حكومة الشاهد والنقابات ورجال الأعمال في امتحان صعب: هل يُسقط قانون المالية اتفاق قرطاج؟ .. بقلم كمال بن يونس

بعض ممولي الأحزاب الكبرى في “قفص الاتهام” ؟

 من المتوقع أن تنظم غدا الاثنين وخلال الأسبوع الحالي سلسلة من المشاورات الجديدة بين الحكومة ونقابات العمال ورجال الأعمال والأطراف السياسية بهدف احتواء “أزمة الثقة” التي فجرها الحوار التلفزي الذي أجراه يوسف الشاهد ـ حول ضرورة ” وقف الانتدابات والزيادات في الأجور وترفيع نسب الضرائب بهدف توفير موارد مالية للدولة في مرحلة استفحلت فيها الصعوبات الداخلية والخارجية ومن بينها حلول موعد تسديد ديون الدولة” التي تضخمت وتطورت من 26 مليارا إلى أكثر من 52 مليارا من الدنانير. وقد انتقدت قيادات اتحاد الشغل والأعراف وبعض الاحزاب اعلان الشاهد عن هذه الاجراءات قبل التشاور مع شركائه في الحكومة وفي “وثيقة قرطاج“..

وتهدف المشاورات الماراطونية المرتقبة خاصة إلى ترجيح سنياريو “الحوار والتفاوض” على “القطيعة والصدام” بين الأطراف الاجتماعية وكبار الفاعلين في الدولة والقطاع الخاص والنقابات والأحزاب.. حتى لا يتسبب مشروع قانون المالية الجديد في إسقاط “وثيقة قرطاج” وربما حكومة “الوحدة الوطنية“.

وحسب مصادر حكومية وخبراء مساندين لتوجهاتها وللإجراءات التي أعلن عنها رئيسها يوسف الشاهد تبدو المؤسسات الرسمية السياسية والمالية للدولة أمام خيارين أحلاهما مر: الإعلان عن إجراءات لاشعبية بينها منع الانتدابات وزيادات الاجور لمدة عام أو اكثر أو مواصلة “ترضية النقابات” رغم مخاطر دفع الدولة عن خيار “العجز الشامل” و”الإفلاس” بسبب تراكم عجز ميزانية الدولة والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والصناديق الاجتماعية.. في وقت تتواصل فيه الاضرابات والاعتصامات التي تشل مؤسسات وطنية عملاقة من حجم شركة فسفاط قفصة والمركب الكيمياوي وتونسالجوية وإدارة الموانئ..الخ

وفي الحالتين تكشف تصريحات الامين العام المساعد لاتحاد الشغل بلقسام العياري أن “الاتحاد يرفض منهجية الإعلان عن قرارات قبل الحوار والتشاور معه“.

تصعيد اتحاد الشغل؟

وتكشف مشاورات الكواليس بين عدد من “الخبراء” و”السياسيين” و”كبار رجال الأعمال” أن من بين السيناريوهات التي يدفع نحوها عدد من قادة منظمة رجال الاعمال والمسؤولين في الدولة “التصعيد مع قيادات اتحاد الشغل” ولو كان الثمن “تفكيك” المنظمة وإضعافها وتتبع بعض قادتها” بتعلة انتهاك القوانين عند تنظيمهم إضرابات واعتصامات عشوائية”؟؟

ويرى هؤلاء أن فرض “سياسة الأمر الواقع” على قيادات النقابات التي تمر بمرحلة انتقالية عشية تنظيم المؤتمر الوطني لاتحاد الشغل سيجبرها على الموافقة على “سياسة التقشف” التي بدأت الحكومة عمليا في اعتمادها.. مثلما يكشفه امتناع صناديق التامين على المرض عن تسديد مستحقات منخرطيه.. و”مبادرات” مماثلة من بينها الزيادات المشطة في فواتير الكهرباء والغاز والماء والتطهير..الخ

لكن آخرين يعتبرون أن هذا السنياريو قد تكون نتيجته عكسية.. لأن فشل “المعتدلين” في القيادة النقابية في الحوار مع الحكومة وبقية الاطراف الاجتماعية سيؤدي إلى اقصائها في المؤتمر الوطني القادم لاتحاد الشغل.. بما سيفتح الطريق أمام صعود “المتشددين” للقيادة وبينهم قيادات كانت الى حد الان في الصف الثاني في بعض النقابات التي يهيمن عليها “أقصى اليسار”؟؟

كما تدفع هذه التطورات “المتشددين” في حزب النهضة الى دفع قيادتهم نحو الخروج من الحكومة وكتلتهم البرلمانية نحو الانتقال من “المساندة” إلى “المعارضة“..

