راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي للشرق الأوسط: ندعم حكومة الصيد ونرحب بمصالحة الدولة مع النهضة

• النهضة تصالحت نهائيا مع الدولة والمجتمع

لم نتحول الى حزب علماني والنهضة محافظة على مرجعيتها الإسلامية المعتدلة

تونس كمال بن يونس

أعلن راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة التونسية في حديث شامل للشرق الأوسط أن حركته مقبلة عل تجديد كبير في قياداتها المركزية هذه الصائفة وعن فصل كامل بين المؤسسات السياسية للحزب وكل الجمعيات الخيرية والمجتمعية والدعوية والدينية .

واعتبر زعيم حزب النهضة التونسي أن حزبه والاحزاب المعتدلة في المنطقة ـ مثل حزب عبد الالاه بن كيران في المغرب ـ هما البديل الحقيقي عن ” داعش” و” القاعدة ” وغيرها من التنظميات المورطة في العنف والارهاب باسم مرجعيات دينية مغلوطة .

وأعلن الغنوشي عن دعم حركته وحزب نداء تونس والائتلاف الحزبي الحكومي الحالي لتجديد الثقة في حكومة الحبيب الصيد رغم الصعوبات التي تمر بها .

وفيما يلي النص الكامل للحوار :

• السؤال الأول الذي يفرض نفسه بعد مؤتمركم الوطني العاشر الذي وصفه البعض ب”المؤتمر التأسيسي الجديد”لحزب مدني له مرجعيات إسلامية : ماذا بعد المؤتمر؟ ما هي أولوياتكم الجديدة بعد أعوام من المشاركة في الحكم جاءت بعد عقود من القمع والصدامات مع السلطات ؟

++ بعد عقود من القمع والمضايقات عقدنا خلالها ثمانية مؤتمرات سرية انعقد مؤتمرنا التاسع في 2012 ونحن نرأس الحكومة الانتقالية. وجاء هذا المؤتمر العاشر في ظل مشاركة جزئية في الحكم ليسمح بالقيام بنقد ذاتي واستشراف المستقبل .

بعد هذا المؤتمر الوطني الناجح فإن أولويتنا هي تنفيذ مقرراته السياسية والتنظيمية بدءا بتشكيل الهيئات القيادية الجديدة للحركة .

فقد انتخب المؤتمر رئيس الحركة وثلثي أعضاء مجلس الشورى الوطني الجديد ـ أعلى سلطة بين مؤتمرين ـ الذين سينتخبون الثلث المتبقي . ثم سوف يعرض رئيس الحركة على المجلس بكل أعضائه قائمة أعضاء المكتب التنفيذي الجديد للتزكية والمصادقة.

وستكون الصائفة القادمة موعدا لتجديد كل هياكل الحركة جهويا عبر انتخابات جهوية سوف تؤدي لأول مرة الى انتخاب أمناء العامين الجهويين واستحداث مجالس شورى جهوية منتخبة .

وهذه الهياكل المنتخبة سيقع استحداثها ضمن إستراتيجية الإصلاح والتغيير التي تبناها المؤتمر والحزب بعد أن تطور الى حزب وطني مدني وسطي جامع لكل التونسيين والتونسيات .

بحث عن مشروع إسلامي معتدل ؟

• كيف تفسرون الاهتمام الدولي الكبير بمؤتمر حزب النهضة الإسلامي التونسي وحضور مئات الديبلوماسيين والإعلاميين والضيوف العرب والأجانب لافتتاح مؤتمره الوطني الذي واكبه رئيس تونس وزعيم “التيار البورقيبي العلماني ” الباجي قائد السبسي ومئات العلمانيين والليبيرالييين واليساريين التونسيين ؟

هل هو بحث عن ” مشروع إسلامي معتدل” في مرحلة تزايد فيها تأثير الغلاة والمتشددين وبينهم من ينتسب الى المرجعيات الدينية مثل عناصر ” القاعدة ” في المغرب الإسلامي و” داعش”؟

++ حضور رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي للمؤتمر الوطني لحركة النهضة يؤكد الصبغة الاستراتيجية للشراكة والتعاون بين الوطنيين التونسيين من رموز التيارين الدستوري والاسلامي .

ومشاركة رئيس الدولة في افتتاح مؤتمر حركة النهضة يؤكد ماجاء على لسانه من كون حركتنا تطورت فعلا من حركة إسلامية شاملة الى حزب مدني وطني متصالح مع الدولة بعد تبني دستور 2014 بوضوح أن الإسلام دين الدولة وبالتالي اغلق هذا معركة الهوية المستعرة منذ الإستقلال .

الرئيس قائد السبسي دعم أولويات التوافق والمصالحة الوطنية والتنمية ونحن ندعم نفس الاولويات .

لقد نشأت الحركة رد فعل على نظام شمولي, فنشأت حركة شاملة لأبعاد مختلفة كالدعوي والثقافي والخيري, ثم شملت السياسي وناضلت ضد الدكتاتورية. واليوم تطورت حركة النهضة التونسية بفضل مناخ الحريات في البلاد في اتجاه التخصص في العمل الحزبي المدني والفصل مع بقية الأبعاد المجتمعية فصلا تاما.

وقد أعاد رئيس الدولة في الكلمة التي توجه بها من مؤتمر حركتنا الى مناضلينا والى الشعب التونسي ودولته والى الضيوف والملاحظين الأجانب على كونه لا تناقض بين الإسلام والديمقراطية ولا بين المرجعيات الإسلامية والأحزاب الحداثية المدنية الوطنية التي تتفرغ لخدمة المشاغل التنموية للشعب .

الفصل بين الديني والسياسي

• تراوحت ردود الفعل وطنيا وعربيا ودوليا على نتائج مؤتمر حزب النهضة الإسلامي بين مرحب ومنتقد.

وبرز الخلاف خاصة حول قرارات لوائح المؤتمر الخاصة بالفصل بين ” الدعوي الديني ” و” العمل الحزبي السياسي ” ؟ فهل يتعلق الأمر فعلا بتوجه نحو ” العلمانية ” والفصل بين الديني والسياسي نهائيا؟

++ لوائح مؤتمرنا أكدت على التخصص الحزبي بالنسبة للذين يختارون العمل الحزبي والتخصص في العمل الخيري والثقافي والاجتماعي والدعوي بالنسبة للذين يختارون التخلي عن المسؤوليات الحزبية السياسية والتفرغ لخدمة المجتمع ضمن منظمات المجتمع المدني والهيئات غير الحزبية التي انتشرت وتضاعف دورها بعد أن انتصرت الديمقراطية وتراجعت هيمنة الدولة والحزب الحاكم السابق عليها .

لوائح مؤتمرنا أقرت المصالحة مع قوانين البلاد ودستورها الجديد فيما يتعلق بوقف تداخل عمل قيادات الأحزاب مع عمل منظمات المجتمع المدني .

لقد تسبب القمع سابقا في أن لجأت المعارضات الشمولية وبينها الأطراف اليسارية والإسلامية الى توظيف النقابات والجمعيات والمنظمات الطالبية وحتى المساجد ضمن نضالها ضد الدكتاتورية.

أما اليوم وقد فرض الشعب حرية العمل السياسي والحزبي العلني وبعد أن انتصرت الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية فالتخصص ضروري ومحمود . وهو ليس مجرد تقاسم للأدوار بل خيار مبدئي .

انتصار للعلمانية ؟

• أليس في مثل هذا التوجه انتصار للتوجه العلماني على حساب المدارس السلفية الدينية القديمة ؟

++ نحن لم نقل أبدأ أننا انتقلنا من حزب اسلامي الى حزب علماني ولم تتحدث لوائح مؤتمرنا عن التخلي عن المرجعية الإسلامية رغم تبنيها تطوير هوية الحزب السياسي الى حزب مدني وطني وسطي مفتوح لكل التونسيات والتونسيات .

تونس دولة لها هوية عربية إسلامية والدستور الجديد ينص على ذلك بوضوح . لكننا ننتقل من الشمولية الى التخصص السياسي والحزبي بمرجعية إسلامية معتدلة لا تزعم لنفسها احتكار الإسلام أو النطق باسمه.

حزب بورقيبة وبن علي

• هل كنتم حركة شمولية وكيف تفسرون أذن تصالحكم مع رموز حزبي بورقيبة وبن علي الذين حضر مئات منهم افتتاح مؤتمركم مثل الهادي البكوش وعبد الرحيم الزواري وأحمد فريعة وعبد الحفيظ الهرقام.. ؟

++ حركتنا نشأت مثل بقية الحركات السياسة والاسلامية القديمة في المنطقة حركة شمولية .

وقد يكون الأمر بالنسبة لتونس مرتبطا بكون الحزب الحاكم نفسه ـ في عهد بورقيبة وبن علي ـ كان حزبا شموليا يهمين على الحياة السياسية والمجتمع المدني وما كان يسمى ب”المنظمات القومية” التي كان بعض قادتها أعضاء في القيادة العليا للحزب مثل الديوان السياسي أو اللجنة المركزية .

وبعد أن سقطت الدولة الشمولية والحزب الشمولي الحاكم اعتقد أنه انتهى دور ” الأحزاب الشمولية ” سواء كانت شيوعية أو قومية أو إسلامية .

نحن ننتمي اليوم الى جيل جديد يمنع فيه قانون الأحزاب والجمعيات والدستور وكذلك قانون المساجد الخلط بين السياسي والديني في المسؤوليات الحزبية والمسؤوليات على رأس منظمات المجتمع المدني .

الواقع تطور من حولنا بعد سقوط الدكتاتورية والاعتراف بالاسلام والعروبة هوية للدولة واصبح التخصص صفة من صفة الدولة والمجتمع الحديثين. فما هو اذن مبرر توظيف المساجد حزبيا بينما يسمح المجال بممارسة الانشطة الحزبية والسياسية في مقرات الأحزاب والفضاءات العامة؟

نحن مع التمايز بين وظائف الاصلاح : الدولة راعية للدين والمجتمع المدني المستقل مسؤول عن الاصلاح الاجتماعي والثقافي والعمل الخيري بينما الأحزاب مسؤولة عن الاصلاح السياسي .

