية والحكمة وليس بالغفلة او قلة النباهة.
ـوماذا عن موقفكم من حكومة الشاهد؟
من السابق التقييم، ولكن النهضة دعمت حكومة السيد يوسف الشاهد بصدق ونعتبر نجاحها نجاحا لتونس. للأسف البعض يراهن على فشلها لمصالح حزبية او شخصية وهم يتجاهلون انها حكومة الفرصة الأخيرة للنخبة الحالية. فَلَو فشلت هذه الحكومة لا قدر الله، فان الناس سيتّجهون إلى نفض أيديهم من الطبقة السياسية بمجملها، وهذا من شانه أن يزيد من حجم المخاطر ومن منسوب اليأس خصوصا لدى الشباب، نقول هذا الكلام رغم ان مشاركة النهضة فيها ليست في مستوى مكانتها في المشهد السياسي لان مصلحة تونس فوق مصلحة الاحزاب.
ـ كيف ترون المستقبل؟
أنا متفائل بطبعي رغم حساسية الظرف واعتقد اننا بحاجة الى الحوارات استراتيجية بين الفاعلين السياسيّين لوضع ملامح تونس المستقبل التي نريدها انطلاقا من الدستور والتجارب التي راكمناها بعد الثورة. نحن نحتاجُ اليوم تعاقدا جديدا بين النخبة او الجزء الناضج منها على الأقل نظاما سياسيا قويا متوازنا تدار فيه الاختلافات في إطار ديمقراطي ويدعم الحكومة التي لا يمكن ان تنجح دون سند سياسي فاعل وجدي. كما انه من الضروري ان نصوب طاقات التونسيّين اليوم نحو التنمية والبناء والتعمير، حتى نعزز رصيد النجاح السياسي النسبي بنجاح اقتصادي ملموس ينعكس إيجابيا على حياة التونسيين ويعزز ثقتهم في التجربة الديمقراطية الوليدة.

أجرى الحديث: خالد الحداد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *