اتخذ مسلحو تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية أشكالا جديدة في التنظَم والانتشار، استعدادا لضربة غربية منتظرة ضدهم في أماكن تواجدهم في ليبيا وخاصة مدينة سرت. فتحرك المسلحين نحو الجنوب دفع مسؤولين سياسيين وعسكريين أفارقة وأوروبيين وأميركيين إلى الاجتماع في العاصمة السنغالية دكار، لتفكيك طريقة تفكير التنظيم والصراعات المنتظرة بينه وبين القاعدة في المنطقة.

تتفادى عناصر تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية الضربة الغربية المحتملة على مناطق نفوذها في ليبيا، وذلك بإعادة التمركز في الجغرافيا الأفريقية وفق سلوكها المعتاد في الانتشار وهو “التشكيلات الصغيرة في مناطق نائية وواسعة”، بغرض تشتيت الضربات عليها وزيادة نسبة الخسائر داخل القوات التي تحاربها، وتفاديا لخسائر كبيرة في صفوفها عند التجمع بشكل كثيف في مكان واحد.

التكتيك الذي تستعمله “الدولة الإسلامية” في ليبيا في الخروج من سرت شمالا إلى مناطق نائية في الجنوب والدخول عبر ليبيا إلى دول أخرى مجاورة، ليس جديدا على الجماعات المتشددة المسلحة. فتحركات تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان كانت ولا تزال مطبوعة بالطريقة ذاتها التي تتصرف بها العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم داعش، وهذا ما يحيل إلى أن القيادات الداعشية الآن تستنبط تحركاتها من تنظيم القاعدة، وهي أدبيات حرب العصابات المدربة على الأماكن الوعرة والبعيدة.

ويؤكد الكولونيل ماهامان لامينو ساني مدير التوثيق والمعلومات العسكرية بالقوات المسلحة في النيجر، أن قواته قد رصدت دخولا لعناصر داعش عبر الحدود الشمالية مع ليبيا في اتجاه الأراضي النيجرية، والشيء ذاته يحدث في تشاد المجاورة، مضيفا “تتحرك الدولة الإسلامية صوب جنوب ليبيا لتفادي الضربات الجوية المحتملة من التحالف الأوروبي”. تأتي هذه المعلومات في ظل تواتر أخبار في الأيام الأخيرة عن قدوم أبوعمر الشيشاني، الرجل الثاني في تنظيم الدولة الإسلامية، إلى مدينة سرت الليبية محميا بعربات مدرعة في مقدمة قافلة تضم 14 سيارة يعتقد أن الشيشاني يوجد في واحدة منها.

الضربات ستدفع مقاتلي التنظيم إلى التفرق في مختلف الاتجاهات ومنها الجنوب مثل كريات الزئبق

ولعل هذه المعلومات الاستخباراتية التي تناقلتها وسائل إعلام عديدة، تعزز وجهة النظر القائلة إن التجربة في العراق وسوريا سوف تتكرر في ليبيا، في ظل تذبذب دولي حول ضربة عسكرية وقائية، خاصة وأن طبيعة المجتمع الليبي تعتبر مثالية لتغلغل هذه الجماعات والنمو فيها، فهي طبيعة قبلية وعشائرية يمكن للمقاتلين أن يذوبوا فيها وأن يكونوا شبكات للتعامل معها، وذلك عبر أبناء القبائل والعشائر من الذين انتموا إلى صفوف التنظيم الإسلامي المسلح.

تحول بعض الكتائب المسلحة التابعة لتنظيم داعش في ليبيا إلى جنوب البلاد ثم إلى خارجها ينبئ بمزيد اشتعال المنطقة من الناحية الأمنية، وهو ليس مؤشرا جيدا حسب قول بعض الخبراء.

إذ لم تنفك الصراعات بين تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب تنته، حتى تظهر خلافات أخرى تعيد النزاع بين التنظيمين الإرهابيين إلى الواجهة مرة أخرى. إذ تقول بعض الآراء لمختصين عسكريين فرنسيين في مالي، إن الهجمات المتكررة التي تقوم بها جماعات متحالفة مع تنظيم القاعدة في بوركينا فاسو ومالي (آخرها الهجوم على قاعدة كيدال للقوات الأممية شمال مالي)، هي هجمات تأتي في سياق إثبات النفوذ في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وغرب أفريقيا، وهي هجمات لا تخلو من تحذيرات لجماعة داعش في ليبيا التي تحاول بدورها التمدد إلى مناطق خارج ليبيا، لتأمين خروج المقاتلين والتزود بالعتاد والمؤن والأسلحة، وأيضا السيطرة على معابر التهريب التي تدر أموالا على الإرهابيين لشراء الأسلحة واستقطاب المقاتلين.وتمتد المنطقة القاحلة من صحراء الساحل الأفريقي إلى السافانا السودانية، ويجوبها بالفعل مقاتلو تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذين فرقهم تدخل عسكري فرنسي في مالي في 2012، لكنه تدخل ثقيل لم يتمكن من هزيمة التنظيم والقضاء عليه، الأمر الذي مكن المسلحين من إعادة الانتشار مرة أخرى وفق أولويات السيطرة على الحد الأدنى من المناطق المتاخمة للقبائل العربية شمال مالي والصحراء التشادية الخالية، ونقاط التماس مع دول المغرب العربي شمالا.

التكتيك الذي تستعمله “الدولة الإسلامية” في ليبيا في الخروج من سرت شمالا إلى مناطق نائية في الجنوب والدخول عبر ليبيا إلى دول أخرى مجاورة، ليس جديدا على الجماعات المتشددة المسلحة

وأشارت وثيقة وزعت على المشاركين في ندوة مغلقة لمسؤولين عسكريين كبار في دكار الأسبوع الماضي في إطار التدريبات العسكرية، إلى أنه من الضروري التركيز على التحدي الذي يشكله المتشددون في شمال غرب أفريقيا الذي أصبح “أكثر دموية وأشد تعقيدا وخطورة”. كما نبهت الوثيقة إلى أن تراجع بعض المسلحين التابعين لداعش من ليبيا نحو تلك المناطق، من شأنه أن يزيد من شراسة تلك الهجمات ووحشيتها لأنها ستكون استعراضات للقوة بين التنظيمين، ويمكن أن تصبح مناطق جنوب الصحراء مسرحا لعمليات قتال بين التنظيمين.

وتسعى السلطات العسكرية والأمنية في تلك الدول إلى تحفيز قبائلها على عدم قبول التحالف مع داعش، أو تصديق مقولة “الخلافة الإسلامية” التي سوف يروجها في المنطقة. وقال الكولونيل قاسم موسى قائد المجموعة الخاصة لمكافحة الإرهاب في تشاد على هامش المؤتمر “نقوم بإبلاغ الزعماء القبليين والدينيين في الشمال حتى يكونوا على استعداد لمنع الدولة الإسلامية من القدوم إلى أراضينا”.

وفي سياق توضيح الشكل الذي سوف تكون عليه الجماعات الإرهابية التابعة لداعش أثناء وبعد الهجمة المسلحة، قالت لورنس أيدا أمور الخبيرة في الشؤون الأمنية بمنطقة الساحل والتي تحدثت أمام المشاركين في مؤتمر دكار، إن الضربات الجوية ستحدث “تأثير الزئبق” إذ ستدفع مقاتلي التنظيم إلى التفرق في مختلف الاتجاهات منها صوب الجنوب، مثل كريات صغيرة من الزئبق.

المصدر : العرب