واعتقد أن هذا التمايز مفيد للدين وللصحوة الدينية من جهة وللاصلاح السياسي من جهة ثانية . ولطالما تأثرت الصحوة الدينية والايمانية سلبا بالاضطرابات السياسية كلما ساءت علاقة السلطات بالاطراف السياسية الإسلامية .

السياسة متقلبة وساحة تدافع وتنافس فلماذا تتضرر مجالات العمل المجتمعي وجمعيات الاصلاح الثقافي والاجتماعي والدعوي كلما اصطدمت السياسة بالسلطة ؟

لا نريد للدين أن يبقى مصيره رهين تقلبات السياسية ولا أن توظف السياسة الحزبية الدين .

وفي هذا السياق نرحب بمصالحة رموز التيارات الدستورية والوطنية ورموز الدولة في العقود الماضية مع مشروعنا السياسي ومع دعواتنا للتوافق و المصالحة الوطنية .

تجارب المغرب وتركيا

• هل هناك تجارب إسلامية اعتمدت من قبل مثل هذا التخصص والتمايز بين الديني والسياسي ؟

++ فكرة الحزب الشمولي تنتمي لجيل تخوف على مستقبل الأمة فتبنى خيارات التيارات الشمولية القومية واليسارية والإسلامية . هذه المرحلة ـ مرحلة الايديولوجيات الشمولية بأنواعها توفرت لنا الفرصة في تونس لتجاوزها . ونحن اليوم في مرحلة التخصص بأدق ما يكون.

هناك تجارب إسلامية مهمة في هذا الاتجاه . ولعل أقرب تجربة إلينا في هذا السياق تجربة المغرب الشقيق حيث تمايز الحزب السياسي ـ حزب العدالة والتنمية بزعامة عبد الالاه بن كيران رئيس الحكومة ـ عن دور جمعيات الدعوة والاصلاح .

وفي تركيا هناك استقلال كامل للسياسي والحزبي عن المناشط الدينية والاجتماعية والأوقاف والتعليم . وهناك تجارب أخرى ناجحة .

تجربتنا في تونس خاصة بنا وهي ليست للتصدير وإن كان يمكن الإستفادة منها, ونحن نسعى إلى أن نتميز باستقلال تام للعمل السياسي الحزبي عن دور منظمات المجتمع المدني .وهو خيار يفرضه القانون وتفرضه المصلحة .

سندعم حكومة الصيد

• وماذا ستكون أولوياتكم في المرحلة القادمة التي كثرت فيها الانتقادات لحكومة الحبيب الصيد وتزايدت فيها المطالبات بتغييره ؟ هل ستطالبون باسقاطها أم سوف تتابعون مع رئيس الجمهورية وحزب النداء دعمها ؟

++ تمر حكومة السيد الحبيب الصيد بصعوبات لكننا لا نعتقد أن مصلحة البلاد ولا مؤسسات الدولة اليوم تغيير رئيس الحكومة الحبيب الصيد, وما دام رئيس الحكومة يحظى بثقة رئيس الدولة فنحن مستمرون في دعمه.

الاستاذ الحبيب الصيد يعمل بجد مع فريقه الحكومي . ونحن في حركة النهضة وكذلك حزب النداء وشركاءه في الحكم ندعمه ونعتبر أن أولويات المرحلة القادمة اقتصادية اجتماعية تنموية وليست سياسية .

الشباب والمهمشون والشعب في انتظار حلول تنموية والبلد يستعد للانتخابات البلدية والجهوية العامة ومن مصلحة الجميع دعم حكومة التوافق الحالية, كما نأمل أن ترفع الحكومة من نسق الإصلاحات الإقتصادية الضرورية, ومن نسق بعث المشاريع الكبرى في الجهات المختلفة حتى نوفر للشعب ما يحتاجه من حركية إقتصادية.

الارهاب لن ينتصر في ليبيا وتونس

• أخيرا كيف تنظرون الى مستقبل جارتكم ليبيا سياسيا وامنيا خاصة انها كانت قبل 2011 الشريك الاقتصادي الأول لتونس بعد الاتحاد الأوربي ؟

++ الشقيقة ليبيا ستنتصر على الارهاب نهائيا ولو بعد حين . كما سوف ينتصر فيها خيار التسوية السياسية على خيار الحرب والعنف رغم بعض التعثر الذي يسجل هنا وهناك.

وسيثبت الشعبان في تونس وليبيا مجددا أنهما فعلا أقوى من الارهابيين وأن ظاهرة العنف والارهاب لن تنتصر بفضل عوامل عديدة من بينها وجود نوع من الاجماع على رفض اقحام منطقتنا في صراعات حزبية وطائفية ومذهبية غريبة عن هوية مجتمعاتنا المتصالحة مع عروبتها واسلامها وخصوصياتها الثقافية .

حاوره كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *