حبيب الصيد غلطوه…صندوق النقد الدولي “يحكم تونس” .. بقلم جنات بن عبد الله

مرة أخرى يخفق رئيس الحكومة حبيب الصيد في تشخيص الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد لتتعمق الهوة بين السلطة السياسية والشعب التونسي الذي يئس من الوعود ومن انتظار الحلول “المعجزة ” لإنقاذ تونس من أزمات متتالية منها ما هو مفتعل ومنها ما يعود الى تجذر ثقافة الانتهازية لدى الطبقة السياسية التي غذاها ضعف الدولة من جهة، وتغول أصحاب المصالح الذاتية من جهة ثانية، واختراق المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي لمؤسسات الدولة ولتشريعاتنا من جهة ثالثة.

وفي الحديث الذي أدلى به الى قناة تلفزية خاصة يوم 20 جويلية 2016 أفاد رئيس الحكومة بأن ” رئيس الجهورية ورئيس الحكومة والبرلمان هم من يحكمون تونس”، رسالة واضحة ودقيقة في جملة بسيطة وقصيرة توجه بها رئيس الحكومة ويفهمها السياسي والمثقف ، الفلاح والصناعي، الشباب والاطفال وأيضا من عاشوا معركة الاستقلال وأثقلتهم اخفاقات دولة الاستقلال. رئيس حكومة الائتلاف ، وفي ظرف استثنائي على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، توجه الى الشعب التونسي ليذكرهم ويطمئنهم بأن البلاد يحكمها رؤساء ثلاث اتفقوا على قيادة تونس نحو مزيد من الفقر والتهميش والتخلف من جهة ، ونحو التشريع للتفويت في سيادتنا الوطنية من جهة أخرى، على غرار قانون النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي الذي “استرجع استقلاليته” بمقتضى هذا القانون الذي دمر بفضله عملتنا الوطنية بدعوى أن قيمتها مبالغ فيها وأنه ان الأوان لتصحيح مسار الدينار في وقت تراجعت فيه كل المؤشرات الاقتصادية والمالية ليعمق تدهور قيمة الدينار ويسرع في انحدارها نحو الهاوية.
مصارحة رئيس الحكومة الشعب التونسي بخصوص من يحكم تونس جاء إجابة لما يتناقله الشعب ووسائل الاعلام بخصوص أداء حكومة الائتلاف التي رغم استقرار الوضع الأمني لم تنجح في استثماره لإعطاء إشارات إيجابية بخصوص تطور الوضع في الأشهر القادمة بعد دخوله المنطقة الحمراء في ظل تصريحات لازالت تصر على مغالطة الشعب واستبلاه نخبه حيث نفى رئيس الحكومة نفيا قاطعا في حديثه تدهور الوضع رغم تفاقم المديونية قائلا بأن “تونس غير عاجزة على تسديد ديونها ولدى البنك المركزي مخزون هام من العملة الصعبة، وأن تونس لن تتأخر يوما عن خلاص ديونها”. تصريح يتناقض مع ما تم الكشف عنه في جلسة برلمانية يوم الثلاثاء 12 جويلية 2016 بأن تونس طلبت من قطر تأجيل تسديد قرض بمليار دولار الى ما بعد سنة 2017 .
توضيح رئيس الحكومة بخصوص من يحكم تونس بتاريخ 20 جويلية 2016 سبقه اعتراف خطير من قبل محافظ البنك المركزي ووزير المالية الحالي في رسالة النوايا التي بعثا بها الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي بتاريخ 2 ماي 2016 حيث تعهدا في الفقرة السادسة من الرسالة بالرجوع الى مصالح ومسؤولي الصندوق لايفائهم بتقدم تطبيق مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية في تونس خطوة بخطوة من جهة، واستشارتهم حول إقرار إجراءات تكميلية ضرورية لبلوغ الأهداف المرسومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي من جهة ثانية، واعلامهم مسبقا بالمراجعات الضرورية لتحقيق الأهداف من جهة ثالثة. كما كشف ممثلا الصندوق في تونس وهما محافظ البنك المركزي ووزير المالية في هذه الرسالة بأن تقدم برنامج الإصلاح سيخضع طوال السنوات الأربعة لتنفيذه والى غاية سنة 2019 الى ثمانية تقييمات من قبل الصندوق وذلك لاتخاذ الإجراءات التصحيحية الضرورية لبلوغ الأهداف وحدد موعد التقييم الأول والثاني على التوالي في 31 ديسمبر 2016 و30 جوان 2017 .
هذا التعهد العلني والكتابي من قبل محافظ البنك المركزي ووزير المالية هو اعتراف بأن سلطة القرار في المجال الاقتصادي في تونس لا تعود الى السلطة التشريعية ولا الى السلطة التنفيذية أي لا الى رئيس الحكومة ولا الى البرلمان بل الى صندوق النقد الدولي باعتباره مانح للقرض، صفة تخول له حكم البلاد والعباد على عكس ما ادعاه رئيس الحكومة وذلك بمقتضى قانون النظام الأساسي للبنك المركزي الذي صادق عليه نواب الأغلبية “الحاكمة” تحت أنظار رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والذي بمقتضاه تم فك ارتباط البنك المركزي مع سلطة القرار الوطنية تحت شعار “الاستقلالية”، وإقرار تبعية البنك المركزي لصندوق النقد الدولي بمصادقة الرؤساء الثلاث وفي العلن وتحت أنظار وسائل الاعلام.
لقد اعتقد الشعب في يوم من الأيام أن الديمقراطية قد طرقت الحدود التونسية وأنه تحرر من دكتاتورية نظام سياسي ليسقط بعد خمس سنوات من الثورة في دكتاتورية نظام مالي عالمي أحكم قبضته على البلاد بتزكية الرؤساء الثلاث والسلطة النقدية والسلطة التنفيذية. وفي هذا السياق نقول لرئيس الحكومة المستاء من طريقة ازاحته من السلطة ولمحافظ البنك المركزي أن التاريخ سيكتب بالأحرف الكبيرة أن الشعوب لا تدمرها فقط الحروب بل ان مغالطات الطبقة السياسية شعوبها يكون في أغلب الأوقات أشد وطأة من القنابل والدبابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *