دعوات لحلّ الأحزاب المشمولة بشبهات التمويل الأجنبي في تونس

تونس – طفت على سطح المشهد السياسي في تونس مجدّدا المطالب المنادية بحلّ الأحزاب المخالفة لقانون الأحزاب والجمعيات والمشمولة بشبهات التمويل الأجنبي والتي لم تسوّ وضعياتها القانونية في البلاد.

وكانت المطالب قد تصاعدت بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن إجراءات 25 يوليو 2021، التي عجّلت بتفكيك المنظومة السابقة بعد أن تمكنت الأحزاب من مفاصل السلطة وتحكمت في المشهد عبر الولاءات والمحاصصات الحزبية.

وتثير مطالب الحلّ حسب المراقبين تساؤلات بشأن الأحزاب المعنية بذلك الإجراء، في ظلّ ساحة سياسية كانت تعجّ بالتنظيمات الحزبية والتشكيلات السياسية لتتجاوز سقف المئتي حزب، فضلا عن الأحزاب التي استفادت من المنظومة السابقة وممارسات الفساد.

محمد العربي العياري: الأحزاب المقصودة بالحلّ هي المتسببة في عشرية الخراب
محمد العربي العياري: الأحزاب المقصودة بالحلّ هي المتسببة في عشرية الخراب
ويضيف المراقبون أنه كان على السلطة بعد 25 يوليو 2021 أن تفتح هذا الملف بجدية وتتقدم فيه أشواطا، لكن انشغالها بالأولويات الاقتصادية والاجتماعية جعلها تتريّث أو ربما تريد حلّ كل ملف على حدة.

ومنذ ذلك التاريخ وجدت الأحزاب بمختلف تصنيفاتها السياسية (يسارية ويمينية ووسطية…) نفسها منعزلة عن المشهد السياسي والشعبي، إلى جانب فشلها في الحفاظ على خزانها الانتخابي والقاعدي.

لكن التأسيس لمناخ سياسي جديد ومستقر يقتضي بالضرورة التقييم والمحاسبة وتنقية المجال من الممارسات التي عبثت بالمشهد التونسي وأضعفت أسس العمل السياسي وأهدافه.

ودعا حراك 25 يوليو (حركة شباب تونس الوطني) إلى حلّ الأحزاب المخالفة لقانون الأحزاب والجمعيات والمشمولة بشبهات التمويل الأجنبي والتي لم تسوّ وضعياتها القانونية، مطالبا بتحيين القانون المذكور. وطالب الأمين العام المساعد للحراك حسام بن أحمد بفتح ما سمّاه ملفات الفساد في الجمارك التونسية كخطوة نحو إصلاح الاقتصاد التونسي.

كما ثمّن بن أحمد سدّ الشغورات الأخيرة في هيكلة الحكومة، داعيا إلى إجراء تحوير وزاري جديد يتماشى مع متطلبات المرحلة التي تمر بها البلاد، ويشمل الوزارات التي يشهد فيها العمل تعطلا وفق تقديره. ووفق التقديرات ينشط في تونس أكثر من 200 حزب سياسي أغلبيتها تأسست بعد ثورة 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

كما يثير مصادر تمويل الجمعيات العديد من التساؤلات، وهناك من يتهم بعضها بتوظيف التمويل الأجنبي في الحملات الانتخابية للأحزاب واستقطاب الفئات الشعبية الهشة لتعزيز الخزان الانتخابي.

وقال الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري “مازلنا نشتغل بمرسوم الأحزاب في 2011، والدعوات المطالبة بالحل والتغيير تندرج ضمن الهستيريا الجماعية، والرئيس لم يتجرّأ على حل الأحزاب”.

وأضاف لـ”العرب” أن “الأحزاب المقصودة هي الأحزاب التي تسببت في عشرية الخراب، وهي بالتحديد حركة النهضة وما تبقى من حركة نداء تونس وبقية الشركاء في السلطة سابقا، والرئيس سعيد الآن يشتغل دون العودة إلى الأحزاب وكأنه يدعها تواجه التاريخ وتركها تواجه مصيرها وحدها”.

وتعيش الأجسام الوسيطة (أحزاب وجمعيات) في تونس مخاضا سياسيا عسيرا. وباتت تتأرجح بين إعادة ترميم هياكلها الحزبية ومحاولة استقطاب فئات شعبية ترفضها، من ناحية، وبين الانسحاب من المشهد في هدوء من ناحية أخرى، خصوصا في ظل تمسّك الرئيس سعيد برفضه التعامل مع منظومة الأحزاب.

وفي نوفمبر الماضي قرر القضاء التونسي حل 15 حزبا سياسيا، في حين حلّت مجموعة أخرى من الأحزاب (14 حزبا) نفسها بسبب القضايا المتعلقة بالشفافية المالية ومصادر التمويل.

نبيل الرابحي: الأحزاب جزء من الدولة العميقة وطبّعت مع الفساد
نبيل الرابحي: الأحزاب جزء من الدولة العميقة وطبّعت مع الفساد
وقالت مديرة ديوان رئيس الحكومة سامية الشرفي قدور في جلسة استماع بالبرلمان إن “السلطات طلبت بالفعل تعليق نشاط 97 حزبا من بين 150 تم إخطارها لتوضيح وضعياتها المالية”.

وأفادت لوكالة الأنباء الرسمية في تونس بأن “هذه الأحزاب لم تقدم تقاريرها المالية منذ عام 2018”، مشددة على أن الهدف من هذا الجرد هو “حماية الأحزاب من المال الفاسد والمشبوه”.

ويعتقد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “من ينادون بحل الأحزاب لا يمثلون مسار 25 يوليو ويريدون فتح باب مفتوح، لقد تمّ حلّ أكثر من 200 جمعية، وهذه إجراءات سائرة بطبيعتها من قبل الحكومة التونسية”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “هناك جرائم انتخابية وقعت في انتخابات العام 2019 تشمل حركة النهضة وقلب تونس في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهناك ضعف كبير من الأحزاب الوسطية، واتضح حاليا أنه ليس هناك أحزاب قوية في تونس، حيث لم نر من يساند رئيس النهضة راشد الغنوشي المسجون”.

وأوضح الرابحي أن “تلك الأحزاب أصبحت جزءا من الدولة العميقة وطبّعت مع الفساد ودخلت بمنطق الغنيمة والمحاصصة الحزبية، والعمل السياسي تغير اليوم وهناك فرق كبير بين ما بعد 25 يوليو 2021 وما قبله”. واستطرد قائلا “انتهى زمن الأحزاب الغنيمة، ومن يريد تحقيق المنفعة الوطنية عليه أن يلتحم بالشعب”.

وكانت دائرة المحاسبات قد كشفت عن تجاوزات وتمويلات أجنبية لعدد من الأحزاب وانتهاكات تتعلق بتمويل الحملات الانتخابية. وأظهرت في تقريرها المنشور في عام 2021 أن حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت منها الجمعيات بلغ 68 مليون دينار (25.15 مليون دولار) سنة 2017 و78 مليون دينار (28.85 مليون دولار) سنة 2018 في وقت لم تُعلم فيه 566 جمعية الحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر.

وأضافت محكمة المحاسبات في تقريرها الـ32 الصادر مؤخرا أن الأرقام التي توصلت إليها أعلى من تلك التي أوردها البنك المركزي التونسي والتي تقارب 27 مليون دينار (9.99 مليون دولار) سنة 2017 و17 مليون دينار (6.29 مليون دولار) سنة 2018، مبيّنة أن أرقام البنك المركزي التونسي المتعلقة بحجم التمويلات الأجنبية للجمعيات تمثل 41 في المئة من الحجم المتوقع لسنة 2017 و22 في المئة من الحجم المتوقع لسنة 2018.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *