رأي في زواج المسلمة من غير المسلم في ضوء حريّة الضّمير و المعتقد… بقلم سامي براهم

و إن كنّا نعتبر أنّ الزّواج رابطة مدنيّة تخصّ الطّرفين المعنيين بالزّواج فإنّنا نريد أن نفهم موقف التّشريع الإسلامي الحادّ من زواج المسلمة من غير المسلم.
و قد أجمعت المنظومة الفقهيّة الإسلاميّة على اختلاف مذاهبها على تحريم زواج المسلمة من الكتابي سواء كان يهودياً أو نصرانياً ، و لا يوجد على حدّ علمنا رأي فقهيّ واحد يؤيد هذا الضّرب من الزّواج.

و من المشروع أن يسأل السّائل: ما الحكمة من تحريمه على المسلمة دون المسلم ؟

و للجواب عن ذلك ينقسم الفقهاء إلى مدرستين تذهب الأولى إلى أنّ الأحكام الشّرعيّة توقيفيّة غير معلّلة و أنّ المؤمن مطالب بالامتثال دون التّفكير في التّعليل، أمّا المدرسة المؤمنة بتعليل الأحكام فترى أن سبب التّحريم يعود إلى اعتبارات لها علاقة بالذّكورة والأنوثة و صفاء المجتمع الإسلامي و تتعلّق بقوة الرّجل وقوامته و سلطانه على أفراد أسرته و لا سيما الزّوجة، إذ من الممكن أن يجرّها يوما ما إلى الإسلام، كما أنّ الأبناء يركنون عادة إلى معتقد آبائهم ، فإذا كانت الأم مسلمة وكان الأب مشركاً فمن الطّبيعي أنهم يتبعون ديانة أبيهم . 

و قد أصدر مجلس الإفتاء الأوروبي فتوى خاصة بمسلمات الغرب تجيز بقاء المرأة التي دخلت في الإسلام بعد زواجها من غير المسلم على ذمّة زوجها و ذلك اجتنابا لما قد ينشأ عن التفريق من نفور عن الدّخول في الإسلام أو عنت بعد الدّخول فيه. غير أنّ تلك الفتوى ما كان لها أن تصدر لولا وجود مواقف فقهيّة سابقة تعضدها مثل ما ورد في كتاب ابن قيم الجوزيّة ” أهل الذمّة ” . لكنّ المجلس بقي ثابتا على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم ابتداءً ؟

و كان موقف الشّيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، صارما إزاء فتوى الدّكتور حسن التّرابي التي أباح فيها زواج المرأة المسلمة من رجل كتابي إذ اعتبرها باطلة ولا يجوز العمل بها لأنها مخالفة لإجماع الأمّة و لجميع المذاهب الإسلامية وما استقر عليه الفقه الإسلامي السنّي والشيعي والزّيدي و الإباضي ، وحتّي المذاهب المنقرضة منذ أربعة عشر قرنا. 

و قد اتُّهم الترابي بالردّة عن الإسلام بسبب تلك الفتوى، إذ أقام عليه الشيخ محمد عبد الكريم عضو هيئة علماء السودان دعوى قضائية تحت المادة ( 125 ) من القانون الجنائي السّوداني ـ حدّ الردة ـ خاصّة أنّه إضافة إلى فتواه ببطلان تحريم زواج المسلمة من غير المسلم وصف ذلك التّحريم بأنّه “مجرد أوهام وتضليل، تهدف إلى جر المرأة المسلمة إلي الوراء “.

في ظلّ هذا الجدل الحادّ كيف يمكن النّظر إلى زواج المرأة المسلمة من غير المسلم في ضوء ما أقرّته المواثيق الدّوليّة للحقوق ؟ أليس من التّمييز إباحة زواج الرّجل من المختلف الدّيني و تحريمه على المرأة ؟ 

نستأنس في الجواب على ذلك برأي الشيخ متولّي الشعراوي الذي اعتبر أنّ المسلم ملزم شرعا بأن يعترف بالأديان السابقة له، و أن يعتقد نبوّة موسى وعيسى و كلّ الأنبياء باعتبار ذلك ركنا من الأركان التي لا يستقرّ إيمانه دونها، على عكس غير المسلم الذي لا يعترف أصلا بالإسلام دينا ويعتبر نبيّ المسلمين ” كاذبا مدّعيا ” و كتابه مفترى. وتبعا لهذا الوضع الاعتقادي المتقرّر فإنّ الكتابية عندما تتزوج من الرّجل المسلم يكون ذلك ضامنا لحقّها في ممارسة شعائر دينها واحترام كتابها السّماوي و توقير نبيّها إذ الإيمان به وبنبوّته من الإيمان بنبوّة محمّد.

أما المسلمة في عصمة غير المسلم الذي لا يعترف بدينها و لا بكتابها ولا يوقّر نبيّها فستكون عرضة لتضييع الحقوق من خلال الغبن الذي سيلحقها من جرّاء سبّ نبيّها لأنّ الكفر به ولعنه شعبة من شعب الإيمان لدى زوجها. لذا ليس من العدل حسب الشّيخ الشّعراوي السّماح للمسلمة بالزّواج ممّن يصادر حقّها في ممارسة شعائر دينها و التعبد بحريتها.

و يبدو من خلال هذا التّحليل أنّ المسألة في جوهر حريّة المعتقد و لا علاقة لها بالتّمييز الجنسي أو الدّيني ، فالمقابل المعادل بالنّسبة للمنظومة الفقهيّة لزواج المسلمة من غير المسلم ليس زواج المسلم من غير المسلمة بل زواج المسلم من “الكافرة” الذي يعود تحريمه حسب ابن قيم الجوزيّة في كتابه عن أهل الذمّة إلى أنّ ” الرّجل إذا أسلم، وامتنعت المشركة أن تسلم، فإمساكه لها يضرّ بها مصلحة لها فيه، فإنّه إذا لم يقم لها بما تستحقه كان ظالماً. فلهذا قال تعالى: (ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِر) فنهى الرّجال أن يستديموا نكاح الكافرة، فإذا أسلم الرّجل أُمرت امرأَتهَ بالإسلام، فَإن لم تسلم فُرّق بينهما ” فالقضيّة إذن تتعلّق بالخشية من تضييع حقوق الزّوجة ” الكافرة ” وظلمها و ذلك لتضارب الحقوق و الحريّات و المصالح المترتّبة عن عقيدة كلّ طرف و المؤسَّسة ابتداء على الاختيار الطّوعي و الإرادة الحرّة وعدم الإكراه.

و قد يُرَدّ على هذا التّحليل أنّ التّصوّر المدني للزّواج في ظلّ القوانين الغربيّة المعاصرة يضمن حريّة الاعتقاد و حقّ ممارسة الشّعائر لكلّ صاحب عقيدة دون تمييز بين الرّجال والنّساء و أنّ من حقّ المرأة و الرّجل على حدّ سواء التظلّم لدى الهيئات القضائيّة عند التعرّض لانتهاك تلك الحقوق ، و هو تصوّر يفتقر إلى الكثير من المصداقيّة في ظلّ العديد من القوانين التّمييزيّة التي تستهدف أصحاب الدّيانات المخالفة في المنظومات القانونيّة للبلدان الغربيّة و لا أدلّ على ذلك من القانون المتعلّق بارتداء الخمار في المؤسّسات العموميّة …

كما أنّ الحياة العامّة و الزّوجيّة على وجه الخصوص لا تحتكم للقوانين حصرا مهما كانت عادلة و ضامنة للحقوق و الحريّات بل تتنزّل في سياق مخزون ثقافي و مكبوت تاريخيّ يصعب التحرّر منه في سياق سياسي عالمي عامّ يتّم بالصّراع الحضاري الذي يستنفر كلّ مكوّنات الهويّات باعتبارها آليّات للدّفاع عن الذّات بنفي الآخر و تدمير مقوّماته الثّقافيّة و حقّه في التّمايز و الاختلاف، ولا أدلّ على ذلك من الرّسوم الكاريكاتوريّة الدّنماركيّة التي أثارت استياء عارما لدى عموم المسلمين على امتداد العالم الإسلامي و لا ندري ما أثارته داخل الأسر القائمة على زواج مشترك. 

بالإضافة إلى ذلك فإنّ حصيلة الحوار بين الأديان لا تزال هزيلة و لا تضمن التّعايش السّلمي الدّائم بين أصحاب الدّيانات المختلفة في الحياة العامّة و لا سيما تحت سقف الزّوجيّة ، فلا تزال الكنيسة الكاثوليكيّة – رغم ما تحقّق في المجمع الفاتيكاني الثّاني – تقصي الإسلام من تاريخ الخلاص الذي لا يتّسع للمسلمين لأنّ فرع إسماعيل ” ابن الجارية ” طريق مسدود لا يمرّ عبره خلاص البشر ممّا يترتّب عنه إقصاء الإسلام من الدّيانات الكتابيّة و عدم تصنيفه ضمن الخطّ اليهودي المسيحي و الإرث الإبراهيمي بل هو ديانة وثنيّة تحريفيّة أقرب إلى الهرطقة و نبيّه في أفضل الأحوال كاردينال منشقّ ، ممّا يوفّر الأرضيّة العقديّة والعمليّة لّلتشكيك في الأصالة العقائديّة للإسلام و المصدر السّماويّ لوحيه ومصداقيّة نبيّه فضلا عن قيمه الرّوحيّة والأخلاقيّة والحضاريّة. أمّا الثّقافة اليهوديّة فهي رهينة الصّراع العربي الإسرائيلي و تحتاج إلى وقت أطول ومجهود نظري أكبر لتجاوز معوّقات التّعايش. 

كلّ هذه المعطيات الموضوعيّة لا تشجّع حسب تقديرنا على التّعايش الزّواجي خاصّة في ظلّ ثقافة ذكوريّة لا تزال تسيطر على العالم غربا و شرقا ممّا يجعل وضع المرأة غير المسلمة في إطار زواج مشترك أي في سياق رابطة زواجيّة مع مسلم أفضل من وضع أختها المسلمة في سياق رابطة زواجيّة مع غير مسلم . كما تقف هذه المعطيات حاجزا قويّا أمام أيّ اجتهاد فقهي إسلامي يجيز زواج المسلمة من غير المسلم على اعتبار أنّ الحكم يدور مع علّته وجودا و عدما و علّة التّحريم لا تزال قائمة. و لا ندري كم سيستغرق الأمر من دورات حضاريّة و ثورات في المعرفة اللاهوتيّة حتّى تنتفي تلك العلّة أي يتطوّر موقف الأديان السّماويّة الأخرى من الإسلام و يتيسّر للمسلمة الزّواج ممّن اختاره قلبها و حرّمه تشريعها إشفاقا عليها من انتهاك حريّتها في الاعتقاد وما يترتّب عليه من سلوك تعبّدي و اجتماعي ثقافي. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı