لجأت دول الاستعمار القديم الى ربط الدول التي كانت تستعمرها بمعاهدات واتفاقيات طويلة المدى قبل خروجها عسكريا منها.
حيث كرست هذه الاتفاقيات الهيمنة الاقتصادية والفكرية وحتى السياسية حيث باتت الدول المستقلة حديثا رهينة قرارها بشكل أو بآخر للدول التي كانت تستعمرها».
في هذا السياق تستحضرنا خطب الرئيس الحبيب بورقيبة ونحن صغار حيث كان دائم الحديث عن الجهاد الاصغر والجهاد الأكبر، ليوضح ان الجهاد الاصغر هو معركة الاستقلال الذاتي والجهاد الاكبر هو معركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بامتياز.
وبالرجوع الى وثيقة الاستقلال الذاتي الممضاة بباريس في 3 جوان 1955 والتي صادق عليها البرلمان الفرنسي في جويلية 1955 والمنشورة بالرائد الرسمي الفرنسي نكتشف التزامات تونس تجاه الشركات الاجنبية بصفة عامة حيث تنص المادة 29 من الاتفاقية الاقتصادية وهي الاتفاقية السادسة ضمن قائمة الاتفاقيات الست للاستقلال الذاتي، تنص في بابها الرابع تحت عنوان: التعاون الاقتصادي وتشغيل رؤوس الاموال الخاصة ما يلي :«تضمن الحكومة التونسية للمالكين الفرنسيين بقاء أملاكهم ومشاريعهم الخاصة وبقاء مؤسسات التعاضد والتعاون، كما تضمن صيانتها من كل حرمان لسبب غير الانتزاع للمصلحة العامة وذلك مقابل غرامة عادلة تقدم سلفا». وفي تفسيرها لهذه المادة وفي لقاء صحفي جمعنا بها بجريدة «الصحافة اليوم» تقول أستاذة القانون المختصة في العقود النفطية فوزية باشا :«تعني هذه المادة ان الفرنسيين الذين كانوا بطبيعة الحال مسيطرين بصفة مطلقة على جميع الصناعات والمناجم والتنقيب على النفط سيحافظون على وضعياتهم دون تغيير ولن يتم تأميم هذه الشركات المستغلة للمناجم وحقول النفط وجميع الثروات الطبيعية بما فيها الملح لفائدة الدولة باعتبارها كانت مغتصبة».
وتضيف الاستاذة فوزية باشا ان انعدام السيادة الوطنية على المجال الاقتصادي يتأكد بالمادة 33 والمادة 34 من اتفاقية الاستقلال الذاتي المؤرخة في 3 جوان 1955.
وباعتبار حصولنا بعد الثورة على وثيقة الاستقلال الذاتي فانه بامكاننا ان نفهم اليوم دلالات الجهاد الاكبر حيث ان المقصود به ليس معركة التنمية ولكن معركة استرجاع سيادتنا الوطنية على ثرواتنا الطبيعية وعلى قرارنا الوطني في اتخاذ الاجراءات اللازمة واقرار التشريعات الكفيلة بحماية مصالح اقتصادنا وليس مصالح الشركات الفرنسية والاوروبية والاجنبية بصفة عامة.