المواجهة؟

وفي كل الحالات لا يختلف اثنان حول “الانعكاسات السياسية” لسيناريو “القطيعة والتصعيد” أو “المواجهة” بين الأطراف الاجتماعية والسياسية..

لماذا؟

الإجابة واضحة وسبقأن عبر عنها بوضوح السيدان حسين العباسي وراشد الغنوشي: الأول باسم “الجناح المعتدل في القيادة النقابية” والثاني باسم “التيار الإصلاحي البراغماتي” في قيادة النهضة وفي كتلته البرلمانية..

وقد أكد العباسي والغنوشي عن كون اتحاد الشغل وحزب النهضة “لا يمنحان صكا على بياض لحكومة يوسف الشاهد”.. لكنهما سيحكمان لها أو عليها بعد 6 أشهر على ضوء تقييمهم لدرجة التزامها بفحوى “وثيقة قرطاج” التي وقعت في أوت الماضي من قبل 9 أحزاب سياسية والمنظمات النقابية الاجتماعية الثلاثة: اتحادات الشغل والصناعة والتجارة والفلاحي.

الخروج من النفق؟

لكن السؤال الذي سيفرض نفسه في نفس الوقت على رئيس الحكومة الشاب يوسف الشاهد وعلى قيادات النقابات والأحزاب الكبرى المؤثرة في البرلمان: كيف الخروج من مثل هذا النفق؟

بعبارة أخرى: ما هو البديل الذي يمكن أن يجنب الحكومة وحلفائها “تصعيدا” يتسبب في إسقاط اتفاق “الوحدة الوطنية” الموقع في قرطاج بعد مبادرة رئيس الجمهورية الشهيرة في جوان الماضي؟

وهل يمكن أن تتجنب الحكومة وشركاؤها “تصعيدا” سيخدم “المتشددين” المعارضين للمنهج التوافقي الذي يرمز اليه اغلب القادة الحاليين لاتحاد الشغل ولحزب النهضة بزعامة حسين العباسي وراشد الغنوشي؟

وهل لا تزال أمام الجميع فرصة لترجيح خيار”المشاركة والحوار والتفاوض” على سيناريوهات “القطيعة والصدام” التي قد تتسبب في انفجارات ومواجهات اجتماعية امنية سياسية جديدة يكون وقودها جيش العاطلين عن العمل والمهمشين والشباب الذي يشعر بالإحباط؟

تقاسم التضحيات”؟

للإجابة عن هذه التساؤلات يطرح عدد من الخبراء والسياسيين، بينهم محافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي وزعيم المعارضة القانونية سابقا أحمد نجيب الشابي ومقربون من رئيس الحكومة السابق المهدي جمعة ـ خيار “تقاسم التضحيات” بين كل الأطراف الاجتماعية والاقتصادية.

فإذا كان ملايين العمال والموظفين قد يطالبون بـ” التبرع بأيام عمل” لفائدة ميزانية الدولة على غرار ما وقع في عهد حكومة المهدي جمعة، فإن رجال الأعمال يطالبون بدورهم بـ”تضحيات” حقيقية من بينها الموافقة على دفع ضرائب إضافية خاصة بالنسبة للمؤسسات التي تؤكد موازناتها أنها رابحة وفي وضعية مالية حسنة.

في نفس الوقت يقترح بعض الخبراء ـ بينهم الحبيب الصفاقسي ـ أن تعود الدولة لفرض مساهمة جبائية في حدود 10 بالمائة على حوالي 3 آلاف مؤسسة مصدرة.. وهو ما سوف يوفر للميزانية “موارد إضافية بحوالي400 مليون دينار..”

في المقابل يعتبر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن “وضع قطاع التصدير هش جدا اليوم ولا ينبغي المخاطرة بمزيد إضعافه في مرحلة تحتاج فيه الدولة الى مليارات من العملة الصعبة لتغطية حاجياتها وتسديد ديونها في 2017 “.. ويدعو الشكندالي وآخرين يوسف الشاهدالى ” اصلاح الغلط المنهجي الذي وقع فيه مؤخرا عندما أعلن عن اجراءات اغضبت اتحاد الشغل ومنظمات الاعراف وزراء في حكومته لأنه لم يستشرها مسبقا“..

فهل ينجح الحوار المقرر هذا الاسبوع مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين في إصلاح “الغلطات المنهجية” التي وقع فيها مشروع قانون المالية والشاهد في حواره التلفزي قبل أسبوع؟

 كمال بن يونس

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *